«هنا نريد التوسيع قليلاً في شرح الموضوع لكي يتوضح ما نعنيه من قولنا ينبغي أن يكون نظام الحكم إسلامياً. فكون نظام معين رسالياً وقائماً على أساس مبادئ وقيم معينة يتجسد في بعدين على أقل، سواء كان إسلامياً أو ذا اتجاه فكري آخر، وبتعبير آخر تتجسد تبعية نظام معين لمجموعة من المبادئ والعقائد والأفكار والمعارف المعينة في بعدين على الأقل هما: "التشريع" و"الحكم والتنفيذ".
ويمكننا أيضاً أن نضيف هنا بعداً ثالثاً بعنوان البعد "القضائي"، إلا أن هذا البعد لا يتمتع بالأصالة التي يتمتع بها كل من السلطة التشريعية والجهاز التنفيذي، والخلاصة أن هناك بعدين رئيسيين وهما: (التشريع والتنفيذ) والبعد القضائي تابع لهما.
فلو كانت القوانين التي يقرّها النظام ويدافع عنها هي القوانين الإسلامية، وكان مسؤولون عن تنفيذ هذه القوانين قد تقلدوا هذا المنصب على أساس المبادئ والقيم الإسلامية فسوف يكون ذلك النظام "إسلامياً"، أما لو انحرفت القوانين عن مسار الإسلام أو لم يتقلد المسؤولون عن القضاء أو التنفيذ هذه المناصب على أساس المعايير الإسلامية، بل تقلدوها بأساليب غير إسلامية، فلا يمكن اعتبار مثل هذا النظام إسلامياً.
فنحن إذاً لا يمكننا أن نعتبر حكومتنا إسلامية حقاً إلا إذا طابقت القوانين التي تسودها القانون الإسلامي وكان القضاة ومنفذو القوانين تقلدوا تلك المناصب على أساس الأساليب التي يرتضيها الله تعالى، فلو أصيب أحد هذين الأمرين بآفة بمعنى أن جهاز التشريع انحرف عن مسار الإسلام أو أن الذين تقلّدوا مناصب القضاء والتنفيذ قد تقلدوها بأساليب غير إسلامية، لم تبق حينئذ ضمانة لاستمرار النظام الإسلامي، بل ستنحرف الأفكار والاتجاهات عن المسار الصحيح شيئاً فشيئاً، وقد يحصل هذا الانحراف بمنتهى الهدوء والبطء فلا يلقى ردود فعل لدى الشعب المسلم لا سيما الجماهير التي تتمتع بقدر قليل من المعلومات، لكنه سينتهي في كل الأحوال إلى الانحراف عن المسار الصحيح. ولكي نحول دون الإصابة بهذه الآفة التي برزت دائماً في المجتمعات السابقة وظهرت في العالم الإسلامي بشكل قبيح جداً ونمنع تكرار مثل هذه الحوادث المريرة، ينبغي زيادة يقظة جماهير الشعب وحرصها على حفظ المبادئ والمعتقدات والقيم الإسلامية بما يجعلهم يفهمون العقائد الإسلامية ويؤمنون بها أفضل من ذي قبل ويتمسكون بقوة بالقيم التي تقوم على أساس تلك العقائد.
في الخلاصة: إن السمة الرئيسة لهذا النظام هي كونه إسلامياً ولا تتحقق هذه السمة إلا حين يقوم التشريع والتنفيذ وكذلك القضاء على أساس المبادئ والقيم الإسلامية.
ومن أجل استمرار هذه "الإسلامية" ينبغي أن يحرص أبناء الشعب على المبادئ والقيم الإسلامية لكي يمنعوا حدوث أي انحراف، ولا يكون ذلك إلا إذا كانت معرفة الشعب بالإسلام معرفة صحيحة وعميقة وبعيدة عن الانحراف، لكي لا تهزهم الشبهات بل وليردّوا عليها أيضاً.
لهذا فمن الضروري طرح قضية "الحكم الإسلامي" لتظهر لدى الناس نظرة واضحة عنه.
ولن تكون هناك ضمانة للحفاظ على "إسلامية النظام" واستمرارها دون الارتقاء بمستوى الثقافة الإسلامية لدى أبناء الشعب وتعزيز تمسكهم بمبادئ الإسلام».
*************************
الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه، آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي (رحمه الله) - بتصرّف