١-السؤال: هل يوجب ثبوت الهلال في بلد ثبوته في الاخر ام يشترط اتفاق الافق؟
الجواب: يشترط الاتفاق في الافق بمعني كون الرؤية في البلد الاول مستلزمة للرؤية في البلد الثاني لو لا المانع من سحاب او جبل او نحوهما ، ويتحقق ذلك في ما إذا كان الهلال في الثاني وفق الحسابات الدقيقة الفلكية بمواصفات أفضل أو مماثلة لما كان عليه في البلد الأول من حيث الحجم والارتفاع عن الأفق وقت الغروب والبعد الزاوي عن الشمس.
****
٢-السؤال: جاء في كتاب الفقه للمغتربين (المسألة ١١٣) : إذا ثبت الهلال في الشرق ، فهل يثبت عندنا في الغرب وكان الجواب من سماحتكم : (إذا ثبت الهلال في الشرق فهو ثابت للغرب أيضاً مع عدم ابتعاد المكانين في خطوط العرض كثيراً) وهذا الأستثناء (عدم ابتعاد المكانين في خطوط العرض كثيراً ) قد فهم منه عدم التلازم بين ثبوت الهلال في الشرق الأوسط كايران والعراق والخليج وثبوته في بلاد الغرب كبريطانيا وفرنسا لاختلاف خطوط العرض وهذا مما أوجب بلبلة وإرباكاً في ثبوت الهلال لدي أفراد الأسرة الواحدة داخل الجالية الشيعية في هذه البلدان ، حيث إن السيد الخوئي (قدس سره) قد حكي الوفاق بين القائلين بمسلكه في الهلال ومسلك المشهور سواء اشترطنا أم لم نشترط اتحاد الأفق في ثبوت الهلال ـ في تلازم الرؤية وثبوت الهلال بين بلد الرؤية والبلاد التي تقع علي الغرب منه ، في حالة فرض تأخر غروب الشمس في ذلك البلد الغربي عن بلد الرؤية ، وان اختلف خط العرض مادام الخط الفاصل بين النهار والليل وهو خط غروب الشمس يمر علي بلد الرؤية قبل مروره علي البلد الغربي ، حكي ذلك السيد الخوئي في مراسلاته مع بعض تلاميذه في مسألة رؤية الهلال، التي طبعت في رسالة مستقلة تحت عنوان (مسألة رؤية الهلال)، وقد حكي في ضمن تلك الرسالة كلام كل من الشهيدين الأول والثاني والنراقي في المستند ، دعواهم الوفاق من المشهور علي ذلك ، هذا مع ان لازم الأستثناء المذكور في جوابكم هو حصول التعدد في بداية الشهر الهلالي إلي ثلاثة أيام ، كما هو حاصل في عامنا هذا وفق التفصيل الذي ذكرتموه في الجواب بضميمة بيانات علماء الأرصاد الفلكية حيث قرّروا تولد الهلال وامكانية الرؤية المجردة في مناطق المحيط الهادي ليلة الثلاثاء ، وامتناع الرؤية فيما سواها في تلك الليلة ، وأمكان الرؤية ليلة الأربعاء في بلاد العراق وايران والخليج وحوض المتوسط دون شمال أوروبا الذي يزيد في خطوط العرض والذي يمتنع عندهم الرؤية ليلة الأربعاء ، ويمكن لهم الرؤية ليلة الخميس ، فيكون مبدأ الشهر الهلالي في بقاع الأرض ثلاثة ايام ، وبنحو حلزوني الشكل ، وهذا مما يقتضي عدم تطابق وعدم امكان تطبيق اليوم القمري علي اليوم الشمسي فكيف التوفيق بين هذا التسالم المحكي والتفصيل المذكور في جوابكم مع ملاحظة المحاذير المتقدمة؟ ثم إن ها هنا بحثاً صغروياً وتطبيقياً آخر وهو أنه مع ثبوت الهلال في الشرق الأوسط كبلاد ايران والعراق والخلِيج وعدم إمكان الرؤية في بلاد الغرب كبريطانيا وفرنسا بسبب مانع في الأفق كالضباب ، فهل يوجب ذلك التعدد في ثبوت الهلال بحسب الظاهر؟ وهل دعوي الفلكيين بامتناع الرؤية في الغرب وإمكانها في الشرق توجب تعدد الثبوت؟
الجواب: هنا عدة امور :
١ ـ انه وان ذكر جمع من فقهاء الفريقين ان رؤية الهلال في ايّ مكان تستلزم رؤيته في الامكنة الواقعة في غربه (١) ، الا انه لم يثبت كون ذلك مشهوراً حتي بين المتأخرين فضلاً عن التسالم عليه بل يستفاد من كلام شيخنا الشهيد الاول خلاف ذلك حيث ذكر ما نصه ( ويحتمل ثبوت الهلال في البلاد المغربية برؤيته في البلاد المشرقية وان تباعدت للقطع بالرؤية عند عدم المانع) (٢) فيلاحظ انه قدس سره لم يتبنّ الملازمة بين الرؤية في البلاد المشرقية وثبوت الرؤية في البلاد المغربية وانما ذكرها علي سبيل الاحتمال بالرغم من التزامه بالملازمة بحسب الضوابط الفلكية .
وبعض الفقهاء الاخرين الذين التزموا بالملازمة المذكورة انما قالوا بها اعتقاداً منهم بالاولوية القطعية ، قال السيد الحكيم قدس سره ( واذا رئي في البلاد الشرقية فانه تثبت رؤيته في الغربية بطريق اولي ) وعلل ذلك بعضهم بان القمر لا يرجع ولا يتوقف .
ولكن الوجه المذكور لا يقتضي الا ازدياد القسم المنار من القمر كلما اتجه غرباً ، فاذا كان عمره عند غروب الشمس في استراليا ٢١ ساعة و٣٦ دقيقة يكون عمره في طهران ٢٧ ساعة و٥٠ دقيقة وفي النجف ٢٨ ساعة و١٩ دقيقة وفي لندن ٣٠ ساعة و٥٧ دقيقة وهكذا ولكن هذا لا يقتضي كونه قابلاً للرؤية في جميع تلك البلاد اذ لدرجة ارتفاع الهلال عن الافق دخل تام في امكانية الرؤية وعدمها ، فقد يكون الهلال بعمر ٢١ ساعة في ارتفاع ٨ درجات قابلاً للرؤية ولا يكون بعمر ٣٠ ساعة قابلاً لها لكونه في ارتفاع ١ درجة فقط .
ان قيل : ان عدم امكانية الرؤية عند كون الهلال قريباً من الافق وقت الغروب انما هو من جهة المانع الخارجي وهو اجتماع الغبار والبخار ونحوهما حوالي الافق وقد ادعي المحقق النراقي الاجماع علي عدم العبرة بالموانع الخارجية الهوائية والارضية (٣) .
قلت : ان ذلك في الموانع الطارئة المتغيرة كالسحاب والضباب واما الموانع الطبيعية التي لا تنفك عن المناطق القريبة من الافق في مختلف الازمنة والامكنة فليست كذلك لعدم الدليل عليه بل مقتضي كون الاهلة مواقيت للناس ـ كما ورد في الاية الكريمة ـ عدم العبرة بوجود الهلال في الافق الا اذا كان من حيث الحجم ومن حيث الارتفاع عن الافق ومن حيث البعد عن الشمس قابلاً للرؤية بالعين المجردة لولا الغيم ونحوه ، فالهلال الذي يكون بارتفاع ٣ درجات مثلاً حيث انه لا يكون قابلاً للرؤية عادة لا يصلح ان يكون ميقاتاً للناس .
٢ ـ المعلومات الفلكية المتوفرة لديناً لا تشير الي حصول التعدد في بداية الشهر بثلاثة ايام في رمضان الجاري اذ لم يكن الهلال في ليلة الثلاثاء قابلاً للرؤية في ايّ من البقاع لان القسم المنار منه كان دون الحد الادني المطلوب وانما كان يري في ليلة الاربعاء حتي في سيدني ونحوه من البلاد، مع أنه لو فرض حصول التعدد في بداية الشهر بثلاثة أيام فليس في ذلك محذور أصلاً.
٣ ـ قد ظهر مما مرّ انه مع رؤية الهلال في بلاد الشرق ان كان عدم امكان الرؤية في بلاد الغرب من جهة الغيم والضباب ونحوهما يحكم بدخول الشهر فيها ايضاً واما اذا لم يكن الهلال في افقها بالارتفاع الذي يمكن رؤيته عادة فلا يحكم بدخول الشهر فتعدد بداية الشهر الهلالي وهذا التعدد واقعي لا ظاهري .
ودعوي الفلكيين عدم امكان الرؤية لانخفاض درجة الهلال في الافق مما لا عبرة بها الا من حيث عدم حصول الاطمئنان بامكانية الرؤية عادة والله العالم .
——————————–
(١) الجواهر ج ١٦ ص ٣٦١ ، التحفة السنية ص ١٦٧ ، المستمسك ج ٨ ص ٤٧٠ ، مستند العروة ج ٢ ص ١١٢ ، مغني المحتاج ج ١ ص ٤٢٢ .
(٢) الدروس ج ١ ٢٨٥ .
(٣) مستند الشيعة ج ١٠ ص ٤٢٣ .
(٣) مستند الشيعة ج ١٠ ص ٤٢٣ .
****
٣-السؤال: هناك شخص مؤمن قد اشتهر برؤيته الهلال لسنوات عديدة، فهل يكفي حصول الاطمئنان من قوله في ثبوت الهلال؟ وهل يكفي هذا الاطمئنان للآخرين بمعنى أن آمر اهل بيتي ليعملوا باطمئناني؟
الجواب: من حصل له الاطمئنان يعمل بمقتضاه ومن لم يحصل له فعليه العمل وفق الموازين الاخرى ولا ينفع اطمئنان شخص لشخص آخر ، علماً أنّ انفراد شخص بدعوى رؤيته للهلال مع وجود مستهلين آخرين يماثلونه في معرفة مكان الهلال وحدّة النظر مع فرض صفاء الجو وعدم وجود ما يحتمل أن يكون مانعاً عن رؤيتهم يثير الريب عادةً في صحّة دعواه بل يظن وقوعه فريسة الخطأ في الحسّ فكيف يتصوّر حصول الاطمئنان من قوله؟!.
****
٤-السؤال: يقوم علم الفلك في يومنا هذا على أسس علمية متينة وحسابات رياضية دقيقة ، حيث إن احتمال نسبة الخطأ فيها قد تكون لا تذكر، حيث يخبر الفلكيون بخسوف القمر وكسوف الشمس لعدة سنوات مقبلة بدقة متناهية وغيرها من الأمور الأخرى. السؤال: لماذا لا يعتدّ بقول هؤلاء الفلكيين في ثبوت الهلال، عندما يفتي هؤلاء الفلكيون بخروج القمر من المحاق وولادته الِّا انه لا يمكن رؤيته، وهل الأساس فُي ثبوت الهلال ولادة الهلال ام رؤيته؟
الجواب: هنا عدة امور :
أ) ان اخبار الفلكيين عن الكسوف والخسوف والمحاق وولادة الهلال ونحو ذلك يبتني على محاسبات رياضية كانت معروفة منذ مئات السنين ولا يقع فيها خطأ عادة الّا ممن لا يكون خبيراً باجرائها ، وعلى هذا الاساس يحصل الاطمئنان عادة من قول الفلكيين أن القمر في الشهر الفلاني يدخل في المحاق في الساعة كذا ويخرج منه في الساعة كذا.
ب) العبرة في بداية الشهر شرعاً بظهور الهلال في الافق على نحو قابل للرؤية بالعين المجردة لولا السحاب ونحوه من الموانع ، فلا يكفي العلم بوجوده بعد ولادته ولكن على نحو غير قابل للرؤية مطلقاً او على نحو غير قابل للرؤية الّا بالادوات المقرّبة والرصد المركّز ، ومن هنا لا ينفع اخبار الفلكي عن ولادة الهلال وخروجه من المحاق في ثبوت أول الشهر . نعم إذا اخبروا عن عدم ولادة الهلال بعد عند الغروب او اخبروا ان له من العمر ساعة او ساعتين مثلاً اوجب ذلك ـ عادة ـ الاطمئنان بعدم صحة الشهادة على رؤيته في تلك الليلة.
ج) هناك اختلاف كثير بين الفلكيين في خصوصيات الهلال الذي يكون قابلاً للرؤية بالعين المجردة ـ لو لا العوائق الخارجية ـ من حيث نسبة القدر المنار منه ودرجة ارتفاعه عن الافق ومقدار بعده الزاوي عن الشمس وغير ذلك من الخصوصيات ولا يمكن الاعتماد على قول ايّ منهم في هذا المجال ، والعبرة بما يحصل من الاطمئنان بملاحظة مجموع الخصوصيات والقرائن.
****
٥-السؤال: باي شيء يثبت الهلال، وهل يثبت بقول المنجّم؟
الجواب: طرق ثبوت الهلال مشروحة في الرسائل الفتوائية كالعروة الوثقى مع تعليقتنا عليها ومنهاج الصالحين ، وليس منها اخبار الفلكي ، نعم قد يكون اخباره من بواعث حصول الاطمئنان بكون الهلال ظاهراً على الافق بنحو قابل للرؤية بالعين المجردة ، كما ان اخباره بعدم تولد الهلال وكونه بعد في المحاق او مرور وقت قصير جداً ـ كبضع ساعات ـ على ولادته قد يكون من موجبات حصول الاطمئنان بعدم ظهوره في الافق على الوجه القابل للرؤية بالعين المجردة .
****
٦-السؤال: ألم يكن هناك شياع عالمي على رؤية هلال العيد في هذا العام فلماذا لم يأخذ به سماحة السيد؟ أليس احتياط سماحته في أمر الهلال زائد على الحد ؟ ألا يخشى أن يصوم الناس بسبب ذلك في يوم العيد؟ أليس من الأجدر أن يحتاط سماحته في مسألة الهلال لكي يرجع الناس إلى غيره من المراجع ويرتفع الحرج عن المؤمنين و لا يحدث الهرج و المرج في الأسرة الواحدة فإن كبار السن يقلدون السيد الخوئي وأبناؤهم يقلدون سماحته فنرى الآباء يفطرون والأبناء يصومون!!
الجواب: ١ ـ عن أي ( شياع عالمي ) تتحدّث ؟! لعلّك لا تعلم أن معظم المراجع الذين اثبتوا الهلال في ليلة الجمعة إنما اعتمدوا على ثبوت رؤيته في استراليا وأفريقيا بناءً منهم على القول بوحدة الآفاق ، وبعضهم اعتمد على كفاية رؤيته بالتلسكوب ، وبعضهم بناءً على اعتبار حكم الحاكم الشرعي في الهلال ، وسماحة السيد ـ (دام ظله) ـ لا يرى شيئاً من ذلك .
ولعلّك لا تعلم أن مئآت الأشخاص في الاحساء والقطيف والكويت والعراق وفي سائر أرجاء المنطقة استهلّوا ليلة الجمعة ومعهم الأدوات المقرّبة وفيهم الكثير ممن يعلم مكان الهلال بدقّة ومع ذلك لم يتيسّر لهم رؤيته ، ولكنّ هناك أشخاصاً آخرين ادعوا الرؤية وفيهم كما قيل (عدول أو ثقات) فاعتمدهم جمع من وكلاء المنطقة وهذا لا ينسجم مع مبنى سماحة السيد ـ (مدّ ظلّه) ـ من وقوع التعارض الحكمي بين الشهادات المثبتة والنافية في مثل هذه الحالة لما ورد في النص الصحيح عن أبي عبد الله (ع) من أنه ( إذا رآه واحد رآه مائة وإذا رآه مائة رآه ألف).
٢ـ لعلّك لا تعلم أن حرمة صوم يوم العيد إنما هي حرمة تشريعية لا ذاتية أي إن من يعلم أنه يوم عيد ويصومه بداعي كونه مأموراً به يرتكب الحرام وأمّا من لا يعلم أنه يوم عيد فلو صامه لا يكون مرتكباً للحرام واقعاً ، وهذا بخلاف حرمة الإفطار في يوم من شهر رمضان فإن من اعتقد اشتباهاً أن آخر أيام رمضان هو يوم العيد فافطر فيه يكون مرتكباً للحرام واقعاً وإن لم يستحق العقاب إذا كان معذرواً في اعتقاده .
٣ـ إن الاختلاف في بداية الأشهر القمرية مما لا محيص منه في ضوء اختلاف مباني الفقهاء في ما هو المناط في بداية الشهر القمري وعلى كل مكلّف أن يعمل وفق رأي مرجع تقليده ولا يحدث هرج ولا مرج بذلك وأي ضير في أن يكون الأب مفطراً والولد صائماً كل حسب فتوى مقلّده؟!
٤ ـ إن سماحة السيد ـ (دام ظلّه) ـ لا يحتاط في أمر الهلال إلا بمقدار ما تلزمه به الأدلة، وهو أعلم بموارد الفتوى والاحتياط، وإذا كنت ترغب في من يفتي أو يحتاط مثل ما تحب فقلّد غير سماحة السيد ـ (دام ظلّه) ـ .
المصدر: موقع مكتب سماحة السيد السيستاني- استفتاءات ثبوت الهلال