وانّي لأعلم ياسيّدي انّ لك يوماً تنتقم فيه من الظّالم للمظلوم، واتيقّن انّ لك وقتاً تأخذ فيه من الغاصب للمغصوب، لانّه لايسبقك معاند، ولا يخرج من قبضتك مُنابذ(۱)، ولا تخاف فوت فائت، ولكنّ جزعي وهلعي(۲) لايبلغان الصّبر على اَناتك(۳) وانتظار حلمك.
فقُدرتك ياسيّدي فوق كلّ قُدْرة، وسُلطانك غالب كُلّ سُلطان، ومعادُ كُلّ احدٍ اليك وانْ امهلته، ورجوع كُلّ ظالم اليك وان انْظرْتَهُ، وقد اضَرّني ياسيّدي حلمك عن فلان، وطول اَناتك له وامهالك ايّاهُ، فكاد القُنُوطُ يستولي عليّ لولا الثّقة بك واليقينُ بِوَعْدك.
فان كان في قضائك النّافذ وقدرتك الماضية انّه يُنيبُ او يَتُوبُ او يرجع عن ظُلْمي ويكُفُّ عَنْ مكروهي وينتقل عن عظيم ما رَكِبَ مِنّي، فصلِّ اللّهمَ على محمّد وآل محمّد واوقع ذلك في قلبه، قبل ازالة نعمتك الّتي انعمت بها عليّ وتكدير معروفك الّذي صنعته عندي.
وان كان علمك به غير ذلك من مُقامِه على ظُلْمي، فانّي اسألك ياناصر المظلومين المبغيّ عليهم اجابة دعوتي، فصلّ على محمّد وآل محمّد وخُذْهُ مِنْ مَأْمَنِنه اخذَ عزيز مقتدر، وافجأْهُ في غفلته مُفاجأَةَ مَليك منتصر، واسْلُبه نعمته وسُلطانه، وافْضُض(٤) عنْه جُمُوعَهُ واعوانَهُ، ومَزّقْ مُلكه كُلّ مُمَزّقٍ، وفرّقْ انصاره كل مُفرّق، واعرِهِ من نعمتك التي لايقابلها بالشُّكر، وانزع عنه سِرْبال عزّك الذي لم يجازه باحسان.
واقصِمْهُ يا قاصم الجبابرة، واهلكه يا مهلك القرون الخالية(٥)، واَبِرْهُ يامبيرَ الامم الظالمة، اخذُلْهُ يا خاذل الفرق الباغية، وابْتُر عُمره، وابتزّ مُلْكه(٦)، وعفّ اثرهُ واقطع خبره، واطف ناره، واظلم نهاره، وكوِّر شمْسهُ، وازهقْ نفسه، واهشم سُوقه، وجُبَّ سنامَهُ، وارغم انفه، وعجِّل حتْفهُ.
ولا تدعْ له جُنَّةً الاّ هتَكْتها، ولادعامة الاّ قصمتها، ولا كلمةً مجتمعةً الاّ فرّقتها، ولا قائمة عُلُوٍّ الاّ وضعتها، ولا ركناً الاّ وهنْته، ولا سبباً الاّ قطعته، واَرِنا انصاره عباديد(۷) بعد الالفة، وشتّى بعد اجتماع الكلمة، ومُقْنعي الرُّؤُوس بعد الظُّهُور على الاُمّمة، واشْفِ بزوال اَمْرِهِ القُلُوب الوَجِلَة، والافْئدة اللّهِفَة، والأُمَّة المتحيّرة، والبريّة الضّائِعَة.
واَدِلْ بِبَوارهِ الحُدُود المُعَطّلة، والسُّنَنَ الدّاثرة، والاحكام المُهْمَلَة، والمعالم المُغَيَّرة، والآيات المُحَرَّفَة، والمدارس المهجورة، والمحاريب المجفوّة، والمشاهد المهدومة، واَشْبِعْ به الخِماص السّاغبة(۸)، واَرْوِ بهِ اللّهَوات اللاّغِبَة(۹)، والأَكبادَ الظّامِيَة(10)، واَرِحْ بِهِ الاقدام المُتْعَبَة، واطْرُقْهُ بِلَيْلَةٍ لا اُخْتَ لها، وبساعةٍ لامَثْوىً فيها، وبِنَكْبةٍ لا انتعاش معها، وبِعَثْرةٍ لا اقالة منها، واَبِحْ حريمه، ونغّص نعيمه، واَرِهِ بطشتك الكبرى، ونقمتك المُثْلى، وقدرتك التي فوق قُدْرَتِه، وسلطانك الذي هوَ اَعزُّ من سُلطانه.
واغلبْهُ لي بِقُوّتك القويّة، ومِحالِكَ(11) الشّديد، وامنعني منه بمنعك الذي كُلُّ خلقٍ فيها ذليل، وابتلهِ بفقرٍ لاتجْبُرهُ، وبسُوءٍ لاتستُرُهُ، وَكِلْهُ الى نفسه فيما يريد انّك فعّال لما تريد، واَبْرئْهُ مِنْ حولك وقوّتك، وكِلْهُ الى حَوْلِهِ وقوّتِه، واَزِلْ مكره بمكرك، وادفع مشيّته بمشيّتك، واسقِمْ جسده، واَيتمْ ولَدَهُ، وانْقُص اجَلَه، وخيّبْ امَلَه، واَدِل دَوْلته، واَطِل عَوْلته، واجعل شغله في بدنه، ولا تفُكّه من حزنه.
وصيّر كيْده في ضلال، وامره الى زوال، ونعمته الى انتقال، وجِدّهُ في سِفال، وسلطانه في اضمحلال، وعاقبته الى شرّ مألٍ، واَمِْته بغيظه اِنْ امتّه، وابقه بحسرته ان ابقيته، وقني شرّه وهمزه ولَمْزه، وسطوته وعداوته، والمحه لمحة تُدمّر بها عليه، فانّك اشدّ باساً واشدُّ تنكيلاً.
*******
(۱) المنابذ: المخالف.
(۲) الهلع: الجزع.
(۳) اناتك: امهالك.
(٤) فضّه: كسره.
(٥) الخالية: السالفة والماضية.
(٦) ابتزّ: سلب قهراً.
(۷) العباديد والعبابيد بلاد واحد من لفظهما: الفرق من الناس والخيل الذاهبون في كلّ وجه.
(۸) الساغبة: الجائعة.
(۹) اللغوب: التعب والاعياء، اللهاة: اقصى سقف الغم.
(10) الظامية: العاطشة.
(11) المحال: الكيد.
*******
المصدر: الصحيفة الكاظمية