نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بدعاء علقمة او صفوان، وهو دعاء يقرأ بعد زيارة عاشوراء التي حث ائمة اهل البيت عليهم السلام على تلاوتها باستمرار وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه ونحدثك الان عن احد مقاطعه القائل: (يا منفس الكربات، يا معطي السؤلات، يا ولي الرغبات)، ان كل واحدة من الفقرات المتقدمة مع انها جميعاً ذات دلالة مشتركة هي تحقيق ما يتطلع اليه العبد من آمال تتصل بمختلف ما يعانيه من شدائد يرجو خلاصه منها، ولكن مع ذلك فان الشدة ما دامت متنوعة حينئذ فان دلالات ومحاور الخلاص منها متنوعة ايضاً وهذا يفسر لنا تعدد فقرات الدعاء التي تتحدث عن الكربات و الرغبات و السؤلات، اذن لنتحدث عن كل منها، ونبدأ ذلك بعبارة (يا منفس الكربات).
الكرب هو الشدة العظيمة ومنها الشدة النفسية التي تترب على ما يكابده الشخص من احباطات اجتماعية مثل الشدائد التي يعاني منها الانبياء مثلاً من خلال مجتمعات الانحراف والكفر والمعصية وما الى ذلك، وهذا ما نلحظه في التعبير القرآني الكريم حينما يشير بعبارة «وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ»، الى مجموعة من الانبياء الذين عانوا شدائد من مجتمعاتهم المنحرفة.
وفي مجال القارئ للدعاء نجد ان الكرب بدوره يتصل بما هو كبير من الشدة بغض النظر عن نمطها النفسي او غيره.
من هنا يتحدث الدعاء عن الله تعالى من حيث كونه منفساً عن الكربات ولعلك تتساءل عن السبب الذي جعل منشيء الدعاء ينتخب كلمة منفس للتعبير عن انفراج الكربات؟
نعتقد ان التنفيس هنا هو استعارة مأخوذة من ظاهرة التنفس فالتنفس هو المنقذ لحياة الانسان فاذا انقطع نفسه انقطعت حياته وبما ان الكرب كما قلنا هو الشدة العظيمة وليست العادية حينئذ فان التخفيف عنها يتمثل في ما هو عظيم ايضاً من الوسائل وهذا ما يتجسد في وسيلة التنفس كما هو واضح.
العبارة الثانية من المقطع هي (يا معطي السؤلات) ولعلك تتساءل عن السبب الذي جعل منشيء الدعاء ينتخب كلمة السؤل مثلاً للتعبير عن حاجة العبد بالقياس الى العبارة التي سبقته وهي انتخاب الكربات للتعبير عن شدائد الحياة؟ الجواب هو ان السؤال هو ما يساله العبد اعم من حجم الشدة او نمطها او اعم من الحاجة النفسية او المادية.
وهنا ننبه قارئ الدعاء الى ان هذه الفقرة وهي (يا معطي السؤلات)، تشكل بدورها صورة فنية استعارية هي انها خلعت صفة السائل وهو الفقير الذي يسال الاخرين مساعدته مادياً ويكون الاخرون هو المعطي للسائل والمعطي على العبد والله تعالى حيث يسأل العبد ربه ليعطيه ما يحتاج اليه.
بعد ذلك نواجه عبارة ثالثة وهي (يا ولي الرغبات) فماذا نستلهم منها؟
هنا نحسب بان قارئ الدعاء سوف يسارع الى سؤال جديد هو لماذا انتخب منشئ الدعاء عبارة الرغبات مع انها تجسيد لعبارة السؤلات او لنقل انها مصداق للسؤلات او مرادفة لها؟
الجواب هو ان الرغبة اعم من السؤال المتسم بالاهمية او بالشدة او حتى بالسؤال نفسه، أي انك من الممكن مثلاً ان ترغب في تحقيق حاجة جمالية كالسياحة او حاجة شعائرية كالزيارة الى احد المراقد، ثم لا يقدر لك او لا تتحمس في ان تتجه بالدعاء في ذلك أي لا تسأله سبحانه وتعالى بالنسبة الى تحقيق رغبتك وهذا ما يتسجد في عبارة يا ولي الرغبات حيث ان الله تعالى هو اولي أي يتولى تحقيق رغبات العبد دون سواه حتى لو لم يسأله العبد في تحقيق ذلك، والسبب هو ان اولى الامر لعباده يتولى رعايتهم حتى لو لم يسألوه ذلك.
اذن اتضح لنا معنى قوله(ع) باولي الرغبات وما يتجسد في العبارة من نكات مهمة والاهم من ذلك هو ان نقدر نحن القراء للدعاء عظمة الله تعالى ورحمته ورعايته وتوليه لعباده وان نمارس مهمتنا العبادية والتصاعد بها الى النحو المطلوب.