من هو الإمام الباقر؟
محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) المشهور بباقر العلوم هو الإمام الخامس لدى الشيعة، وقد شهد واقعة كربلاء وهو صغير، كما أنه يعتبر المؤسس للثورة العلمية الشيعية الكبرى التي بلغت ذروتها في زمن نجله الإمام الصادق (عليه السلام).
روي عنه (عليه السلام) روايات كثيرة في مجالات شتي كالفقه، والتوحيد، والسنة النبوية، والقرآن، والأخلاق، كما بدأت المعتقدات الشيعية تتبلور في فترة إمامته وذلك في مختلف الفروع كالفقه والكلام، والتفسير.
واعترف علماء أهل السنة بفقه الإمام الباقر (ع)، ومن ثم قيل فيه هو باقر العلم وجامعه وشاهر علَمه وأنّه عمّر أوقاته بطاعة الله وكان يحظى بمراتب عالية في مقامات العارفين.
ولادته وتسميته
ولد الإمام محمد الباقر (ع) في المدينة في يوم الجمعة الموافق للأول من رجب سنة 57 هـ، وذهب البعض إلى أنّ ولادته كانت في الثالث من صفر من نفس السنة، وسمّاه جده رسول الله (ص) بمحمد، ولقّبه بالباقر قبل أن يولد بعشرات السنين، ورواية جابر بن عبد الله الأنصاري وغيرها من الروايات تشير إلى هذه الحقيقة.
طفولته
لقد قضى الإمام الباقر (عليه السلام) طفولته في المدينة في أحضان والده وجدّه لمدة أربع سنوات، وقد شهد واقعة عاشوراء في كربلاء حيث يشير الإمام نفسه في إحدى رواياته إلى هذا المعنى بقوله (عليه السلام): "قتل جدي الحسين (عليه السلام) ولي أربع سنين وإني لأذكر مقتله وما نالنا في ذلك الوقت".
الثورة العلمية
لقد قاد الإمام الباقر (عليه السلام)، حركة علمية واسعة استمرت على طول فترة إمامته (94 إلى 114 هـ)، حتى بلغت ذروتها في إمامة ابنه الإمام الصادق (عليه السلام)، فقد حصل بعد ظهور الإمام الباقر(عليه السلام) تقدّم واسع في هذا الصعيد، وظهرت حركة علمية ثقافية جديرة بالإكبار في أوساط الشيعة كسرت حاجز التقية إلى حدّ ما، وأزالت حالة الانحسار الذي مني به الفكر الشيعي في دوائر خاصة، ففي ذلك الوقت بدأ الشيعة بتدوين علومهم الإسلامية كالفقه والتفسير والأخلاق و... وقد بلغت من الوفرة حدّاً لو قورن بما نقل عن ابناء الحسن والحسين (عليهما السلام) قبله لكان ما نقل لا يساوي معشار ما نقل عن الإمامين الباقر والصادق (عليهم السلام).
خلال ثورته ردّ الإمام الباقر(عليه السلام) استدلال أصحاب القياس، كما اتّخذ موقفاً شديداً مقابل سائر الفرق الإسلامية المنحرفة، وحاول جاهداً بهذا الموقف أن يضع حدّاً فاصلاً بين عقائد أهل البيت الصحيحة في الأصعدة المختلفة، وبين عقائد سائر الفرق، فقد كان يقول (عليه السلام) عن الخوارج: "إن الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم إن الدين أوسع من ذلك".
ولم تكن شهرة الإمام الباقر العلمية مقتصرة على أهل الحجاز، بل عمّت العراق وخراسان بشكل واسع، حيث يقول الراوي: رأيت أهل خراسان التفّوا حوله حلقات يسألونه عمّا أشكل عليهم.
علم الكلام
إنّ عصر الإمام الباقر (عليه السلام) نظراً إلى إتاحة الفرصة بسبب قلة سيطرة السلطة الحاكمة وفّر الفرصة، وأتاح المجال لظهور عقائد وأفكار مختلفة مما أدّى إلى إيجاد وانتشار أفكار منحرفة في المجتمع، فكان على الإمام (عليه السلام) في هذه الظروف بيان عقائد الشيعة الأصيلة ومجابهة العقائد الباطلة والردّ على الشّبهات المطروحة.
وعليه كانت بحوث الإمام الكلامية التي كان يطرحها ناظرة لهذه الأمور، منها: عجز العقول عن إدراك حقيقة الله، وأزلية واجب الوجوب، ووجوب طاعة الإمام، كما ترك لنا الإمام (عليه السلام) تراثاً كبيراً في مجالي الفقه والتأريخ.
الإمام الباقر(عليه السلام) على لسان الفقهاء
إنّ شخصية الإمام الباقر (عليه السلام) لم تكن الفريدة من نوعها في رأي الشيعة الإمامية فحسب، بل إنّ علماء أهل السنة أيضاً يعتبرونه فريداً من نوعه.
فيقول ابن حجر الهيتمي في وصفه (عليه السلام): أبو جعفر محمد الباقر سمّي بذلك من بقر الأرض أي شقّها وأثار مخبآتها ومكامنها، فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة، أو فاسد الطوية والسريرة.
ومن ثمّ قيل فيه هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علَمه ورافعه ... عمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة.
وتحدّث عبدالله بن عطاء عن إكبار العلماء وتعظيمهم للإمام الباقر (عليه السلام) وتواضعهم له، وهو من الشخصيات البارزة والعلماء العظام ما قوله: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي لتواضعهم له.
أما الذهبي فقد كتب في وصف الإمام الباقر (عليه السلام) قائلاً: كان الباقر أحد من جمع بين العلم والعمل والسؤود والشرف والثقة والرزانة، وكان أهلاً للخلافة.
شهادة الإمام الباقر عليه السلام
رغم ابتعاد الإمام الباقر (عليه السلام) ومن قبله والده الإمام السجّاد (عليه السلام)، عن كل ما يمت بصلة إلى السلطة ورموز بلاطها، إلاّ أنّه يمثل بالنسبة للسلطات الأُمويّة هاجساً من الخوف المشوب بالغيرة والحقد ونصب العداء، ويدخل ذلك ضمن الثقافة التي توارثها الابناء عن الآباء من رجالات السلطة، ذلك لأنّهم يدركون خطورة النشاط الذي يمارسه عليها، لكونه مصدر الوعي الإسلامي الصحيح ورائد الحركة الاصلاحية في الأُمّة، التي تكنّ له التبجيل والاحترام فعملت السلطة على تصفيته جسدياً، ولجأت إلى سلاحها المعهود فاغتالته بالسم في زمان هشام بن عبد الملك، الذي نقل أنّه كان شديد العداوة والعناد لأبي جعفر الباقر (عليه السلام) ولأهل بيته.
ولم تذكر الروايات تفاصيل أسباب دسّ السم إليه وكيفية شهادته، ومهما يكن فإنّ بعض المصادر ذكرت أنّ سبب موته مرض، بينما اكتفت بعض المصادر أنّ الإمام الباقر (عليه السلام) استُشهد مسموماً كأبيه، ولم تذكر من الذي باشر ذلك في حين ذكرت بعضها أنّ هشام بن عبد الملك هو الذي سمّه، وذكرت أُخرى أنّ إبراهيم بن الوليد هو الذي سمّه.
من وصايا الإمام الباقر (عليه السلام)
زوّد الإمام أبو جعفر (عليه السلام) تلميذه العالم جابر بن يزيد الجعفي بهذه الوصية الخالدة الحافلة بجميع القيم الكريمة والمثل العليا التي يسمو بها الإنسان فيما لو طبقها على واقع حياته، وهذا بعض ما جاء فيها:
"أوصيك بخمس: إن ظلمت فلا تظلم وإن خانوك فلا تخن وإن كذبت فلا تغضب وإن مدحت فلا تفرح وإن ذممت فلا تجزع، وفكر فيما قيل فيك فإن عرفت من نفسك ما قيل فيك فسقوطك من عين الله جلّ وعزّ عند غضبك من الحق أعظم عليك مصيبة، مما خفت من سقوطك من أعين الناس وإن كنت على خلاف ما قيل فيك فثواب اكتسبته من غير أن يتعب بدنك.
وإعلم بأنك لا تكون لنا ولياً حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك، وقالوا إنك رجل سوء لم يحزنك ذلك، ولو قالوا إنك رجل صالح لم يسرك ذلك، ولكن إعرض نفسك على كتاب الله فإن كنت سالكاً سبيله، زاهداً في تزهيده، راغباً في ترغيبة، خائفاً من تخويفه فاثبت وأبشر، فإنه لا يضرك ما قيل فيك، وإن كنت مبائناً للقرآن فماذا الذي يغرّك من نفسك.
إن المؤمن معنيّ بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها، فمرة يقيم إودها ويخالف هواها في محبة الله، ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه الله فينتعش، ويقيل الله عثرته فيتذكر ويفزع إلى التوبة والمخافة فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف، وذلك بأن الله عز وجل يقول: [إِنَّ الَّذينَ اتَّقَوا إِذا مَسَّهُم طائِفٌ مِنَ الشَّيطانِ تَذَكَّروا فَإِذا هُم مُبصِرونَ ]. الأعراف - 201
يا جابر، استكثر لنفسك من الله قليل الرزق تخلصاً إلى الشكر واستقلل من نفسك كثير الطاعة لله إزراءاً على النفس وتعرضاً للعفو، وادفع عن نفسك حاضر الشر بحاضر العلم، واستعمل حاضر العلم بخالص العمل، وتحرّز في خالص العمل من عظيم الغفلة بشدة التيقظ، واستجلب شدة التيقظ بصدق الخوف، وأحذر خفي التزين بحاضر الحياة، وتوقّ مجازفة الهوى بدلالة العقل، وقف عند غلبة الهوى باسترشاد العلم، واستبق خالص الأعمال ليوم الجزاء.
ألقابه (عليه السلام)
من ألقاب الإمام الباقر(عليه السلام) الكريمه: الباقر والشاكر والهادي وأشهرها الباقر، الذي تلقاه من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومعنى الباقر كما في المعاجم اللغوية المتبحّر بالعلم والمستخرج غوامضه وأسراره والمحيط بفنونه.