نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بدعاء (علقمة او صفوان)، وهو الدعاء الذي يتلى بعد زيارة الامامين علي والحسين عليهم السلام، وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، وانتهينا من ذلك الى مقطع يتحدث عن توسله بالله تعالى من خلال الامامين عليهم السلام، مشيراً الى ان لهما عند الله تعالى المنزل الرفيع والمقام المحمود والجاه الوجيه وقد تساءلنا في لقاء سابق عن الفارق بين المقام المحمود لدى الله تعالى والمنزل الرفيع والجاه الوجيه، اي ان كلاً من المقام والمنزل والجاه بمعنى مشترك هو موقع الامامين العظيمين عند الله تعالى ولكن هذا الموقع عبر عنه حيناً بالمقام وآخر بالمنزل وثالث بعبارة الجاه، والمطلوب الآن ملاحظة هذه الفوارق حتى يصبح الداعي على وعي بما يقرأ من الادعية...
ان مصطلح المقام يعني الاقامة في مكان ما، اما المنزل فيعني السكن في مكان ما للمسافر واما الجاه فيعني الموقع الاجتماعي هذا من حيث اللغة واما من حيث انسحابها على ما نحدثك عنه فتعني هذه العبارات الثلاث معاني مشتركة واخرى مفترقة حيث ان مستويات السلوك العبادي او العبودية لله تعالى عند المعصومين عليهم السلام تظل متناسبة في الجزاء المترتب على ذلك، وهذا يستاقنا الى التوضيح الآتي:
ان المقام المحمود ورد في القرآن الكريم توصيفاً لمن يقوم الليل متهجداً كما هو واضح تبعاً لقوله تعالى «وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا»، هذا يعني ان المقام هو السكن في مكان يقيم الشخص فيه وفي هذا السياق الذي نتحدث عنه يعني ان لدى الامامين عليهم السلام مكاناً يحتلانه مقترناً بما هو ممدوح ومحمود عند الله تعالى وهذا المقام يختلف عن المنزل في كونه ينظر الى الموقع من زاوية قيام الشخصية بعمل او باعمال تستحق الثناء والحمد من الله تعالى.
وهذا فيما يتصل بالمقام المحمود ولكن ماذا بالنسبة الى ما يتصل بـالمنزل الرفيع؟ المنزل ـ كما قلنا ـ هو المكان الذي ينزل المسافر فيه بعد قطعه المسافة مثلاً ولذلك فان الراحة ستتحقق من خلال النزول في المكان المذكور بعد الاعمال التي اضطلع بها العبد.
واما الجاه فيعني نمطاً ثالثاً من المواقع عند الله تعالى، الا وهو العنوان الذي يطبع العبد عند الله بحيث يكون بمثابة الوجه بالقياس الى البدن فالوجه هو الملمح الخارجي للشخصية بحيث تعرف الشخصية بواسطته والا فالبدن بدون الوجه لا يميز الشخصية عن غيرها، وهذا يعني ان الامامين عليهم السلام يجسدان وجهاً معروفاً عند الله تعالى، في غمرة عبوديتها لله تعالى.
اذن اتضح الفارق او الفارقية بين مصطلح المقام والمنزل والجاه الا ان ثمة نكتة مهمة هي لماذا وصف الوجاهة هنا تنطبق على كلمة الجاه وكلمة الوجيه فلماذا وصف هذا الدعاء الوجه بكونه وجيهاً؟ هذا سؤال في غاية الاهمية والجواب كما يأتي الآن.
صحيح ان الجاه يعني الموقع الذي يحتل فيه الوجه ملامح الشخصية فالمفروض في التأمل العابر مثلاً ان يكون الوجه مصحوباً بما هو نور مثلاً فلماذا انتخب الدعاء صفة الوجيه مع ان الوجيه هو مأخوذ من الوجه؟
الجواب هو ان الوجه يختلف من شخص الى آخر ومعنى هذا ان التفاوت بين هذا الوجه او ذاك يفرض ضرورته وبما ان الدعاء يستهدف الاشارة الى الوجه الخاص المميز عن سائر الوجوه بكونه اكثر الفاتاً للنظر واشد الوجوه من حيث الملمح المتميز عن سواه بسمات الصباحة والالق والشروق وما الى ذلك، حينئذ يكون لهذا الوجه وجه متميز وفائق ومتفرد.
اذن امكننا ان نتبين جانباً من الاسرار الكامنة وراء العبارات المتقدمة، والمهم هو ان نتوسل بالله تعالى بحق الوجوه المتقدمة ان يوفقنا الى مجاورتها والى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.