نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بدعاء علقمة او صفوان ونعني به الدعاء الذي يقرا بعد زيارة عاشوراء المشهورة حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، وانتهينا من ذلك الى مقطع ورد فيه (يا من لا تشتبه عليه الاصوات، ويا من لا تغلطه الحاجات، ويا من لا يبرمه الحاح الملحين)، هذا المقطع من الدعاء تنتظمه عبارات ثلاث متجانسبة ترتبط بعلاقة العبد بالله تعالى من حيث الادعية التي يتجه بها عباد الله الى الله تعالى ومن حيث تعامله تعالى مع ادعية حاجات عباده.
هنا قبل ان نحدثك عن هذه الفقرات الثلاث نذكرك بان الادعية تتميز بكونها مثل سائر النصوص الشرعية ذات بلاغة فائقة ومنها البلاغة المتصلة بتجانس العبارات وتنوعها مع كل موضوع فهناك مقطع يتحثد مثلاً عن علم الله تعالى بخائنة الاعينن وعلمه بما في الصدور وعلمه بكل خافية حيث ان هذه الفقرات الثلاث متجانسة مع موضوعها وهو العلم بما هو خاف على سواه وكذلك ما نلاحظه الان حيث انتقل الدعاء من العلم بخفايا الامور الى موضوع آخر هو انه تعالى يعنى بدعاء عباده وحاجاتهم وهي الفقرة التي قرأنها قبل قليل ونعني بها (يا من لا تشتبه عليه الاصوات، ويا من لا تغلطه الحاجات ويا من لا يبرمه الحاج الملحين)، وهي فقرات نبدأ بالقاء الانارة عليها كلاً على حدة، ونحدثك اولاً عن عبارة (يا من لا تشتبه عليه الاصوات).
طبيعياً ثمة نكات يتعين علينا لفت نظرك اليها منها ان الدعاء مع كونه يتحدث عن صفات الله تعالى وتمجيده كذلك يتضمن من زاوية ثانية نكتة اخرى هي ارتباط ذلك بقارئ الدعاء فمثلاً ان عبارة (يا من لا تشتبه عليه الاصوات) هي عبارة عامة تتصل بعظمة الله تعالى من حيث كونه لا تشتبه عليه اصوات الملايين ممن يدعو ويتجه الى الله تعالى بكلماته ولكن هذه الحقيقة الموضوعية لها صلة بحقيقة ذاتية هي القارئ للدعاء فالقارئ للدعاء ينتبه سريعاً على ان عبارة (يا من لا تشتبه عليه الاصوات) تنعكس على حالة دعائه لانه الان يمارس الدعاء وهو صوت من الاصوات.
فاذن صوت هذا القارئ يصل الى الله تعلى ولا يشتبه عليه قبالة ملايين الاصوت الاخرى الضاجة اليه بالدعاء واذن ايضاص كم هو رائع ان نقرأ نحن عباد الله تعالى ادعيتنا ونتجه اليه باصواتنا وهو تعالى لا تشتبه عليه هذه الاصوات بل يمزيها واحداً عن الاخر.
الامر نفسه حينما نتجه الى العبارة الثانية من مقطع الدعاء وهي (يا من لا تغلطه الحاجات)، ترى ماذا نستلهم من هذه العبارة؟ طبيعياً تختلف هذه العبارة عن سابقتها بانها تتحدث عن الحاجات لقارئ الدعاء وليس عن اصواتهم ان اصوات الداعين تعني تمييز كل واحد منهم وهم بالميايين ولكن الحاجات هي شيء آخر انها ما يطلبه قارئ الدعاء من الله تعالى من مختلف حاجاته دنيوياً واخروياً وبكلمة اشد وضوحاً ان عبارة يا من لا تغلطه الحاجات، تتناول نمط ما تحتاجه ونتطلع اليه فقارئ الدعاء يطلب مثلاص غفران ذنوبه ورضا الله تعالى والدخول الى الجنة، واو يطلب شفاءه من المرض او الفقر او هذه الحاجات متنوعة كما هو واضح، الا ان السؤال هو لماذا عبر الدعاء عن قضاء الله تعالى لحاجات العبد بعبارة (يا من لا تغلطه الحاجات)، بينما عبر عن اصوات الداعين بعبارة يا من لا تشتبه عليه الاصوت؟ الجواب هو ان الحاجات بما انها متنوعة عند الفرد الواحد من الناس ومتنوعة من حيث النظر الى الناس جميعاً عندئذ فان لا خطأ يحدث في تمييز احدها عن الاخر عند العبد او تمييزها عند الناس جميعاً وهذا يعني انه تعالى يرعى عباده من حيث عنايته بحاجاتهم جميعاً دون بعضها الآخر، ومن حيث عنايته بجميع الناس وبجميع حاجاتهم وتمييزها دون احتمال ان يحدث الخطأ في تمييزها.
العبارة الثالثة من المقطع هي (يا من لا يبرمه الحاح الملحين)، وهذه العبارة لها اهميتها الفائقة لسبب واضح هو ان التجربة البشرية ذات قدرات محدودة من الاستعداد لقضاء حاجات الاخرين سواء أكان ذلك في نطاق قدراتهم على انجاز الحاجات او نطاق الاستعداد لعدم الملل من تكرارها وهذا على العكس من عظممة الله تعالى، حيث لا حدود لسعة رحمته ولا حدود لامكانية عدم ملله من الحاح الناس عليه بالنسبة لحاجاتهم وهذا امر سنحدثك عن تفصيلاته لاحقاً ان شاء الله تعالى. ختاماً نساله تعالى ان يوفقنا الى مرضاته تعالى وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.