وبما أن الشعر والأدب يشكلان جزءًا مهما من الثقافة الفارسية القديمة وهما من خصائص الثقافة الإيرانية ظهر في هذا المجال العديد من الشعراء البارزين الذين يعتبرون فخرا للتاريخ والأدب الإيراني.
ولد أبو القاسم الفردوسي الطوسي عام 329 هـ ق في منطقة طوس في خراسان شمال شرق إيران، وتوفي عام 416 هـ ق.
ويصف العديد من الأدباء والباحثين في مجال الادب، الفردوسي الذي ذاع صيته عالميا بانه هوميروس ايران (الشاعر الملحمي الاغريقي الكبير).
وتمكن الفردوسي وهو أكبر شاعر ملحمي فارسي بفضل رائعته الشاهنامة ( كتاب الملوك) من اتخاذ خطوة مهمة في الحفاظ علي الثقافة والأدب الفارسي ووقف الشاعر حياته لإحياء اللغة الفارسية وحاول بكل قوة ان يترك اثرا خالدا في الثقافة الايرانية العريقة.
وتعتبر رائعة الفردوسي ديوان 'الشاهنامة' الذي يشمل ستين الف بيتا أحد أكبر وأبرز الدواوين الملحمية في العالم، وهو نتيجة لجهود الشاعر لمدة لا تقل عن ثلاثين عامًا.
وهذه الرائعة الأدبية تصور الأساطير والتاريخ الإيراني منذ البداية وخلال اربع سلالات من ملوك الفرس وهم البشدادية والكيانيون والأشقانيون والساسانيون.
وتقع مقبرة الفردوسي علي بعد 28 كم غرب قرية باج، مسقط رأس الفردوسي، وقد تم إدراجه في المعالم الوطنية الإيرانية منذ 1 نيسان/أبريل 1962 وهو مكان يجذب العديد من محبي الثقافة واللغة الفارسية. وتم بناء متحف ومكتبة بجانب مقبرة الفردوسي.
نبذة تاريخية عن الشاهنامة
تقول المصادر التاريخية أن خسرو برويز الساساني أمر بجمع الأساطير الايرانية في مطلع القرن الميلادي السابع وقبيل فتح المسلمين لإيران. وتم تدوينها في عهد حفيده يزدجر شهريار الذي حكم إيران خلال الفترة 632 ـ 651 م.
وفي العصر الإسلامي وخلال الفترة 120 ـ 150 هـجري تعريب الكتب التي تتطرق إلى سيره ملوك إيران والأبطال الإيرانيين علي يد معربين إيرانيين، اشهرهم ابن المقفع الذي قتل عام 142 هـ. وقد ترجم ابن المقفع سيرة ملوك إيران في كتاب عرف بـ «سير الملوك»، وفقدت هذه الترجمة فيما بعد كما هو حال الأصل الفارسي للكتاب.
وأول كتاب في «سير الملوك» نمتلك حوله معلومات واضحة هو شاهنامه أبي المؤيد البلخي الكاتب والشاعر المعروف في مطلع القرن الهجري الرابع. وهو نفسه الذي نظم لأول مره قصة «يوسف وزليخا» بالفارسية، ونفسه الذي ألّف كتاباً ذكر فيه عجائب البر والبحر. وعرفت هذه الشاهنامه بشاهنامه المؤيدي. لكنها فقدت بعد القرن الهجري السادس. والشاهنامه الأخرى التي ذكرتها الكتب هي تلك التي ألفها الشاعر أبوعلي محمد بن أحمد البلخي.
وفي مطلع القرن الهجري الرابع كان هناك شاعر فارسي يدعى المسعودي المروزي، قام بنظم شاهنامه وصفها طاهر المقدسي مؤلف «البدء والتاريخ» بأنها كانت تحظى بتقدير الإيرانيين، وأنهم كانوا يحفظون أبياتها. ولم يصل إلى أيدينا منها سوي 4 أبيات من بحر الهزج المسدس.
غير أن أهم الشاهنامات هي تلك الشاهنامه المعروفه بشاهنامه ابي منصوري والتي الفت في منتصف القرن الهجري الرابع بأمر من أبي منصور محمد بن عبد الرزاق قائد الجند في خراسان.
وبعد فترة من كتابة هذه الشاهنامه، ترجم كتابان إلى الفارسية هما تفسير الطبري وتاريخ الطبري حيث ورد فيهما شيء من التاريخ الإيراني القديم. وقد عرف تاريخ الطبري فيما بعد بتاريخ البلعمي نظراً لترجمته من قبل ابي علي البلعمي الوزير الساماني. وهناك تفاوت كبير بين شاهنامه «ابي منصوري» وتاريخ الطبري يتمثل في أن تاريخ الطبري عبارة عن تاريخ كافة الأقوام والأمم في عالم ما قبل الإسلام، بينما شاهنامه ابي منصوري قد اختص بتاريخ ملوك إيران فقط.
وفي حوالي 360 هـ كانت شاهنامه ابي منصوري وتاريخ البلعمي معروفين في أوساط الناس. فانبرى شاعر من شعراء البلاط الساماني متخلصّ بـ"الدقيقي" لنظم الشاهنامه المذكورة لتخليد التاريخ الإيراني القديم. لكنه لم يكد ينهي 990 بيتاً حتى قتل على يد غلام له عام 368 هـ وهو في عنفوان الشباب (8). فانبرى شاعرنا الفردوسي لإكمال ما لم يستطع الدقيقي إكماله.
وشاهنامة الفردوسي لا تعد أكبر وأغني ديوان شعري وصل إلينا من العهد الساماني فحسب، بل هي في الواقع أهم وثيقة تتحدث عن عظمة اللغة الفارسية، وأكبر شاهد على ازدهار الحضارة الإيرانية القديمة.
وقد تأثر بالشاهنامة الشاعر الألماني هنري هافيه والشاعر الفرنسي فيكتور هيجو.
وقام الشاعر والكاتب الفرنسي لامارتين (1790 ـ 1869 م) بشرح قصة رستم، إحدى قصص الشاهنامة، فيما أثنى الشاعر الألماني غوته عليها.
وقال المستشرق الإنجليزي كوويل في الشاهنامة: ذكر اغوست إمبراطور روما أنه عندما استلم روما كانت كلها من الآجر، وعندما سلّمها كانت من المرمر. الفردوسي كذلك وجد بلده تقريباً بدون أدب فسلّم إليه الشاهنامة التي لم يستطع الأدباء من بعده سوى تقليدها، دون أن يتفوق أحد عليها. إنها ملحمة بإمكانها أن تنافس كل أثر، ولا نظير في آسيا بأسرها مثلما هو حال ملاحم هو ميرس في أوروبا.
أما رضا قلي خان هدايت فيقول فيها: إنها رسالة عظيمة وبحر زاخر باللآلئ، ويندر أن نجد كتاباً منظوماً بهذا الأسلوب والاتساق، وليس لشعراء فارس كتاب كشاهنامة الفردوسي ومثنوي المولوي.
هذا فيما يقول البروفسور رستم عليوف: الشاهنامة موسوعة تتحدث عن ثقافة الشعب الإيراني وعلمه وفنه وتاريخه القديم، ونحن بحاجه إلى سنوات مديدة من البحث والدراسة حتى يمكن فهم وإدراك عمق الكتاب الكبير.
وأسلوب بيان الفردوسي في الشاهنامة بسيط وواضح وموجز وبعيد عن التزويق اللفظي والحشو الزائد الممل. وقد وصل إيجازه فيها إلى حد الإعجاز. وظهرت القصص في الشاهنامة ـ والتي كانت منثورة في الأصل ـ في أدق صوره وأجمل بيان. كما حافظت على سلامتها التاريخية ولم يزد عليها أو ينقص منها، وهذا ما يعبر عن أمانة الفردوسي ونزاهته، فضلاً عن عبقريته في الحفاظ على روح النص وجمال الشعر. ولعل الذي حافظ على شاهنامة الفردوسي من الانقراض والضياع ـ كباقي الشاهنامات ـ هو قوة بيانها وجزالة عبارتها.