يا علي نداء من وحي السماء وصوت الواقع والسبب المتصل بين الأرض والسماء وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
يقول يا علي واي علو بلغته يا علم التقى ونبراس الهدى والكلمة العليا وباب الله الذي منه يؤتى كي يناديك خير الورى وحجة الله البالغة على الأمة ونبي الرحمة وسراج الظلمة والشفيع يوم الراجفة العظمى.
ثم يقول «ما عرف الله إلا أنا وأنت».
مهما بلغ الإنسان من معرفة وهبها الله لخلقه ومهد أسبابها بلطفه وأنعم عليهم بكرمه بـ «إلا» بأداة الحصر والاستغراق العميق في مسرح الوجود من أول الخلق إلى أن تقوم الساعة يعرف الواهب المنعم إلا من ذاب وتعلق وهام وتُيّم فيه سبحانه فلا يرى في وجوده وكيانه ولبه شيء إلا ما يريده الله ولا يحب إلا ما أحبه الله سبحانه ولا يَسخط إلا ما يُسخط الله فأصبحت أنفاسه تسبيح ونومه عباده ودعاءه مستجاب واقواله جوامع الكلمة ولسانه ميزان الصدق وحريم قلبه الأمانة وراحته الرضا بقضاء الله وقدره وقرة عينه الصلاة بين يديه وقمة الوفاء له لذيذ مناجاته وطول خضوعه وسجوده فلولا القدر الذي كُتب عليهم لم تستقر أرواحهم في ابدانهم طرفة عينا شوقاً للقائه ولذيذ مناجاته وحلاوة ذكره وجميل فعله.
هم من يعرفون الله حق معرفته فقد روى أحمد بن حنبل بإسناده عن رسول الله (ص) إنه قال: كنت أنا وعلي نورا بين يدي الرحمن قبل أن يخلق عرشه بأربعة عشر ألف عام[2]
ثم يقول «ولا يعرفني إلا الله وأنت».
فماذا وهبت عبدك علياً يا رب أن عرفته بحجتك وآيتك الكبرى ومن منّ بوجوده على الوجود من نوره الأبلج وسراجه الأنور ونوره الأبهج حين سأل جابر ابن عبد الله الأنصاري رسوله محمد (ص) «قال: قلت لرسول الله (ص): أول شيء خلق الله تعالى ما هو؟ فقال: نور نبيك يا جابر، خلقه الله ثم خلق منه كل خير» «3» فما حدود كل خير أحاطها أمير المؤمنين وسيد الوصيين وميزان الحق والباطل يوم القيامة أي كل خير بمعناها الواسع فهل ما بلغ الإنسان إدراكه؟ أو ما لم يبلغه إدراكه؟ وهل يحصى خير الله سبحانه؟ وهل تعد نعمة؟ وهل تعرف علومه سبحانه؟ العجب ماذا عرفت يا أمير المؤمنين أرواحنا لك الفداء!؟
ثم يقول «وما عرفك إلا الله…»
عجزت العقول وذهلت الألباب بأن تطلع على أقل مخلوقاته وعجائب خلقه فلم يعرفوا من كل ما خلق إلا أقل من ذرة في فم نملة في ظالم الليل فأي معرفة اودعتها يا ارحم الراحمين في معرفة سيد الموحدين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين.
ثم يقول «وما عرفك إلا الله وأنا».
أي لن يصل إلى كنه معرفتك وعلو مكانك وشدة قربك من العلي الأعلى إلا من دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى دنواً من العلي الأعلى… لقد رأى من آيات ربه الكبرى… لا يعرفك إلا من بلغ به الجليل سدرة المنتهى وخرق حجب النور وعلم بما كان وما يكون إلى يوم القيامة وهو علة الوجود النبي الأعظم محمد (ص).
زاهر العبدالله/ جهينة الإخبارية