إشارات ..
- "رمضان" هو من "الرمض"، أي: شدة وقع الشمس، وقيل: الحرق دون نار أو دخان، وإنّما سمّي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها بالأعمال الصالحة، من الإرماض وهو الإحراق، ومنه رمضت قدمه من الرمضاء أي احترقت.
- شهر رمضان هو شهر نزول القرآن الكريم، وهو الشهر الوحيد المذكور في كتاب الله، ويحتوي علي ليالي القدر.
ذكر تفسير البرهان حديث للنبي الكريم صلّي الله عليه وآله وسلّم جاء فيه: "أنّ كلّ الكتب السماوية: التوراة والإنجيل والزبور والصحف والقرآن نزلت في هذا الشهر، شهر رمضان أفضل شهور الله".
وكان صلّي الله عليه وآله وسلّم في آخر جمعة من شهر شعبان يلقي خطبة طويلة يستعرض فيها عظمة الشهر الفضيل، وقد وردت تلك الخطبة في بعض كتب التفسير والحديث([2]).
وللإمام السجاد (عليه السلام) مناجاة مؤثّرة في وداع شهر رمضان المبارك ذكرت في الصحيفة السجادية.
- الإسلام دين بني علي السماحة واليُسر، وعدم تكليف الإنسان ما لا يطيق، فبإمكان المريض أو المسافر أن يقضي ما فاته من صيام شهر رمضان في أيام صحّته أو عودته من السفر، وأن يتيمّم إذا تعذّر عليه الوضوء، وأن يصلّي جلوساً إذا شقّ عليه الوقوف. كلّ هذه تندرج ضمن قاعدة فقهية مشهورة هي "قاعدة لا حرج".
رمضان .. شهر ضيافة الله
- في شهر رمضان يحلّ كلّ إنسان مؤمن ضيفاً علي مائدة الله ببطاقة دعوة كتب عليها «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ»، ولهذه الضيافة مزايا عديدة نذكر منها:
١- المضيف هو الله تعالي، وقد وجّه دعوة شخصيّة لضيوفه.
٢- تزخر مائدة المضيف بأنواع الخيرات: ليالي القدر، نزول القرآن الكريم، نزول الملائكة، إجابة الأدعية، رهافة الروح، والأمان من النار.
٣- تاريخ الدعوة هو شهر رمضان، وهو شهرٌ أوّله رحمة، وأوسطه مغفرة وآخره الإجابة والعتق من النار (كما ذكرت الروايات).
٤ـ تفاصيل الدعوة هي أنّه يتمّ تأمين زاد الضيوف لعام كامل في ليلة القدر، وتزدان الأرض بأنوار الملائكة الهابطة إلي الأرض في تلك الليلة المباركة.
٥ ـ طعام هذا الشهر هو طعام الروح، لا طعام الجسم، لتغذية التكامل المعنوي، وآيات الذكر الحكيم هي من ألطاف طعام هذه الضيافة، إذ إنّ تلاوة آية واحدة فيه تعادل تلاوة تمام القرآن في باقي الشهور.
إنّها ضيافة من نمط خاص لا تشبهها أيّة ضيافة دنيوية. فالله العالم الغني الخالق الباقي العزيز الجليل يستضيف الإنسان الجاهل الفقير الفاني المخلوق الذليل، ويخاطبه بالقول: "أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب"([3]).
آداب الضيافة
وردت رواية مطوّلة في كتاب وسائل الشيعة في أخلاق الصائم تقول: "فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب، وغضوا أبصاركم، ولا تنازعوا، ولا تحاسدوا، ولا تغتابوا، ولا تباشروا، ولا تخالفوا، ولا تغاضبوا، ولا تسابوا، ولا تشاتموا، ولا تنابزوا، ولا تجادلوا...، ولا تظلموا ولا تسافهوا...، ولا تغفلوا عن ذكر الله وعن الصلاة، والزموا الصمت والسكوت والحلم والصبر والصدق، ومجانبة أهل الشرّ، واجتنبوا قول الزور والكذب، والخصومة، والنميمة...، وكونوا مشرفين علي الآخرة..."([4]).
إنّ شرط حضور المؤمن في هذه الدعوة الربّانية لا يقتصر علي تكلّف مشقّة الجوع والعطش، فقد جاء في الحديث الشريف ما معناه أنّ من يُعرض عن طاعة أئمة السماء أو يسيء معاملة زوجته في الشؤون الأسرية والشخصية، أو يمتنع عن أداء حقوق الزوجية المشروعة ويعقّ والديه، فإنّ صومه باطل لأنّه لم يلبِّ شروط هذه الضيافة.
لطالما ذكرت الفوائد الطبية والمنافع العامة للصوم حيث يتمّ من خلال الإمساك والجوع التخلّص من الفضلات والمواد الزائدة المتراكمة في الجسم. ومن البركات الأخري التي ينعم بها المؤمن في هذا الشهر المبارك فهي الاستيقاظ في الأسحار ورهافة الروح وإجابة الدعاء، والبائس هو من حُرم كل هذه الخيرات والبركات.
التعاليم:
١- فضل شهر رمضان هو لنزول القرآن فيه. وفضل الإنسان أيضاً هو في مقدار ما استضاءت روحه من نور آيات القرآن، «الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ«.
٢- وجوب الصوم يكون بعد ثبوت دخول شهر رمضان المبارك، «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ«.
٣- قضاء الصوم واجب علي المريض والمسافر، «فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ«.
٤ـ لا يشترط قضاء الصوم في زمان خاصّ، «أَيَّامٍ أُخَرَ«.
٥ـ أساس أحكام الله تعالي السماحة وعدم تكليف الإنسان ما لا يطيق، «يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ«.
٦ـ العسر والحرج يرفعان الواجبات عن كاهل الإنسان، «ولاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ«.
٧ـ قضاء الصوم يكون بمقدار الأيام المعذورة، «ولِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ«.
٨ ـ الله يمنّ علي عباده بتوفيق الهداية وأداء العبادات. التكبير دليل علي تعظيم الله وترك الاهتمام بالنفس والآخرين، «ولِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَي مَا هَدَاكُمْ«.
٩ـ الصوم سبيل هداية الإنسان وشكر النعم، «ولِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَي مَا هَدَاكُمْ ولَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ«.
سماحة الشيخ محسن قراءتي، تفسير النور
([1]) سورة البقرة: 185.
([2]) بحار الأنوار، ج ٩٦، ص ٣٥٦.
([3]) خطبة النبي الكريم صلّي الله عليه وآله وسلّم في الجمعة الأخيرة من شهر شعبان.
([4]) وسائل الشيعة، ج ٧، ص ١١٩.