نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الذي يطلق عليه اسم "صفوان" او "علقمة" وهو الدعاء المندوبة قراءته بعد زيارة عاشوراء المباركة وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الى مقطع يقول (يا مدرك كل فوت، ويا جامع كل شمل، ويا بارئ النفوس بعد الموت)، هذا المقطع من الدعاء يترشح باكثر من دلالة، حيث يجمع بين ظواهر تتصل بالحياة وبما بعدها، كما ان كل فقرة منه ترشح باكثر من معنى، ونقف عند هذه الفقرات الثلاث الان ...
الاولى من تلك الفقرات تقول (يا مدرك كل فوت)، والسؤال ما الذي نستلهمه من هذه العبارة ان الفوت او الفوات هو سلب الانسان في تجربته البشرية شيئاً لا يمكن تداركه او ادراكه نظراً لقصور الانسان في طاقاته حيث لا يمكنه ان يمارس عملاً مطلقاً بلا حدود بل العكس تماماً أي محدودية طاقته بعكس الله تعالى حيث لا حدود لقدرته وفاعليته كما هو واضح، ان الله تعالى لا يفوته شيء البتة بل انه لعظمته ورحمته يدرك كل ما يتصل بقضايا الكون او الانسان او أي ظاهرة ويرتب عليه الامر الذي يتطلبه الموقف.
اما العبارة الثانية فتقول (يا جامع كل شمل)، هذه العبارة او الفقرة قد تبدو وكأنها من الوضوح بمكان وهو كذلك لكن ينبغي ان ندقق تأملنا في العبارة فنقول ان جمع الشمل ينسحب على كل تجربة دنيوية او اخروية، وسنرى بعد قليل ان العبارة الثالثة تقول (يا بارئ النفوس بعد الموت)، أي خالق البشر بعد ان عدمهم الزمان، حيث ان برأ هي بمعنى الخلق من العدم، وهو امر يرتبط باليوم الآخر، وما نعتزم توضيحه هو ان مقطع الدعاء يحدثنا عن الدنيا والاخرة من حيث الاشارة الى قدراته تعالى ورحمته بيد ان السؤال هو لماذا الاشارة الى جمع الشمل ثم خلق الانسان او بعثه بعد الموت؟
في تصورنا ان قارئ الدعاء بمقدوره ان يتداعى بذمته من خلال الفقرة التي تقرر (يا جامع كل شمل) الى التجربة الدنيوية (وهو عطاء بطبيعة الحال) أي يرتبط برحمته حيث يتطلع الانسان الى قريبه او صديقه او ما يعنى بشأنه الى ان يجتمع بمن بعد عنهم لسبب او لآخر.
وقد يتداعى الذهن ايضاً الى اليوم الآخر حيث يجتمع بشمل الاقرباء في مختلف مراحل عمرهم الدنيوي يجتمع شملهم اخروياً.
المهم، ان تداعي الاذهان الى التجربة الدنيوية او الاخروية يحمل عطاءاً كبيراً هو رحمته تعالى للمؤمنين في لم شملهم حيث ان البشر بطبيعة تركيبتهم اجتماعيون سواءً في دنياهم او اخراهم حيث ان العلاقات الاسرية والجوارية والصداقية، تلعب دورها الكبير في اشباع حاجات الانسان كما هو واضح.
يبقى ان نحدثك عن العبارة التالية وهي (ويا بارئ النفوس بعد الموت)، والسؤال المهم جداً هو ماذا نستلهم من الفقرة المذكورة؟
مما لا شك فيه ان لهذه العبارة اكثر من استخلاص او استلهام فمثلاً يتداعى الذهن الى عظمة الله تعالى من جانب حينما يضع الانسان في ذهنه ان الله تعالى قادر على ان يعيده بعد تحوله الى عظام، وهذا فيما يتصل بقدرته تعالى في النطاق المذكور.
لكن ثمة تداعيات ذهنية اخرى منها ان الدعاء يجعلك منتقلاً بذهنك الى اليوم الاخر وما يترتب على حدوثه من آثار خالدة هي مصير الانسان الى ما لا نهاية له من العمر أي الخلود، والسؤال من جديد اما يجعل هذا التداعي قارئ الدعاء في موقف يحسم سلوكه وما يتصل بشخصيته ومصيرها؟
ان قارئ الدعاء عندما يتذكر عبارة (يا بارئ النفوس بعد الموت)، سوف يستحضر في ذهنه وفاته وقبره والحياة البرزخية بمختلف مراحلها، ثم الانبعاث وعرصات يوم القيامة والمحاسبة واهوال ذلك ثم تحديد المصير الخالد، وهو مصير يرتبك الانسان حينما يدقق نظره في تحديده وهو لا يعلم حدوده.
ان العبارة المذكورة تجعلك محاسباً لنفسك مفكراً بحياتك الاخروية وهو عطاء كبير يحملك على ممارسة الطاعة وتعديل سلوكك أليس كذلك؟
اذن نستخلص في النهاية اهمية العبارات المتقدمة مما تحملنا على تعديل السلوك والتصاعد به الى النحو المطلوب.