بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله أجمعين.
اللّهم صلّ وسلّم وبارك على سبطي نبي الرحمة، وسيّدي شباب أهل الجنّة، وريحانتي فاطمة الزهراء عليها السلام، وقرّتي عين أمير المؤمنين وسيّد الأوصياء، وعلى آلهما وذرّيتهما وإخوانهما وأخواتهما.
وصلّ وسلّم وبارك على أبي الأئمة النجباء، الإمام المهموم، والغريب المغموم، حليف الدمعة الساكبة، وشاهد المصيبة الراتبة، زين العابدين، وتاج البكّائين، علي بن الحسين(عليه السلام).
والعن أعداءهم وقاتليهم، ومن شايع وبايع وتابع وتهيأ وتنقّب وأعان على قتلهم ومحاربتهم وأذيّتهم وسلبهم وترويعهم وسبيهم، ومن رضي بذلك من الأوّلين والآخرين...
مشى ركب الفتح والشهادة ميمّماً كربلاء.. فسرى الركب والمنايا كانت تسير معهم..
والركب يحمل أمّتين:
أمّة موعودة بلقاء الله.. تعدّ العدّة لترحل مع سيّد شباب أهل الجنّة، وقد أعدّت لها الجنان، واستعدّ رسول الله(صلي الله عليه وآله) ليجمع دماءهم في قارورة خضراء.. واستعدّ العالم العلوي ليستقبل روح الحسين(عليه السلام) ومن معه، وأعدّ الخلد مسكناً لدمه..
وأمّة أخرى تشدّ الأُزُر، وتجتمع ليلوذ بعضها ببعض.. وتستغيث بالقويّ المتين ليحميها من هجمات الوحوش الكاسرة والأوغاد والمسوخ التي هجمت عليها لتسلبها وتضربها وتروّعها، وتحرق بيوتها على من فيها.. فتستجمع بقايا الروح لتنهمل بها العين دموعاً في عرصات كربلاء... وما أعسر انهمال الدمع إذا كانت العين قد نضبت وجفف الظمأ معينها...
لقد بقي حليف الدمعة الساكبة، وأسير الهموم والغموم، الإمام زين العابدين مع أبيه الحسين(عليه السلام) في كربلاء يرقب عن كثب كلّ ما جرى لأبيه وأخوته وبني عمومته وأصحابه وأنصاره...
يرى وحدة أبيه وغربة عمّته، ويسمع استنصاره، ويتجرّع الصبر كأساً مصبّرة، وهو يرى القوم قد أحاطوا بريحانة الرسول(صلي الله عليه وآله) وقتلوا أهله وأنصاره..
ثم يرى ما جرى على عمّاته وأخواته، ومن كان في معسكره من نساء أرامل، وأمّهات ثواكل، وفتيات ينادين بالويل والثبور على فراق الأحبّة وفقد الحماة...
تلوذ به النساء.. فيصبّرهنّ ويسكّتهنّ، ويدفع عنهن، وهو طريح الفراش، وصريع المرض في تلك البيداء المهولة القاحلة الدامية...
ثم ينادي مناد الرحيل ليخرج من كربلاء... بعد ما أصابهم بالطفّ ما أصابهم، وقتل أبوه، وقتل من كان معه من ولده وإخوته، وسائر أهله، وحملت حرمه ونساؤه على الأقتاب يراد بهم الكوفة، فجعل ينظر إليهم صرعى لم يواروا، فعظم ذلك في صدره، واشتدّ لما أرى منهم قلقه، فكادت نفسه تخرج، وتبيّنت ذلك منه عمّته زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين علي(عليه السلام).
فقالت: ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدّي وأبي وإخوتي؟!
فقال: وكيف لا أجزع وأهلع؟! وقد أرى سيّدي وإخوتي وعمومتي وولد عمّي وأهلي مصرّعين بدمائهم، مرمّلين بالعراء، مسلّبين، لا يكفّنون، ولا يوارون، ولا يعرّج عليهم أحد، ولا يقربهم بشر، كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر!
فقالت: لا يجزعنك ما ترى! فو الله إنّ ذلك لعهد من رسول الله(صلي الله عليه وآله) إلى جدّك وأبيك وعمّك..
فصبّرته وسلّته وعزّته، فكان يعزّيها مرّة، وتعزّيه مرّة، ويسلّيها أحياناً، وتسليه أحياناً أخرى..
مشى في ركب السبايا يتجرّع الغصص ساعة بعد ساعة، ويتعرّض للقتل في كلّ حين وعند كلّ مجلس.. وهو يرى ما يجري على حرمه..
يا لله! أيدخل الطهر في مجالس الرجس؟!.. ما أعظمها من مصيبة أن يدخل السجاد(عليه السلام) الذي أذهب الله عنه الرجس وطهّره تطهيراً مجلس ابن زياد ويزيد الذي ما بارح اللهو والخمرا!!
يدخل ويرى سكان سرادق العزّ، ومخدرات الوحي، وعقائل النبوة تساق إلى تلك المجالس سبايا مرّبقين بالحبال! يتصفّح وجوههنّ القريب والبعيد، والشريف والدني، والشاهد والغائب!!!
يدخل إلى الكوفة، فيجتمع الناس للنظر إليه وإلى حرمه.. فيخطب فيهم سيّد الكائنات في عصره زين العابدين(عليه السلام)، ويقيم لأبيه مأتماً، فتجري الدموع، وتنضج النحور، وتنطلق الصرخات من الحناجر..
ثم يطاف بهم في البلدان.. حتى يدخلوا الشام .. فيجتمع الناس ليتفرّجوا على حرم الله وحرم رسوله(صلي الله عليه وآله).. حتى قالت فخر المخدرات أمّ كلثوم: والله لقد خزينا من كثرة النظر إلينا... وزين العابدين(عليه السلام) ينظر إلى تلك النظرات الشامتة، ويتجرّع الموت غصّة بعد غصّة...
وتقترب ساعة الدخول على القرد الأموي المتهتك.. فليت السماء انطبقت على الأرض، وليت الجبال تدكدكت على السهل وصارت كثيباً مهيلاً...
دخلوا.. وظنّ الفسقة الفجرة أولاد البغايا أنهم ينالون بذلك من قداسة آل الله.. فقام الإمام زين العابدين(عليه السلام)، وأقام لأبيه ثمة مأتماً، فأبكى العيون، وأوغر الصدور، وكشف المستور، وروى للمغفلين ما جرى من عظائم الأمور...
ثم عاد بأمانته إلى المدينة التي لم يكن فيها عشرون رجلاً يحبّ أهل البيت ـ كما قال الإمام زين العابدين(عليه السلام) نفسه ـ فنزل بالركب على مشارف المدينة على بئر جدّه رسول الله(صلي الله عليه وآله) ((بئر غرس))، فأرسل الناعي إلى المدينة، فجلجل صوته يشقّ الأجواء، ويهزّ الأرجاء، ويعلن وصول ركب الدموع والدماء، فتضعضع لندبته القبر، وتزلزلت الأرض واظلمت السماء...
فخرج إليه الناس، وخرج إليهم الإمام المحزون المهموم بمنديله دامع العين كئيباً حزيناً، فأقام لأبيه مأتماً، وروى لهم ما جرى في كربلاء، فأبكى العيون، حتى لم تبق في المدينة مخدّرة ولا محجبة إلا برزت من خدرها، مكشوفة شعورهن، مخمّشة وجوههن، ضاربات خدودهن، يدعون بالويل والثبور، فلم ير باكياً أكثر من ذلك اليوم، ولا يوماً أمرّ على الناس منه...
لقد قال سيّد الشهداء الحسين(عليه السلام): أنا قتيل العبرة، فكان علي بن الحسين(عليه السلام) عبرة القتيل حقّاً، حيث قضى عمره باكياً لا ترقأ له دمعة، ولم يأكل طعاماً ولا شرب شراباً إلا مزجه بدموع عينيه...
وسوف نستمع إلى الإمام(عليه السلام) تاج البكائيين، وهو يحدّثنا عن يوم أبيه الحسين(عليه السلام)، لنستمع إلى التاريخ المعصوم، ورواية الحقّ المبين، لعلّ الله يوفقنا أن نسعده، ونبكي معه، ونمزج دموعنا بدموعه، ونحفظ ما قال في خطبه...
السيد علي السيد جمال أشرف الحسيني
23/3/1432
خطبة الإمام السجاد(عليه السلام) في الكوفة
روى المجلسي في بحار الأنوار: 45/112 عن السيد بن طاووس في اللهوف: 156:
ثُمَّ إِنَّ زَيْنَ الْعَابِدِينَ(عليه السلام) أَوْمَأَ إِلَى النَّاسِ أَنِ اسْكُتُوا فَسَكَتُوا، فَقَامَ قَائِماً فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ النَّبِيَّ وَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
أَيُّهَا النَّاسُ! مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي:
فَأَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.
أَنَا ابْنُ الْمَذْبُوحِ بِشَطِّ الْفُرَاتِ مِنْ غَيْرِ ذَحْلٍ[1] وَلا تِرَاتٍ[2].
أَنَا ابْنُ مَنِ انْتُهِكَ[3] حَرِيمُهُ[4]، وَسُلِبَ نَعِيمُهُ، وَانْتُهِبَ[5] مَالُهُ، وَسُبِيَ[6] عِيَالُهُ.
أَنَا ابْنُ مَنْ قُتِلَ صَبْراً[7] وَكَفَى بِذَلِكَ فَخْراً.
أَيُّهَا النَّاسُ! نَاشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ! هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ كَتَبْتُمْ إِلَى أَبِي وَخَدَعْتُمُوهُ[8]؟ وَأَعْطَيْتُمُوهُ مِنْ أَنْفُسِكُمْ الْعَهْدَ[9] وَالْمِيثَاقَ[10] وَالْبَيْعَةَ، وَقَاتَلْتُمُوهُ وَخَذَلْتُمُوهُ[11]؟
فَتَبّاً[12] لِمَا قَدَّمْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ، وَسَوْأَةً[13] لِرَأْيِكُمْ.
بِأَيَّةِ عَيْنٍ تَنْظُرُونَ إِلَى رَسُولِ اللهِ(صلي الله عليه وآله) إِذْ يَقُولُ لَكُمْ: قَتَلْتُمْ عِتْرَتِي[14]، وَانْتَهَكْتُمْ حُرْمَتِي، فَلَسْتُمْ مِنْ أُمَّتِي؟!
***
قَالَ: فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ النَّاسِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ[15]، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هَلَكْتُمْ[16] وَمَا تَعْلَمُونَ!
فَقَالَ(عليه السلام): رَحِمَ اللهُ امْرَأً قَبِلَ نَصِيحَتِي، وَحَفِظَ وَصِيَّتِي فِي اللَّهِ وَفِي رَسُولِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، فَإِنَّ لَنَا فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةً[17] حَسَنَةً.
فَقَالُوا بِأَجْمَعِهِمْ: نَحْنُ كُلُّنَا ـ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهُ ـ سَامِعُونَ مُطِيعُونَ حَافِظُونَ لِذِمَامِكَ[18] غَيْرَ زَاهِدِينَ فِيكَ[19] وَلا رَاغِبِينَ عَنْكَ[20]، فَمُرْنَا بِأَمْرِكَ ـ يَرْحَمُكَ اللهُ ـ فَإِنَّا حَرْبٌ لِحَرْبِكَ، وَسِلْمٌ لِسِلْمِكَ، لَنَأْخُذَنَّ[21] يَزِيدَ! وَنَبْرَأُ مِمَّنْ ظَلَمَكَ وَظَلَمَنَا!
فَقَالَ(عليه السلام): هَيْهَاتَ[22]! هَيْهَاتَ! أَيُّهَا الْغَدَرَةُ[23] الْمَكَرَةُ[24]، حِيلَ[25] بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ شَهَوَاتِ[26] أَنْفُسِكُمْ!
أَتُرِيدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ كَمَا أَتَيْتُمْ إِلَى آبَائِي مِنْ قَبْلُ؟!
كَلا وَرَبِّ الرَّاقِصَاتِ[27]، فَإِنَّ الْجُرْحَ لَمَّا يَنْدَمِلُ[28]، قُتِلَ أَبِي ـ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ـ بِالأَمْسِ، وَأَهْلُ بَيْتِهِ مَعَهُ، وَلَمْ يُنْسِنِي ثُكْلَ[29] رَسُولِ اللهِ وَثُكْلَ أَبِي وَبَنِي أَبِي، وَوَجْدُهُ[30] بَيْنَ لَهَاتِي[31]، وَمَرَارَتُهُ بَيْنَ حَنَاجِرِي[32] وَحَلْقِي[33]، وَغُصَصُهُ[34] يَجْرِي فِي فِرَاشِ[35] صَدْرِي، وَمَسْأَلَتِي أَنْ لا تَكُونُوا لَنَا وَلا عَلَيْنَا.
ثُمَّ قَالَ:
لا غَرْوَ[36] إِنْ قُتِلَ الْحُسَيْنُ وَشَيْخُهُ
قَدْ كَانَ خَيْراً مِنْ حُسَيْنٍ وَأَكْرَمَا
فَلا تَفْرَحُوا يَا أَهْلَ كُوفَانَ بِالَّذِي
أُصِيبَ حُسَيْنٌ كَانَ ذَلِكَ أَعْظَمَا
قَتِيلٌ بِشَطِّ النَّهْرِ رُوحِي فِدَاؤُهُ
جَزَاءُ الَّذِي أَرْدَاهُ[37] نَارُ جَهَنَّمَا
ثُمَّ قَالَ(عليه السلام): رَضِينَا مِنْكُمْ رَأْساً بِرَأْسٍ، فَلا يَوْمَ لَنَا وَلا عَلَيْنَا.
خطبة الإمام السجاد(عليه السلام) في الشام
روى المجلسي في بحار الأنوار: وَقَالَ صَاحِبُ الْمَنَاقِبِ[38] وَغَيْرُهُ:
رُوِيَ أَنَّ يَزِيدَ ـ لَعَنَهُ اللهُ ـ أَمَرَ بِمِنْبَرٍ وَخَطِيبٍ لِيُخْبِرَ النَّاسَ بِمَسَاوِي الْحُسَيْنِ وَعَلِيٍّ(عليه السلام) وَمَا فَعَلا!!!
فَصَعِدَ الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ أَكْثَرَ الْوَقِيعَةَ[39] فِي عَلِيٍّ وَالْحُسَيْنِ(عليه السلام)، وَأَطْنَبَ[40] فِي تَقْرِيظِ[41] مُعَاوِيَةَ وَيَزِيدَ ـ لَعَنَهُمَا اللَّهُ ـ فَذَكَرَهُمَا بِكُلِّ جَمِيلٍ!!!
قَالَ: فَصَاحَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: وَيْلَكَ[42] ـ أَيُّهَا الْخَاطِبُ ـ اشْتَرَيْتَ مَرْضَاةَ الْمَخْلُوقِ بِسَخَطِ[43] الْخَالِقِ، فَتَبَّوأْ مَقْعَدَكَ مِنَ النَّارِ[44].
ثُمَّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(عليه السلام): يَا يَزِيدُ! ائْذَنْ لِي حَتَّى أَصْعَدَ هَذِهِ الأَعْوَادَ[45]، فَأَتَكَلَّمَ بِكَلِمَاتٍ للهِ فِيهِنَّ رِضاً، وَلِهَؤُلاءِ الْجُلَسَاءِ فِيهِنَّ أَجْرٌ وَثَوَابٌ.
قَالَ: فَأَبَى[46] يَزِيدُ عَلَيْهِ ذَلِكَ.
فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ!! ائْذَنْ لَهُ، فَلْيَصْعَدِ الْمِنْبَرَ، فَلَعَلَّنَا نَسْمَعُ مِنْهُ شَيْئاً.
فَقَالَ: إِنَّهُ إِنْ صَعِدَ لَمْ يَنْزِلْ إِلا بِفَضِيحَتِي[47] وَبِفَضِيحَةِ آلِ أَبِي سُفْيَانَ!
فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ!! وَمَا قَدْرُ مَا يُحْسِنُ هَذَا؟!
فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ قَدْ زُقُّوا الْعِلْمَ زَقّاً[48].
قَالَ: فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَذِنَ لَهُ.
فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ خَطَبَ خُطْبَةً أَبْكَى مِنْهَا الْعُيُونَ، وَأَوْجَلَ[49] مِنْهَا الْقُلُوبَ، ثُمَّ قَالَ:
أَيُّهَا النَّاسُ! أُعْطِينَا سِتّاً وَفُضِّلْنَا بِسَبْعٍ: أُعْطِينَا الْعِلْمَ، وَالْحِلْمَ[50]، وَالسَّمَاحَةَ[51]، وَالْفَصَاحَةَ[52]، وَالشَّجَاعَةَ[53]، وَالْمَحَبَّةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَفُضِّلْنَا: بِأَنَّ مِنَّا النَّبِيَّ الْمُخْتَارَ مُحَمَّداً(صلي الله عليه وآله)، وَمِنَّا الصِّدِّيقُ[54]، وَمِنَّا الطَّيَّارُ[55]، وَمِنَّا أَسَدُ اللهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ[56]، وَمِنَّا سِبْطَا هَذِهِ الأُمَّةِ[57].
مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي أَنْبَأْتُهُ[58] بِحَسَبِي[59] وَنَسَبِي[60]:
أَيُّهَا النَّاسُ! أَنَا ابْنُ مَكَّةَ وَمِنَى.
أَنَا ابْنُ زَمْزَمَ وَالصَّفَا.
أَنَا ابْنُ مَنْ حَمَلَ الرُّكْنَ[61] بِأَطْرَافِ الرِّدَا[62].
أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنِ ائْتَزَرَ[63] وَارْتَدَى[64].
أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنِ انْتَعَلَ[65] وَاحْتَفَى[66].
أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنْ طَافَ وَسَعَى.
أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنْ حَجَّ وَلَبَّى[67].
أَنَا ابْنُ مَنْ حُمِلَ عَلَى الْبُرَاقِ[68] فِي الْهَوَاءِ.
أَنَا ابْنُ مَنْ أُسْرِيَ بِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى.
أَنَا ابْنُ مَنْ بَلَغَ بِهِ جَبْرَئِيلُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى.
أَنَا ابْنُ مَنْ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى.
أَنَا ابْنُ مَنْ صَلَّى بِمَلائِكَةِ السَّمَاءِ.
أَنَا ابْنُ مَنْ أَوْحَى إِلَيْهِ الْجَلِيلُ مَا أَوْحَى.
أَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى.
أَنَا ابْنُ عَلِيٍّ الْمُرْتَضَى[69].
أَنَا ابْنُ مَنْ ضَرَبَ خَرَاطِيمَ[70] الْخَلْقِ حَتَّى قَالُوا: لا إِلَهَ إِلا اللهُ.
أَنَا ابْنُ مَنْ ضَرَبَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ بِسَيْفَيْنِ، وَطَعَنَ بِرُمْحَيْنِ، وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ، وَبَايَعَ الْبَيْعَتَيْنِ، وَقَاتَلَ بِبَدْرٍ وَحُنَيْنٍ، وَلَمْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ.
أَنَا ابْنُ صَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ[71]، وَوَارِثِ النَّبِيِّينَ، وَقَامِعِ[72] الْمُلْحِدِينَ[73]، وَيَعْسُوبِ[74] الْمُسْلِمِينَ، وَنُورِ الْمُجَاهِدِينَ، وَزَيْنِ الْعَابِدِينَ، وَتَاجِ[75] الْبَكَّائِينَ، وَأَصْبَرِ الصَّابِرِينَ، وَأَفْضَلِ الْقَائِمِينَ مِنْ آلِ يَاسِينَ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
أَنَا ابْنُ الْمُؤَيَّدِ بِجَبْرَئِيلَ، الْمَنْصُورِ بِمِيكَائِيلَ.
أَنَا ابْنُ الْمُحَامِي عَنْ حَرَمِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَاتِلِ الْمَارِقِينَ وَالنَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ[76]، وَالْمُجَاهِدِ أَعْدَاءَهُ النَّاصِبِينَ.
وَأَفْخَرِ[77] مَنْ مَشَى مِنْ قُرَيْشٍ أَجْمَعِينَ، وَأَوَّلِ مَنْ أَجَابَ وَاسْتَجَابَ للهِ وَلِرَسُولِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَوَّلِ السَّابِقِينَ.
وَقَاصِمِ[78] الْمُعْتَدِينَ[79]، وَمُبِيدِ[80] الْمُشْرِكِينَ، وَسَهْمٍ مِنْ مَرَامِي[81] اللهِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ.
وَلِسَانِ حِكْمَةِ الْعَابِدِينَ، وَنَاصِرِ دِينِ اللهِ، وَوَلِيِّ أَمْرِ اللهِ، وَبُسْتَانِ حِكْمَةِ اللهِ، وَعَيْبَةِ عِلْمِهِ.
سَمِحٌ[82] سَخِيٌّ[83]، بَهِيٌّ[84] بُهْلُولٌ[85] زَكِيٌّ[86]، أَبْطَحِيٌّ[87] رَضِيٌّ[88]، مِقْدَامٌ[89] هُمَامٌ[90]، صَابِرٌ صَوَّامٌ، مُهَذَّبٌ[91] قَوَّامٌ.
قَاطِعُ الأَصْلابِ[92]، وَمُفَرِّقُ الأَحْزَابِ[93]، أَرْبَطُهُمْ[94] عِنَاناً[95]، وَأَثْبَتُهُمْ جَنَاناً[96]، وَأَمْضَاهُمْ[97] عَزِيمَةً[98]، وَأَشَدُّهُمْ شَكِيمَةً[99].
أَسَدٌ بَاسِلٌ[100]، يَطْحَنُهُمْ فِي الْحُرُوبِ ـ إِذَا ازْدَلَفَتِ[101] الأَسِنَّةُ[102]، وَقَرُبَتِ الأَعِنَّةُ[103] ـ طَحْنَ الرَّحَى، وَيَذْرُوهُمْ[104] فِيهَا ذَرْوَ الرِّيحِ الْهَشِيمِ[105].
لَيْثُ[106] الْحِجَازِ، وَكَبْشُ[107] الْعِرَاقِ، مَكِّيٌّ مَدَنِيٌّ، خَيْفِيٌّ[108] عَقَبِيٌّ[109]، بَدْرِيٌّ أُحُدِيٌّ[110]، شَجَرِيٌّ[111] مُهَاجِرِيٌّ، مِنَ الْعَرَبِ سَيِّدُهَا، وَمِنَ الْوَغَى[112] لَيْثُهَا.
وَارِثُ الْمَشْعَرَيْنِ، وَأَبُو السِّبْطَيْنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، ذَاكَ جَدِّي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ...
ثُمَّ قَالَ: أَنَا ابْنُ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ، أَنَا ابْنُ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ.
[أَنَا ابْنُ خَدِيجَةَ الْكُبْرَى.
أَنَا ابْنُ الْمَقْتُولِ ظُلْما.
أَنَا ابْنُ الْمَجْزُوزِ[113] الرَّأْسِ مِنَ الْقَفَا.
أَنَا ابْنُ الْعَطْشَانِ حَتَّى قَضَى[114].
أَنَا ابْنُ طَرِيحِ[115] كَرْبَلا.
أَنَا ابْنُ مَسْلُوبِ[116] الْعِمَامَةِ وَالرِّدَا[117].
أَنَا ابْنُ مَنْ بَكَتْ عَلَيْهِ مَلائِكَةُ السَّمَا.
أَنَا ابْنُ مَنْ نَاحَتْ[118] عَلَيْهِ الْجِنُّ فِي الأَرْضِ وَالطَّيْرُ فِي الْهَوَا.
أَنَا ابْنُ مَنْ رَأْسُهُ عَلَى السِّنَانِ[119] يُهْدَى.
أَنَا ابْنُ مَنْ حَرَمُهُ[120] مِنَ الْعِرَاقِ إِلَى الشَّامِ تُسْبَى]...
فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ: أَنَا.. أَنَا.. حَتَّى ضَجَّ[121] النَّاسُ بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ[122]، وَخَشِيَ يَزِيدُ ـ لَعَنَهُ اللهُ ـ أَنْ يَكُونَ فِتْنَةٌ[123]، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ، فَقَطَعَ عَلَيْهِ الْكَلامَ.
فَلَمَّا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ.
قَالَ عَلِيٌّ(عليه السلام): لا شَيْءَ أَكْبَرُ مِنَ اللهِ.
فَلَمَّا قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(عليه السلام): شَهِدَ بِهَا شَعْرِي وَبَشَرِي[124] وَلَحْمِي وَدَمِي.
فَلَمَّا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ.
الْتَفَتَ مِنْ فَوْقِ الْمِنْبَرِ إِلَى يَزِيدَ، فَقَالَ: مُحَمَّدٌ هَذَا جَدِّي أَمْ جَدُّكَ يَا يَزِيدُ؟ فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّهُ جَدُّكَ، فَقَدْ كَذَبْتَ وَكَفَرْتَ، وَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّهُ جَدِّي، فَلِمَ قَتَلْتَ أَبِي وَسَبَيْتَ حَرَمَهُ وَسَبَيْتَنِي؟
ثُمَّ قَالَ: مَعَاشِرَ النَّاسِ! هَلْ فِيكُمْ مَنْ أَبُوهُ وَجَدُّهُ رَسُولُ اللهِ(صلي الله عليه وآله)؟
فَعَلَتِ الأَصْوَاتُ بِالْبُكَاءِ.....
خطبة الإمام السجاد(عليه السلام) على مشارف المدينة
روى المجلسي في بحار الأنوار: (45/147) عن السيد ابن طاووس في اللهوف: 197:
قَالَ بَشِيرُ بْنُ حَذْلَمٍ: فَلَمَّا قَرُبْنَا مِنْهَا ـ أي من مدينة الرسول(صلي الله عليه وآله) ـ نَزَلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(عليه السلام)، فَحَطَّ[125] رَحْلَهُ[126]، وَضَرَبَ فُسْطَاطَهُ[127]، وَأَنْزَلَ نِسَاءَهُ، وَقَالَ: يَا بَشِيرُ! رَحِمَ اللَّهُ أَبَاكَ، لَقَدْ كَانَ شَاعِراً، فَهَلْ تَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ؟
قُلْتُ: بَلَى ـ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ ـ إِنِّي لَشَاعِرٌ.
قَالَ: فَادْخُلِ الْمَدِينَةَ وَانْعَ[128] أَبَا عَبْدِ اللهِ.
قَالَ بَشِيرٌ: فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَرَكَضْتُ حَتَّى دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ.
فَلَمَّا بَلَغْتُ مَسْجِدَ النَّبِيِّ(صلي الله عليه وآله) رَفَعْتُ صَوْتِي بِالْبُكَاءِ، وَأَنْشَأْتُ أَقُولُ:
يَا أَهْلَ يَثْرِبَ[129] لا مُقَامَ لَكُمْ بِهَا
قُتِلَ الْحُسَيْنُ فَأَدْمُعِي مِدْرَارُ[130]
الْجِسْمُ مِنْهُ بِكَرْبَلاءَ مُضَرَّجٌ[131]
وَالرَّأْسُ مِنْهُ عَلَى الْقَنَاةِ[132] يُدَارُ
قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ: هَذَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ مَعَ عَمَّاتِهِ وَأَخَوَاتِهِ، قَدْ حَلُّوا[133] بِسَاحَتِكُمْ[134]، وَنَزَلُوا بِفِنَائِكُمْ[135]، وَأَنَا رَسُولُهُ إِلَيْكُمْ، أُعَرِّفُكُمْ مَكَانَهُ.
فَمَا بَقِيَتْ فِي الْمَدِينَةِ مُخَدَّرَةٌ[136] وَلا مُحَجَّبَةٌ[137] إِلا بَرَزْنَ[138] مِنْ خُدُورِهِنَّ، مَكْشُوفَةً شُعُورُهُنَّ، مُخَمَّشَةً[139] وُجُوهُهُنَّ، ضَارِبَاتٍ خُدُودَهُنَّ[140]، يَدْعُونَ بِالْوَيْلِ[141] وَالثُّبُورِ[142].
فَلَمْ أَرَ بَاكِياً أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلا يَوْماً أَمَرَّ[143] عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ، وَسَمِعْتُ جَارِيَةً تَنُوحُ عَلَى الْحُسَيْنِ(عليه السلام) فَتَقُولُ:
نَعَى سَيِّدِي نَاعٍ نَعَاهُ فَأَوْجَعَا
وَأَمْرَضَنِي نَاعٍ نَعَاهُ فَأَفْجَعَا[144]
فَعَيْنَيَّ جُودَا بِالدُّمُوعِ وَأَسْكِبَا[145]
وَجُودَا بِدَمْعٍ بَعْدَ دَمْعِكُمَا مَعاً
عَلَى مَنْ دَهَى عَرْشَ الْجَلِيلِ فَزَعْزَعَا[146]
فَأَصْبَحَ هَذَا الْمَجْدُ[147] وَالدِّينُ أَجْدَعَا[148]
عَلَى ابْنِ نَبِيِّ اللهِ وَابْنِ وَصِيِّهِ
وَإِنْ كَانَ عَنَّا شَاحِطَ[149] الدَّارِ أَشْسَعَا[150]
ثُمَّ قَالَتْ: أَيُّهَا النَّاعِي[151]! جَدَّدْتَ حُزْنَنَا بِأَبِي عَبْدِ اللهِ، وَخَدَشْتَ[152] مِنَّا قُرُوحاً[153] لَمَّا تَنْدَمِلُ[154] فَمَنْ أَنْتَ رَحِمَكَ اللهُ؟
فَقُلْتُ: أَنَا بَشِيرُ بْنُ حَذْلَمٍ، وَجَّهَنِي مَوْلايَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ـ عَلَيْهِمَا الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وَهُوَ نَازِلٌ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا مَعَ عِيَالِ أَبِي عَبْدِ اللهِ وَنِسَائِهِ.
قَالَ: فَتَرَكُونِي مَكَانِي وَبَادَرُوا[155]، فَضَرَبْتُ فَرَسِي حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِمْ، فَوَجَدْتُ النَّاسَ قَدْ أَخَذُوا الطُّرُقَ وَالْمَوَاضِعَ.
فَنَزَلْتُ عَنْ فَرَسِي، وَتَخَطَّيْتُ رِقَابَ النَّاسِ[156]، حَتَّى قَرُبْتُ مِنْ بَابِ الْفُسْطَاطِ[157].
وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(عليه السلام) دَاخِلاً، وَمَعَهُ خِرْقَةٌ[158] يَمْسَحُ بِهَا دُمُوعَهُ، وَخَلْفَهُ خَادِمٌ مَعَهُ كُرْسِيٌّ، فَوَضَعَهُ لَهُ، وَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَهُوَ لا يَتَمَالَكُ[159] مِنَ الْعَبْرَةِ، وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ النَّاسِ بِالْبُكَاءِ، وَحَنِينِ الْجَوَارِي وَالنِّسَاءِ، وَالنَّاسُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ يُعَزُّونَهُ، فَضَجَّتْ تِلْكَ الْبُقْعَةُ ضَجَّةً شَدِيدَةً.
فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنِ اسْكُتُوا، فَسَكَنَتْ فَوْرَتُهُمْ، فَقَالَ(عليه السلام):
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، بَارِئِ[160] الْخَلائِقِ أَجْمَعِينَ، الَّذِي بَعُدَ فَارْتَفَعَ فِي السَّمَاوَاتِ الْعُلَى، وَقَرُبَ فَشَهِدَ[161] النَّجْوَى[162].
نَحْمَدُهُ عَلَى عَظَائِمِ[163] الأُمُورِ، وَفَجَائِعِ الدُّهُورِ، وَأَلَمِ الْفَجَائِعِ[164]، وَمَضَاضَةِ[165] اللَّوَاذِعِ[166]، وَجَلِيلِ الرُّزْءِ[167]، وَعَظِيمِ الْمَصَائِبِ الْفَاضِعَةِ[168] الْكَاظَّةِ[169] الْفَادِحَةِ[170] الْجَائِحَةِ[171].
أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللهَ ـ وَلَهُ الْحَمْدُ ـ ابْتَلانَا بِمَصَائِبَ جَلِيلَةٍ، وَثُلْمَةٍ[172] فِي الإِسْلامِ عَظِيمَةٍ، قُتِلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ وَعِتْرَتُهُ، وَسُبِيَ نِسَاؤُهُ وَصِبْيَتُهُ، وَدَارُوا بِرَأْسِهِ فِي الْبُلْدَانِ مِنْ فَوْقِ عَامِلِ السِّنَانِ، وَهَذِهِ الرَّزِيَّةُ الَّتِي لا مِثْلَهَا رَزِيَّةٌ.
أَيُّهَا النَّاسُ! فَأَيُّ رِجَالاتٍ مِنْكُمْ يُسَرُّونَ بَعْدَ قَتْلِهِ؟
أَمْ أَيَّةُ عَيْنٍ مِنْكُمْ تَحْبِسُ دَمْعَهَا؟ وَتَضَنُّ[173] عَنِ انْهِمَالِهَا[174]؟
فَلَقَدْ بَكَتِ السَّبْعُ الشِّدَادُ لِقَتْلِهِ، وَبَكَتِ الْبِحَارُ بِأَمْوَاجِهَا، وَالسَّمَاوَاتُ بِأَرْكَانِهَا، وَالأَرْضُ بِأَرْجَائِهَا[175]، وَالأَشْجَارُ بِأَغْصَانِهَا، وَالْحِيتَانُ، وَلُجَجُ الْبِحَارِ، وَالْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ، وَأَهْلُ السَّمَاوَاتِ أَجْمَعُونَ.
أَيُّهَا النَّاسُ! أَيُّ قَلْبٍ لا يَنْصَدِعُ[176] لِقَتْلِهِ؟
أَمْ أَيُّ فُؤَادٍ لا يَحِنُّ إِلَيْهِ؟
أَمْ أَيُّ سَمْعٍ يَسْمَعُ هَذِهِ الثُّلْمَةَ الَّتِي ثُلِمَتْ فِي الْإِسْلامِ؟
أَيُّهَا النَّاسُ! أَصْبَحْنَا مَطْرُودِينَ مُشَرَّدِينَ مَذُودِينَ[177] شَاسِعِينَ[178] عَنِ الأَمْصَارِ[179]، كَأَنَّا أَوْلادُ تُرْكٍ وَكَابُلَ، مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ اجْتَرَمْنَاهُ، وَلا مَكْرُوهٍ ارْتَكَبْنَاهُ، وَلا ثُلْمَةٍ فِي الإِسْلامِ ثَلَمْنَاهَا، ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الأَوَّلِينَ إِنْ هذا إِلا اخْتِلاقٌ.
وَاللَّهِ! لَوْ أَنَّ النَّبِيَّ تَقَدَّمَ[180] إِلَيْهِمْ فِي قِتَالِنَا كَمَا تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ فِي الْوَصَاءَةِ بِنَا لَمَا ازْدَادُوا عَلَى مَا فَعَلُوا بِنَا.
فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ مِنْ مُصِيبَةٍ مَا أَعْظَمَهَا! وَأَوْجَعَهَا! وَأَفْجَعَهَا! وَأَكَظَّهَا! وَأَفَظَّهَا! وَأَمَرَّهَا! وَأَفْدَحَهَا!
فَعِنْدَ اللَّهِ نَحْتَسِبُ[181] فِيمَا أَصَابَنَا، وَمَا بَلَغَ بِنَا، إِنَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ.
قَالَ: فَقَامَ صُوحَانُ بْنُ صَعْصَعَةَ بْنِ صُوحَانَ، وَكَانَ زَمِناً[182]، فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ ـ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ـ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ زَمَانَةِ رِجْلَيْهِ، فَأَجَابَهُ بِقَبُولِ مَعْذِرَتِهِ، وَحُسْنِ الظَّنِّ فِيهِ، وَشَكَرَ لَهُ، وَتَرَحَّمَ عَلَى أَبِيهِ....
[1] الذَّحْل: الوِتْر والثأر وطلب المكافأَة بجناية جُنِيَتْ عليه من قتل أَو جرح ونحو ذلك.
[2] الوتر والترة: ظلامة في دم.
[3] انتهك الرجل الحرمة: إذا تناولها بما لا يحلّ.
[4] حَرَمُ الرجل وحَريمُه: ما يقاتِلُ عنه ويَحْميه، والحرمة: ما لا يحلّ لك انتهاكه، والحرمة والحريم: المرأة.
[5] النَّهْبُ: الغارةُ والسَّلْب، والانتهاب: هو الغلبة على المال بالقهر.
[6] السَّبْيُ: النَّهْبُ وأَخْذُ الناسِ عَبيداً وإماءً، والسَّبِيَّة: المرأَة المَنْهوبة.
[7] الصَّبْرُ: نَصْب الإِنسان للقَتْل، فهو مَصْبُور، يقال: قَتَلَه صَبْراً، وقد نَهَى رسول الله(صلي الله عليه وآله) أَنْ تُصْبَرَ الرُّوح، والقتل صبراً، هو أن يمسك شيء من ذوات الأرواح حياً، ثم يرمى بشيء حتى يموت..
[8] الخَدْعُ: إظهار خلاف ما تُخْفيه، وخُدْعةً أَي أَراد به المكروه وختله من حيث لا يعلم، والخِداعُ: الحِيلة، والخَدْعُ: منع الحقّ، وخدَعَ الرجلُ: أَعطى ثم أَمسك، يقال: كان فلان يُعطي ثم خدَع: أَي أَمسَك ومنَع.
[9] العَهْدُ: المَوْثِقُ واليمين يحلف بها الرجل، والعَهْدُ: حفظ الشيء ومراعاته حالاً بعد حال، وسمّي الموثق الذي يلزم مراعاته عَهْداً،. والعَهْد: الأَمان، والمعاهدة: المعاقدة.
[10] المِيثاقُ: عقد مؤكّد بيمين وعهد.
[11] الخاذِلُ: ضدّ الناصر، خَذَلَهً: تَرَكَ نُصْرته وعَوْنه،. والتَّخْذِيل: حَمْلُ الرجل على خِذْلان صاحبه وتَثْبِيطُه عن نصْرته.
[12] التَّبُّ والتَّبابُ: الخُسْرانُ والهَلاكُ، وتَبّاً له، على الدُّعاء.
[13] السَّوْأَةُ كلُّ عَمَلٍ وأَمْرٍ شائن، يقال: سَوْأَةً لفلان، نَصْبٌ لأَنه شَتْم ودُعاء، والسَّوْأَةُ في الأَصل: الفَرْجُ، ثم نُقِل إلى كلّ ما يُسْتَحْيا منه إذا ظهر من قول وفعل، وسوأة لرأيكم: قبحاً لرأيكم.
[14] العِتْرة: ولدُ الرجل وذرّيّته وعَقِبُه من صُلْبه، وعِتْرةُ النبي(صلي الله عليه وآله) ولدُ سيدة النساء فاطمة البَتُول، عليها السلام.
[15] النَّاحِيةُ من كلّ شيء: جانِبه.
[16] الهلاك: العطب، ويقال: هَلَك الناسُ أَي استوجبوا النار والخلود فيها بسوء أَعمالهم.
[17] أُسْوَةٌ حَسَنَة: هي بكسر الهمزة وضمّها: القدوة، أي ائتمام واتباع حسن.
[18] الذِّمامُ: الحقّ والحُرْمة، والجمع أَذِمَّةٌ،. والذِّمَّة: العهد والكَفالةُ، وجمعها ذِمامٌ. وفلان له ذِمَّة أَيّ حقّ، والذِّمامُ: كلّ حرمة تَلْزمك إِذا ضَيَّعَتْها المَذَمَّة.
[19] زهد في الشيء: تركه وأعرض عنه.
[20] رَغِبَ عن الشيءِ: تَرَكَه مُتَعَمّداً، وزَهِدَ فيه ولم يُرِدْهُ، وهو بخلاف الرغبة في الشيء، ورَغِبَ بنفسه عنه: رأَى لنفسِه عليه فضلاً.
[21] أخذ الشيء: تناوله، أُخِذَ فلانٌ بذنبه أَي حُبِسَ وجُوزِيَ عليه وعُوقِب به، وأخذه الله: أهلكه، وأخذه الله بذنبه: عاقبه عليه.
[22] هَيْهاتَ كلمة تبعيد، أي بعداً لكم.
[23] الغدرة: جمع غادر، و الغَدْرُ: ضدُّ الوفاء بالعهد، تقول: غَدَرَ إِذا نقض العهد وترك الوفاء به.
[24] المَكْرُ الخَدِيعَة والاحتيال، و المَكْرُ: صرف الغير عمّا يقصده بحيلة.
[25] حال بين الشيئين: إذا منع وحجز أحدهما عن الآخر، والحَوْل تغيّر الشيء وانفصاله عن غيره.. وباعتبار الانفصال قيل: حَالَ بيني وبينك كذا.
[26] الشهوات ـ بالتحريك ـ جمع شهوة: وهي اشتياق النفس ونزوعها إلى ما تريده، وفي الحديث: ((جهنم محفوفة باللذات والشهوات))، ومعناه: من أعطى نفسه لذتها وشهوتها دخل النار، نعوذ بالله منها..
[27] الراقصات: الإبل إذا مشت مشياً خاصاً يسمى ((الخبب)) وإِذا أَسرع في سيره ، وقيل: النجوم.
[28] انْدَمَلَ الجرح: إِذا تَماثَل وصَلَح.
[29] الثكل: فقدان الحبيب، والثكل: الموت.
[30] الوجد: الحزن.
[31] اللهاة: أقصى الفم، وقيل: و هي سقف الفم، وقيل: هي اللحمة الحمراء المشرفة على الحلق المتعلقة في أصل الحنك.
[32] الحنجرة: رأْس الغلصمة حيث تراه ناتئاً من خارج الحلق، والجمع حناجر، وقيل: هو جوف الحلقوم.
[33] الحَلْقُ: مَساغ الطعام والشراب في المَريء، وقيل: هو مخرج النفس من الحُلْقُوم وموضع الذبح هو أَيضاً من الحَلْق.
[34] الغصة: الشَّجَا، والجمع الغُصَص، يقال: غَصِصْت بالماء إِذا شَرِقْت به أَو وَقفَ في حَلْقِكَ فلم تكدْ تُسِيغُه.
[35] الفَراشُ: كلّ رقيقٍ من عظمٍ فَراشَةٌ، وقيل: كلّ عظم ضُرب فطارت منه عظامٌ رِقاقٌ فهي الفَراش، وقيل: كلّ قُشور تكون على العظْم دون اللحم.
[36] الغَرْوُ: العَجَب، ولا غرو: أي لا عجب.
[37] الرَّدى: الهلاك، وأَرْدَيْتُه أَي أَهلكتُه، وأَرْدَاهُ فَتَرَدَّى: قلبَه فانْقَلب
[38] المناقب لابن شهرآشوب: 4/168.
[39] الوَقِيعةُ في الناس: الغِيبة، يقال: وَقّاعٌ ووَقّاعةٌ: أَي يَغْتابُ الناس، ووقَعْت بفلان إِذا لُمْتَه، ووَقَعْتُ فيه إِذا عِبْتَه وذَمَمْتَه.
[40] الإِطْنابُ: المبالغة في المدح أَو الذمّ والإِكثارُ فيه، وأَطْنَبَ في الكلام: بالَغَ فيه.
[41] التقْرِيظُ: مدح الإِنسان وهو حَيٌّ، والتَّأْبِين مدْحُه ميتاً، يقال: فلان يُقَرِّظُ صاحبه تقريظاً إِذا مدحه بباطل أَو حقّ، ولا يصدق هنا إلا بالباطل، لأن معاوية ويزيد ليس فيهما ما يمدحان به حقّاً على الإطلاق، فليس له إلا أن يكذب، ويمدح بالباطل.
[42] الوَيْلُ: كلمة تقال لكلّ مَن وَقع في عذاب أَو هَلَكة، ووَيْلٌ: وادٍ في جهنَّم...
[43] السخط: الغضب، وهو خلاف الرضا، يقال: أسخطه: أي أغضبه، قال الطريحي في المجمع: وإذا أسند إلى الله ـ تعالى ـ يراد منه ما يوجب السخط من العقوبة..
[44] تبوأ مقعدك من النار: أي انزل منزلك منها، أو هيئ منزلك منها، من ((بوأت للرجل منزلاً)): هيأته له، أو من ((تبوأت له منزلاً)): اتخذته له.
[45] العُودُ كلّ خشبة دَقَّتْ, وقيل: العُودُ: خَشَبَةُ كلِّ شجرةٍ، دقّ أَو غَلُظ، والجمع: أَعوادٌ وعِيدان، يلاحظ أنّ الإمام‰ عبّر عن صورة ((المنبر)) المنصوب في مجلس القرد الأموي بالأعواد ولم يعبّر عنها ((منبر)).
[46] الإِبَاءُ: شدّة الامتناع، وأبى: أي امتنع وترك الطاعة..
[47] فضَحَ الشيءَ فافْتَضَح: إِذا انكشفت مساويه، يقال: افْتَضَحَ الرجلُ إِذا ركب أَمراً سَيِّئاً فاشتهر به، والفَضِيحة: اسم لكلّ أَمر سَيّءٍ يَشْهَرُ صاحبَه بما يسوء، والفضيحة: العيب.
[48] الزَّقّ: مصدر زَقَّ الطائرُ الفَرخَ يزُقُّه زَقّاً: غَرّه، وزَقَّه: أَطعمه بفِيه.
[49] الوَجَل: الفزع والخوف.
[50] الحلم: التؤدة، وضبط النّفس والطبع عن هيجان الغضب، والْحَلِيمُ: الذي لم يعاجل بالعقوبة.
[51] السَّماحةُ: الجُود، والمُسامَحة: المُساهَلة، وتَسامحوا: تَساهَلوا، وسَمَحَ وتَسَمَّحَ: فَعَلَ شيئاً فَسَهَّل فيه.
[52] الفَصاحةُ: البَيان، يقال: رجل فَصِيح، وكلام فَصِيح: أَي بَلِيغ، ولسان فَصِيح: أَي طَلْقٌ.
والفَصْحُ: خلوص الشيء مما يشوبه، وأصله في اللّبن، يقال: فَصَّحَ اللّبن و أَفْصَحَ: إذا تعرّى من الرّغوة، ومنه استعير: فَصُحَ الرّجل: جادت لغته.
[53] الشجاعة: شدّة القلب عند البأس، وقد شجع الرجل بالضم شجاعة: قوي قلبه واستهان بالحروب جرأة و إقداماً.
[54] يعني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب?.
[55] يعني جعفر بن أبي طالب?.
[56] يعني حمزة بن عبد المطلب?.
[57] يعني الحسن والحسين?.
[58] النبأ: الخبر، نبأته: أخبرته.
[59] الحسب بفتحتين: الشرف بالآباء وما يعدّ من مفاخرهم.
[60] النَّسَبُ: القَرابةُ, وقيل: هو في الآباء خاصَّة.
[61] يعني الحجر الأسعد ((الأسود)) الموجود في ركن الكعبة.
[62] إشارة إلى احتكام قريش إلى النبي(صلي الله عليه وآله) حينما أرادوا وضع الحجر الأسود في موضعه بعد بناء الكعبة، فنزع رداءه فحمله ووضعه على الرداء ثم أمرهم بحمله، فوضعه بيده الكريمة في موضعه.
[63] ائتزر: لبس الإزار، والإزار بالكسر: ثوب شامل لجميع البدن.
[64] ارتدى: لبس الرداء، والرداء ـ بالكسر ـ: ما يستر أعالي البدن فقط، والجمع ((أردية))، وإن شئت قلت: ((الرداء)): الثوب الذي يجعل على العاتقين وبين الكتفين فوق الثياب..
[65] انتعل: لبس النعل، والنعل معروف: وهو ما وَقَيْت به القدَم من الأَرض.
[66] الحَفَا: المَشْيُ بغير خُفّ ولا نَعْلٍ، واحتفى: مشى حافياً.
[67] لبى الرجل: قال التلبية، وهي قوله: ((لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك...)).
[68] البراق بضم الباء: وهي دابة ركبها رسول الله(صلي الله عليه وآله) ليلة الإسراء، سمي بذلك لنصوع لونه وشدّة بريقه، وقيل: لسرعة حركته تشبيها بالبرق.
[69] من هنا بدأ‰ بالحديث عن جدّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالبŒ.
[70] الخرطوم بضم الخاء: الأنف، وهو أكرم موضع في الوجه، كما أنّ الوجه أكرم موضع في الجسد.
[71] إشارة إلى قوله تعالى: )وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْريلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهير(، وصالح المؤمنين هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب?.
[72] القَمْعُ: الذُّل، يقال: قمعت فلاناً: أي ذلّلته، والقَمْعُ أَن تَقْمَع آخَرَ بالكلام حتى تتصاغرَ إِليه نَفْسُه، وأَقْمَعَ الرجلَ، بالأَلف، إِذا طَلَعَ عليه فَرَدَّه, وقَمَعه: قَهَره، وقَمَعَ البردُ النباتَ: رَدَّه وأَحْرَقَه، ومقمعة بكسر الميم: هي شيء من حديد كالمحجن يضرب به، وقمعته: إذا ضربته بها.
[73] المُلْحِدُ: العادِلُ عن الحقّ المُدْخِلُ فيه ما ليس فيه، يقال: قد أَلحَدَ في الدين ولحَدَ: أَي حاد عنه، والإلحاد: الظلم.
[74] اليعسوب: أمير النحل وكبيرهم وسيدهم، تضرب به الأمثال، لأنّه إذا خرج من كوره تبعه النحل بأجمعه، واليَعْسُوب: السَّيِّدُ والرئيسُ والمُقَدَّمُ، وأَصله أمير النحل وفَحْلُه.
[75] التاج: الإكليل، وهو ما يصاغ للملوك من الذهب، والجمع ((التيجان)).
[76] إشارة إلى الخوارج في ((النهروان))، وعسكر الجمل وأتباع المرأة في ((البصرة))، وأتباع معاوية وبني أمية في ((صفين)).
[77] الفخار بالفتح، و هو المباهاة بالمكارم و المناقب من حسب و نسب و غير ذلك، وأفخر ـ أفعل ـ أي أنّه غلب قريش بالفخر لأنّه أكثر مكارم وأعلاها حسباً ونسباً..
[78] القَصْمُ: دَقُّ الشيء، والقَصْمُ كسر الشيء الشديد حتى يَبين، وقصم: حطّم وهشّم.
[79] اعْتَدَى فلانٌ عن الحقّ واعْتَدَى فوقَ الحقِّ: جاز عن الحقّ إِلى الظلم، والمُعْتَدون: المُجاوِزون ما أُمرُوا به.
[80] بادَ الشيء: انقطع وذهب، وباد الشيء: هلك.
[81] مرامي: جمع مرماة، والمِرْماةُ، بالكسر، السَّهْمُ الذي يُرْمى به.
[82] السَّماحةُ: الجُود، والمُسامَحة: المُساهَلة، وتَسامحوا: تَساهَلوا، وسَمَحَ وتَسَمَّحَ: فَعَلَ شيئاً فَسَهَّل فيه.
[83] السَّخَاءُ: الجُودُ والكرم، والسَّخِيُّ: الجَوَاد الكريم.
[84] البَهَاء: المَنْظَر الحَسَنُ الرائع المالئ للعين، والبَهِيُّ: الشيء ذو البَهاء ممّا يملأُ العينَ رَوْعُه وحُسْنه.
[85] البُهْلُول: العزيز الجامع لكلّ خير، والبُهْلُول: الحَييُّ الكريم.
[86] الزكاة: الطهارة والنَّماء والبَركةُ والمَدْح.
[87] أبطحي: نسبة إلى بَطْحاءُ مكة وأَبْطَحُها: معروفة، لانْبِطاحِها، ومِنًى من الأَبْطَح، وقُرَيشُ البِطاحِ: الذين ينزلون أَباطِحَ مكة وبَطْحاءَها، وقريشُ الظَّواهر: الذين ينزلون ما حول مكة، وأَكرمُهما قريش البطاح.
[88] الرَّضِيُّ: المَرْضِيُّ، والرَّضِيُّ: المُطيعُ، والرَّضِيُّ الضّامِن.
[89] المقدام بكسر الميم: الرجل الكثير الإقدام على العدو جريء في الحرب، والإقدام في الحرب: الشجاعة وعدم الخوف.
[90] الهمة: ما هممت به من أمر لتفعله، يقال: إنّه لعظيم الهمّة، وإنّه لصغير الهمّة، والهمّة: العزم الجازم، والهمام: الملك لعظم همّته.
[91] هَذَبَ الشيءَ: نَقَّاه وأَخْلصه، والمُهَذَّبُ من الرجال: المُخَلَّصُ النَّقِيُّ من العُيوب, ورجل مُهَذَّبٌ: أَي مُطَهَّرُ الأَخْلاقِ.
[92] الأَصْلابُ: جَمْعُ صُلْب وهو الظهر.
[93] قال ابن شهرآشوب في المناقب: فَصْلٌ فِي قِتَالِهِ فِي حَرْبِ الأَحْزَابِ: عن ابْنُ مَسْعُودٍ وَالصَّادِقُ‰ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى )وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ( بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ‰، وَقَتْلِهِ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدٍّ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ فِيمَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ‰ بِالإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ..: فِي قَوْلِهِ )اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ( إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ‰ يَوْمَ الْأَحْزَاب..ِ
وَكَانَ الْفَتْحُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى يَدِ أمير المؤمنين عَلِيٍّ‰ وَقَالَ النَّبِيُّ(صلي الله عليه وآله): لَضَرْبَةُ عَلِيٍّ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ، وقال(صلي الله عليه وآله): لَضَرْبَةُ عَلِيٍّ لِعَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدٍّ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ أُمَّتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وقال(صلي الله عليه وآله): أَبْشِرْ يَا عَلِيُّ فَلَوْ وُزِنَ الْيَوْمَ عَمَلُكَ بِعَمَلِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ(صلي الله عليه وآله) لَرَجَحَ عَمَلُكَ بِعَمَلِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ الْمُشْرِكِينَ إِلا وَقَدْ دَخَلَهُ وَهْنٌ بِقَتْلِ عَمْرٍو، وَلَمْ يَبْقَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ الْمُسْلِمِينَ إِلا وَقَدْ دَخَلَهُ عِزٌّ بِقَتْلِ عَمْرٍو، وقال(صلي الله عليه وآله) يَوْمَ قَتْل عَمْرو: ذَهَبَ رِيحُهُمْ وَلا يَغْزُونَنَا بَعْدَ الْيَوْمِ وَنَحْنُ نَغْزُوهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.. (للمزيد انظر: بحار الأنوار: 39).
[94] ربطت الشيء: أي شددته، وأصل الرباط: الملازمة والمواظبة على الأمر وملازمة ثغر العدو، والمرابطة أيضاً: انتظار الصلاة بعد الصلاة، يقال: فلان رابط الجأش: أي شديد القلب.
[95] عَنَّ الشيءُ يَعِنُّ: ظَهَرَ أَمامك، وعَنَّ يَعِنُّ: اعتَرَضَ وعَرَض، والعِنان: المُعانَّة، والمُعانَّة: المعارضة، والعِنانُ: سير اللِّجام الذي تُمسَك به الدابة، والعِنان: الحبل.
[96] الجَنَان: القلب.
[97] أمضيت الأمر: أنفذته.
[98] العَزْمُ ما عَقَد عليه قَلْبُك من أَمْرٍ أَنَّكَ فاعِلُه، والعزيمة: هي إرادة الفعل والقطع عليه، والجدّ في الأمر.
[99] الشَّكِيمَةُ قُوَّةُ القلب، يقال: إِنه لشديدُ الشَّكِيمةِ إِذا كان شديدَ النَّفْسِ أَنِفاً أَبِيّاً، وأَصله من شكيمة اللجام، فإِن قُوَّتَها تدلّ على قوّة الفرس، والشكِيمَةُ: الأَنَفَةُ والانتصار من الظُّلْم.
[100] بسَل الرجلُ: عَبَس من الغضب أَو الشجاعة، والبَاسِل: الشجاع، والبَاسِل: الشديد، والباسِل: البَطُل.
[101] الدَّلْفُ: التقدُّم.
[102] الأَسِنَّة: جَمْع سِنان للرمح، وسِنانُ الرمح حديدته لصَقالتها ومَلاستها.
[103] العِنانُ: سير اللِّجام الذي تُمسَك به الدابة.
[104] تَذْرُوهُ الرِّياحُ: أي تطيره وتفرّقهظ.
[105] الهَشيم: النبت اليابس المُتكسِّر، والشجرةُ البالية يأْخذها الحاطب كيف يشاء.
[106] اللَّيثُ: الأَسد، واللَّيث: الشجاع بيِّن الأسود، وقيل اللَّيثُ: الشدّة والقوَّة.
[107] كَبْشُ القومِ: رئيسُهم وسيِّدُهم، وقيل: كَبْش القومِ حامِيتُهم والمنظورُ إِليه فيهم، وكَبْشُ الكتيبةِ: قائدُها.
[108] نسبة إلى الخيف من منى.
[109] نسبة إلى العقبة من منى، وإشارة إلى بيعة العقبة.
[110] نسبة إلى بدر وأحد، وإشارة إلى الغزوتين المعروفتين.
[111] إشارة إلى بيعة الشجرة.
[112] الوَغى: الحَرْبُ، والوَغَى: غَمْغَمةُ الأَبطال في حَوْمةِ الحَرْب.
[113] الجز: القطع.
[114] قضى: مات.
[115] طَرَحَ بالشيء: رمى به, والطِّرْحُ: الشيء المطروحُ لا حاجة لأَحد فيه. ويقال: اطَّرَحَه أَي أَبعده، وشيء طَريح: مطروح، وطَرَحَ عليه مسأَلةً: أَلقاها.
[116] السَّلْبُ: نزع الشيء من الغير على القهر.
[117] الرِّدَاءُ: من المَلاحِف، والرِّدَاءُ: الغِطاءُ الكبير، والرِّدَاءُ: السَّيْف، والرِّدَاءُ: القَوْس، والرِّداء كلُّ ما زَيَّنَك حتى دارُكَ وابْنُك.
[118] ناح أي: صاح بعويل، والنَّوْحُ: النساء يجتمعن للحُزْن.
[119] السِّنانُ: سِنانُ الرمح، وسِنانُ الرمح حديدته لصَقالتها ومَلاستها.
[120] حُرَمُ الرجلِ وحَريمُه: عياله ونساؤه وما يقاتِلُ عنه ويَحْميه.
[121] ضَج : صاح، وضَجَّ القوم: فَزِعُوا من شيء وغُلِبوا، وصاحوا فجَلَّبُوا، وضَجَّ: إِذا صاح مستغيثاً.
[122] النحيب: رفع الصوت بالبكاء.
[123] الفِتْنةُ: الفَضِيحة، والفِتْنةُ: ما يقع بين الناس من القتال، والفِتْنةُ: إِعجابُك بالشيء، والفِتْنةُ: اختلافُ الناس بالآراء.
[124] البَشَرُ جمع بَشَرَةٍ: وهو ظاهر الجلد، والبشرة: أعلى جلد الوجه والجسد من الإنسان.
[125] الحطّ: وضع الأحمال عن الدواب والانزال.
[126] الرحل: مَرْكَبٌ للبعير والناقة، والرحل: ما يستصحب من الأثاث.
[127] الفُسطاط: بيت من شعَر، وهو ضرْب من الأَبنية في السفَر دون السُّرادق وفوق الخباء.
[128] النعي: خبر الموت.
[129] يثرب: اسم من أسماء المدينة المنوّرة.
[130] درّ الدمع: كثر سيلانه، والمدرار: الكثير الدرور.
[131] مضرّج: أي ملطّخ بالدم.
[132] القناة واحدة القنا ـ بالقصر ـ وهي الرمح.
[133] حلّ بالمكان: نزل.
[134] السَّاحةُ: الناحية، والسَّاحَةُ: المكان الواسع، والساحة: فضاء يكون بين دور الحي.
[135] فناء الدار: ما امْتدَّ من جوانبها، والفناء: سعة أمام الدار.
[136] الخِدْرُ: سِتْرٌ يُمَدُّ للجارية في ناحية البيت، ثم صار كلُّ ما واراك من بَيْتِ ونحوه خِدْراً، وجارية مُخَدَّرَةٌ إِذا أُلزمت الخِدْر.
[137] الحِجابُ: السِّتْر، وامرأَة مَحْجُوبةٌ: قد سُتِرَتْ بِسِتر.
[138] برز الشيء: ظهر، والمكان البارز: أي الظاهر، وبرزت الشيء: أي أظهرته وتبينته.
[139] الخَمْشُ: الخدْشُ في الوجه وقد يستعمل في سائر الجسد، وخمش وجهه: خدشه ولطمه وضربه وقطع عضواً منه، وخمشت المرأة بظفرها: جرحت ظاهر البشرة.
[140] الخَدُّ في الوجه، والخدان: جانبا الوجه، وهما ما جاوز مؤخر العين إِلى منتهى الشدق, وقيل: الخدّ من الوجه من لدن المحْجِر إِلى اللَّحْى من الجانبين جميعاً.
[141] الوَيْلُ: الحُزْن والهَلاك والمشقَّة من العَذاب، وكلُّ مَن وَقع في هَلَكة دَعا بالوَيْل، ومعنى النِّداءِ فيه: يا حَزَني ويا هَلاكي ويا عَذابي.
[142] الثُّبُورُ: الهلاك والخسران والويل.
[143] المرارة بفتح الميم: ضدّ الحلاوة، أمرّ: أكثر مرارة.
[144] الفجيعة: الرَّزِيّةُ المُوجِعة.
[145] سكب الدمع: صبّه.
[146] الزعزعة: تحريك الشيء لتقلعه وتزيله.
[147] المَجْدُ: المُرُوءةُ والسخاءُ والكرمُ والشرفُ، والمجد: نَيْل الشر، وقيل: المَجْدُ كَرَمُ الآباء خاصة، وقيل: المَجْدُ الأَخذ من الشرف والسُّؤدَد ما يكفي.
[148] الجَدْعُ: القَطْعُ البائن في الأَنف والأُذن والشَّفةِ واليد ونحوها.
[149] الشَّحَطُ: البُعْد، وشَحَطَتِ الدَّارُ: بَعُدَت.
[150] الشَّاسِعُ: البعيد.
[151] الناعي: هو الذي يأتي بخبر الموت.
[152] الخدش: مزق الجلد قلّ أو كثر، خَدَشَ جلده ووجهَه: مزقه.
[153] القرح: الجراح، والقَرْحُ: الأثر من الجراحة من شيء يصيبه من خارج، والقُرْحُ: أثرها من داخل كالبثرة ونحوها.
[154] انْدَمَلَ الجرح: إِذا تَماثَل وصَلَح.
[155] بَدَرْتُ إِلى الشيء: أَسْرَعْت.
[156] يتخطى رقاب الناس: أي يخطو خطوة ـ بالضم ـ، والخطوة: هي بعد ما بين القدمين في المشي.
[157] الفُسطاط: بيت من شعَر، وهو ضرْب من الأَبنية في السفَر دون السُّرادق وفوق الخباء.
[158] الخرقة بالكسر: القطعة من الثوب.
[159] ما تَمالَك: أي ما تَماسَك ولا يَتَماسَك، وما تَمالَكَ فلان أن وقع في كذا إذا لم يستطع أَن يحبس نفسه.
[160] البارئُ: هو الذي خَلَقَ الخَلْقَ لا عن مِثال.
[161] شَهِد كذا: أي: حضره.
[162] النَّجْوُ: السِّرُّ بين اثنين، يقال: نَجَوْتُه نَجْواً أَي سارَرْته، وكذلك ناجَيْتُه، والاسم النَّجْوى.
[163] العَظِيمُ: الذي جاوَزَ قدْرُهُ وجلَّ عن حدودِ العُقول حتى لا تُتَصَوَّر الإِحاطةُ بِكُنْهِه وحَقِيقتهِ، والعَظيمةُ والمُعْظَمةُ: النازلةُ الشديدةُ والمُلِمَّةُ إذا أَعْضَلَتْ، والعِظَمُ: خلافُ الصِّغَر، عَظُمَ يَعْظُم: كَبُرَ.
[164] الفجيعة: الرَّزِيّةُ المُوجِعة.
[165] المض: الحرقة، يقال: يمض القلب: يحرقه، وأمضني: لدغني وأوجعني وآلمني.
[166] اللذْعُ: حُرْقة كَحُرْقةِ النار، وقيل: هو مسّ النارِ وحِدَّتها.
[167] الرزء: المصيبة، والرُّزْءُ: المُصِيبةُ بفَقْد الأَعِزَّةِ، وهو من الانْتِقاص.
[168] أَفْظَعَ الأَمرُ: اشتَدَّ وشَنُعَ وجاوز المِقدارَ وبَرَّح، والفاظع: الشديدُ الشنِيع.
[169] الكظ: الهم الشديد يملأ الجوف، كَظَّهُ الأَمرُ : بهَظَه وكرَبَه وجهَدَه، والكِظاظُ: الشدّة والتَّعب.
[170] الفادِحةُ: النازلة الشديدة الثقيلة التي يثقل حملها ويبهظ.
[171] الجائحة: كل مصيبة عظيمة مهلكة وفتنة مبيرة، والجائحة: المصيبة تحلّ بالرجل في ماله فتَجْتاحُه كُلَّه.
[172] ثَلَمَ الإِناءَ والسيفَ ونحوَه: كسر حَرْفَه، والثُّلْمة: الموضع الذي قد انْثَلم، والثُّلْمة: الخَلَل في الحائط وغيره، وثُلِمَ في مالهِ ثَلْمة إِذا ذهَب منه شيء.
[173] تضن: تمسك وتبخل.
[174] انهملت العين: انْهَمَلَتْ: فاضت دموعها وسالت.
[175] الأرجاء: الجوانب.
[176] الصَّدْعُ: الشَّقُّ في الشيءِ الصُّلْبِ كالزُّجاجةِ والحائِطِ وغيرهما، وصَدَعَ الشيءَ: شَقّه بنصفين.
[177] الذَّوْد: السَّوق والطرد والدفع.
[178] الشَّاسِعُ: البعيد.
[179] الأمصار: جمع المصر، وهو البلد العظيم.
[180] تقدّم إليهم بكذا: أمرهم به.
[181] الاحْتِسابُ: طَلَبُ الأَجْر.
[182] الزمانة: العاهة، يقال: زمن الشخص أي مرض مرضاً يدوم زماناً طويلاً.