نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ونتقدم الآن بدعاء جديد هو الدعاء الموسوم بدعاء علقمة ودعاء صفوان حيث يقرأ بعد زيارة عاشوراء المشهورة وزيارة الامام علي(ع) والامام الحسين(ع).
وقد بدأ الدعاء بهذا الاستهلال: (يا الله يا الله يا الله، يا مجيب دعوة المضطرين يا كاشف كرب المكروبين يا غياث المستغيثين، يا صريخ المستصرخين)، ان هذا الاستهلال او الافتتاح للدعاء ينطوي على اهمية كبيرة لجملة اسباب، منها انه يردد ثلاث مرات عبارة يا الله، وهي عبارة تنطوي اهميتها على جملة نكات ايضاً منها انها تتضمن اسمه تعالى الذي لا يتسمى به سواه، ومنها تكراره ثلاث مرات، حيث ان للتكرار اهمية بنحو مطلق ومنها ان تكراره محدد بعدد خاص، حيث نعرف جميعاً ان الادعية او الزيارات طالما تتوكأ على العدد وعلى تكراره مثل ثلاثة او خمسة او ستة او عشرة او ثلاثين او سبعين او مائة، واذا تجاوزنا ظاهرة العدد من خلال تكراره المتقدم تواجه اربع عبارات تحوم على دلالة واحدة ولكنها تختلف كل واحدة عن اختها بدلالاتها الفرعية أي ان الدلالة الاصلية هي واحدة متمثلة في عبارات تكشف عن الشدة التي يعاني منها قارئ الدعاء ولكن التعبير عن الشدة وحجومها يختلف بطبيعة الحال عن الشدة المطلقة، ولنتحدث الان عن كل منها.
العبارة الاولى هي (يا مجيب دعوة المضطرين)، وهذه الفقرة من الدعاء تعني حالة خاصة من الشدائد هي الاضطرار أي انها شدة لا يمكن الاصطبار عليها نظراً لاضطرار الشخصية بان تعلن عنها حتى تنكشف كما هو واضح وهذه الحالة الاضطرارية طالما تشير اليها نصوص القرآن الكريم وسواه مثل (امن يجيب المضطر اذا دعاه ويكشف السوء) ان الفقر الشديد حقاً هو احد انماط وكذلك اذا فقدت الشخصية امانها او ابتليت بمرض عضال وهكذا ولكن هذه الشدة تختلف في مستوياتها او فروعها حيث المح الدعاء الى بعض منها وهي فقرة (يا كاشف كرب المكروبين)، وهذه تحتاج الى القاء الانارة عليها.
الكرب هو الشدة المتمثلة في الغم او الحزن الشديد مثل شدائد الانبياء عليهم السلام، قبالة ما تمارسه مجتمعاتهم من اذى او عناد او سخرية.
اذن عبارة يا كاشف كرب المكروبين تتفق مع عبارة يا مجيب دعوة المضطرين من حيث التعبير عنهما هو شدة ولكن الاختلاف واضح فالشدة التي يعاني منها الجائع مثلاً تختلف عن الشدة التي تواجه الشخصيات الرسالية أي الحاملة لوظيفة تبليغية هي توصيل مبادئ السماء الى الاخرين حيث تقرن شدتها بعدم استجابة الاخرين او بالسخرية منهم او بالحاق الاهانة او الاذى بنحو عام.
ونتجه الى عبارة ثالثة هي يا غياث المستغيثين ويا صريخ المستصرخين والحق ان هاتين العبارتين تتجانسان تماماً من حيث الهتاف باسم الله تعالى تعبيراً عن الحاجات التي بلغت الدرجة العالية من الاحباط او الحرمات ولعلك تتساءل اولاً عن الفارق بين عبارة المستغيث وعبارة المستصرخ والجواب هو ان المستغيث هو من يطلب العون فيستغيث بالله تعالى لكي يمده باعوان لتحقيق ما يتطلع اليه بينما المستصرخ هو من يرفع صوته صارخاً بحيث يعبر صراخه عن درجة خاصة من الشدة ولعلك ايضاً ستتساءل عن النكتة الاخرى في الفارقية بين الاستغاثة وبين الصرخة والجواب هو ان الاستغاثة تتم بواسطة الصوت والصراخ يتم بواسطة الصوتية بدوره ولكن الصراخ يتحقق من خلال الصوت فحسب بينما الاستغاثة تعني الطلب مجرد وليس صراخاً وحده.
اذن هذه الفقرات الاربع من دعاء علقمة او صفوان هي افتتاح لفقرات اخرى تحوم على الدلالات ذاتها، ولكن مع فوارق تتصل بفروع الشدة التي يصدر الناس عنها وبما تنطوي عليه من سمات تتصل باستجابة الله تعالى من حيث مستوياتها وهو امر سنحدثك عنه في لقاء لاحق انشاء الله تعالى.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى اللجوء اليه بواسطة هذه الادعية وسواها وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه ولي التوفيق.