في بيت الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام ولدت سليلة الطهر والعفاف فاطمة المعصومة، وكانت الظروف التي ألمّت بأهل البيت عليهم السلام آنذاك عصيبة جداً إلى حدّ غاب فيها عن المؤرخين والرواة تسجيل أحداث الولادة وتأريخها، أو ذكر شيء ممّا يتعلّق بها. ذكر بعض المؤلفين ـ ونسبه إلى المؤرخين ـ أنّ ولادتها عليها السلام كانت سنة 183هـ، هي السّنة التي استشهد فيها والدها الإمام الكاظم عليه السلام، في قول أكثر المؤرخين). وعلى هذا فلم تحظ السيدة المعصومة بلقاء أبيها عليه السلام ورعايته، وعاشت في كنف أخيها وشقيقها الإمام الرضا عليه السلام وصيّ أبيه والقائم مقامه. واستبعد بعضهم ان تكون ولادتها عليها السلام في تلك السنة، لأن السنوات الاربع الاخيرة من عمره عليها السلام ـ علي أقل التقادير ـ كان فيها رهين السجون العباسية، مضافا الي انه قد ذكر ان للإمام الكاظم عليه السلام اربعا من البنات ، اسم كل منها فاطمة، وان الكبري من بينهن هي فاطمة المعصومة عليها السلام، ولذا فلابدّ ان تكون ولادتها قبل سنة 179هـ وهي السنة التي قبض علي الإمام عليه السلام واودع السجن. ولكن بالالتفات الي احتمال ان هؤلاء الفاطميات الثلاث ـ غير الكبري ـ لسن من أم واحدة، بل من أمهات شتي، فلا استبعاد في ان تكون ولادتهن في سنة واحدة. علي انه يمكن القول بأنه قد قبض عل الإمام عليه السلام وأمهاتهن حوامل بهن، وكانت ولادتهن بعد سنة 179هـ، وان فاطمة المعصومة كانت ولادتها في سنة 179هـ. ولكن مع ذلك لايمكن الجزم بشيء، نعم بناء علي ان شهادة الإمام الكاظم عليه السلام كانت سنة 183هـ فمن البعيد ان تكون ولادة السيدة المعصومة في تلك السنة، ولا سيما انها الكبري من بين أخواتها الثلاث. ولكن قد ذهب آخرون إلى أن ولادتها عليها السلام كانت في غرّة شهر ذي القعدة سنة 173هـ والقائل بذلك وإن كان من الباحثين الأجلاّء وله باع طويل في التحقيق والتتبع، وأرسل ذلك إرسال المسلّمات إلا أنه لم يشر إلى مستنده في تحديد هذا التاريخ. وبناء على هذا التاريخ تكون السيدة فاطمة قد عاصرت من حياة أبيها عشر سنوات، غير أنّ السنين الأربع الأخيرة من عمره عليه السلام كان فيها رهين السجون العباسية كما ذكرنا، فلم تحظ منه إلا بست سنوات. ولم نقف في شيء من المصادر على غير هذين القولين في تحديد سنة ولادتها عليها السلام. وعلى أي تقدير فقد فتحت هذه السيدة عينيها على الدنيا في أيام محنة أبيها، وقد أحاطت به الخطوب، فارتسمت حياتها بالحزن والأسى، وإذا كان عمرها عليها السلام ست سنوات يوم قبض على أبيها فهي في سنّ تدرك فيه غياب الأب عن البنت، وتعي ما يجري في هذا البيت، وما يسوده من الحزن والألم، وما يعانيه أهله من لوعة وعناء، ثم ما يتناهى إلى سمعها من شهادة أبيها عليه السلام، وما تلاها من أحداث مروّعة فيعتصر الألم قلبها الصغير، وهي لا ترجو لأبيها عودة إلى البيت، وترى أن هناك أخطاراً تحدق بأهل هذا البيت، وربّما أثار ذلك في نفسها كثيراً من التساؤلات حول ما يجري، ولماذا قصد أبوها بالذات، وأهل بيتها بالخصوص، بأنواع الإيذاء من دون سائر الناس، ولكنّها ما تلبث أن تدرك أن لهذه القضايا جذوراً تمتدّ إلى زمان جدّتها الزهراء عليها السلام. وما كانت السيدة فاطمة المعصومة لتبقى مهملة بلا كفيل، فإنّها وإن فقدت أباها وهي في مقتبل العمر إلا أنّها عاشت في كنف شقيقها الرضا عليه السلام، وأولاها العناية الخاصّة في تربيتها ورعايتها، حتى غدت أفضل بنات الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام. ونشأت هذه السيدة تتلقى من أخيها العلم والحكمة في بيت العصمة والطهارة، فأصبحت ذات علم ورواية ومقام.