يسمى العيد الذي يحتفل به الملايين حول العالم، بيوم "فيساك"، وهو يوم ميلاد بوذا، واليوم الذي بلغ فيه حالة التنور، واليوم الذي توفي فيه، في الثمانين من عمره أيضاً.
تختلف المراجع التاريخية حول الموعد الدقيق لولادة غوتاما، خصوصاً أن التدوينات الأولى التي تشير إلى ذكره في التاريخ، كتبت بعد وفاته بقرنين.
كذلك، فإن الفروق بين التقويمات المعتمدة اليوم، والتقويمات الشمسية والقمرية القديمة في جنوب شرق آسيا، تجعل من الصعب تحديد عام ميلاده على وجه الدقّة.
لكن هناك ما يشبه الإجماع على أنه ولد عام 563 قبل الميلاد في النيبال، ابناً لأودودانا قائد قبيلة شاكيا، وزوجته مايا.
ويعتقد أيضاً أنه تنقل خلال حياته بين عدّة مدن في شبه الجزيرة الهندية حاملاً تعاليمه، ثم توفي في الهند في عام 483 قبل الميلاد.
ولد سيدهارتا في مجتمع يعتنق الديانة الهندوسية، وكان لتعاليمها أثر كبير على حياته، ولاحقاً على مساره الروحانيّ.
بحسب الأساطير، يعتقد أن الملكة مايا، والدة بوذا، رأت في المنام أنها ستلد صبياً مقدساً أو قائداً عظيماً، ولذلك منح اسم سيدهارتا الذي يعني "الإنجاز المثالي".
أراد والده الملك أن يصير ابنه حاكماً عظيماً، لذلك حماه خلال طفولته من كل أشكال الألم والأسى. هكذا، عاش سيدهارتا حياة من الترف في القصر، وحرص والده على تأمين كل متطلباته كي لا يرحل عن البيت في يوم من الأيام.
كبر سيدهارتا، وبات شاباً كريماً وطيباً. وفي سن السادسة عشرة، تزوّج من قريبته ياشودارا. هنا، بدأت رغبته برؤية العالم تكبر، وصار يخرج في رحلات بعيداً عن القصر، ليكتشف أحوال الناس في المدينة حيث عايش تجارب أثرت على حياته وفلسفته.
خارج سور القصر، رأى سيدهارتا رجلاً عجوزاً للمرة الأولى، ومريضاً للمرة الأولى، وجثة للمرة الأولى. كذلك التقى برجل مقدس يبحث عن الحقيقة.
تلك المشاهدات تسببت بأسى عظيم لسيدهارتا، لأن حياته المترفة حالت دون معرفته بالشيخوخة والمرض والموت التي يمرّ بها كلّ الناس، ولذلك أراد البحث عن سرّ المعاناة، لكي يضع حداً لها.
هكذا، قرر أن يترك قصر عائلته وزوجته، وينطلق في رحلته بحثاً عن الإجابات. تخلى عن كل مقتنياته، وعن ملابسه الباهظة، لكي يحاول أن يفهم أكثر معنى الشقاء,
زهد سيدهارتا غوتاما بالملذات، وعاش حياة بسيطة خالية من الممتلكات والمتع، وجرب التأمل المنضبط، وصام لفترات طويلة. لكنه كسر صومه مرة، ليأكل بعض الأرز، ما جعله يلاحظ أنه لم يجد بعد حلّاً للغز القضاء على المعاناة. من هنا، رأى أن الطريقة المثلى للحياة هي ما بات يسمّى "بالطريق الوسطى"، أي إيجاد نقطة وسطية بين الاسراف والحرمان.
واصل غوتاما التأمل لفترات طويلة، ما جعله يبلغ مرحلة التنوّر، ولقب حينها بالبوذا، أو "المتنوّر".
أسس بوذا جماعة الرهبان البوذيين الأولى أو السانغا، وتضم أشخاصاً يسعون لتكريس حياتهم للانضباط ولتعاليم الدارما أو حقيقة الوجود.
نقل بوذا فلسفته وتعاليمه للرهبان الأوائل شفاهياً، ولم تجمع في نصوص مكتوبة الا بعد مئات السنوات من وفاته.
تشكل مجمل تعاليم البوذا، ما يسمى بالدارما، أو حقيقة الوجود، والهدف منها إنهاء الشقاء البشري، من خلال النظر السليم، والنية السليمة، والكلمة السليمة، والعمل السليم، وكسب الرزق السليم، والجهد السليم، والذهن السليم، والتركيز السليم.
هذه الأفعال تشكل عجلة دارما الثمانية الأضلع، وهي واحدة من حقائق البوذية الأربعة. أما الحقائق الثلاث الأخرى فهي: حتمية المعاناة، وآنية العالم، والحرية الناتجة عن التخلص من الرغبة. وقد شرح بوذا هذه الحقائق في العظة الأولى بعد بلوغه الاستنارة الكاملة.
تتطلب هذه التعاليم الممارسة، وليس إيماناً بفكرة غيبية ما، لذلك ينظر إلى البوذية كفلسفة حياة أكثر من كونها ديانة، لأنها لا تحيل إلى وجود خالق ماورائي أو آلهة.
ومن أبرز تعاليم بوذا، أن الحياة عبارة عن حلقات متتالية من الولادة والحياة والموت والبعث، بمعنى ألا شيء يبقى على حاله. يسعى البوذيون من خلال تعاليهم لكسر حلقة الشقاء تلك، وبلوغ الحرية الكاملة المتمثلة بالنيرفانا.
سيدهارتا غوتاما أو بوذا هو الوحيد بين مؤسسي الديانات الكبرى التي تتبعها البشرية اليوم، الذي لم يختبر تجربة غيبية، بل بنى تعاليمه وفق تجاربه الخاصة، وبعد سنوات طويلة من التفكير والتأمل.