حضرته طوائف منهم بغير اختيار، وشهدته على الكره منها له والاضطرار، فتحدّتهم قريش بالبراز ودعتهم إلى المصافّة والنزال، واقترحت في اللقاء منهم الأكفاء، وتطاولت الأنصار لمبارزتهم فمنعهم النبي صلّى اللّه عليه وآله من ذلك، وقال لهم : "إنّ القوم دعوا الأكفاء منهم" ثمّ أمر علياً أمير المؤمنين عليه السلام بالبروز إليهم، ودعا حمزة بن عبد المطّلب وعبيدة بن الحارث - رضي اللّه عنهما- أن يبرزا معه.
فلمّا اصطفّوا لهم لم يثبتهم القوم، لأنهم كانوا قد تغفروا فسألوهم : من أنتم، فانتسبوا لهم، فقالوا : أكفاء كرام. ونشبت الحرب بينهم، وبارز الوليد أمير المؤمنين عليه السلام فلم يلبّثه حتّى قتله، وبارز عتبة حمزة رضي اللّه عنه فقتله حمزة، وبارز شيبة عبيدة ـ رحمه الله - فاختلفت بينهما ضربتان، قطعت إحداهما فخذ عبيدة، فاستنقذه أمير المؤمنين عليه السلام بضربة بدر بها شيبة فقتله، وشركه في ذلك حمزة رضوان اللّه عليه فكان قتل هؤلاء الثلاثة أوّل وهن لحق المشركين، وذلٍّ دخل عليهم، ورهبة اعتراهم بها الرعب من المسلمين، وظهر بذلك أمارات نصر المسلمين.
ثمّ بارز أمير المؤمنين عليه السلام العاص بن سعيد بن العاص، بعد أن أحجم عنه من سواه فلم يلبّثه أن قتله. وبرز إليه حنظلة ابن أبي سفيان فقتله، وبرز بعده طعيمة بن عديّ فقتله، وقتل بعده نوفل بن خويلد - وكان من شياطين قريش - ولم يزل عليه السلام يقتل واحداً منهم بعد واحد، حتى أتى على شطر المقتولين منهم، وكانوا سبعين قتيلاً تولّى كافّة من حضر بدراً من المؤمنين مع ثلاثة آلاف من الملائكة المسوّمين قتل الشطر منهم، ّوتولّى أمير المؤمنين قتل الشطر الآخر وحده، بمعونة اللة له وتوفيقه وتاييده ونصره، وكان الفتح له بذلك وعلى يديه، وختم الأمر بمناولة النبي صلّى اللّه عليه وآله كفّاً من الحصى، فرمى بها في وجوههم وقال : "شاهت الوجوه" فلم يبق أحد منهم إلاّ ولّى الدبر لذلك منهزمأ، وكفى الله المؤمنين القتال بامير المؤمنين عليه السلام وشركائه في نصرة الدين من خاصّة آل الرسول عليه وآله السلام ومن أيّدهم به من الملائكة الكرام عليهم التحية والسلام كما قال اللّه عزّ وجلّ :(وكفى اللّه المؤمنين القتال وكان أللّه قويّاً عزيزاً).