فالشخص الذي يحظى بواحدة من هذه الوظائف يكون له الكرسي الأول في صف كراسي أعيان الدولة ويقابله عاهل الأمة مقابلة التشريف ويختصه بالعناية الزائدة فما ظنك بمن حظى بهذه الوظائف الأربعة وحازها كلها وحمل أوسمتها أجمع ذاك من لا يقاس به إنسان في شعبه واُمته.
وحيث كان الحسين بن علي (ع) ملك الدنيا والآخرة وسلطانها بعد جده وأبيه وأخيه عليهم الصلاة والسلام من الوجهتين السياسيتين: سياسة الآخرة والدنيا؛ فالسياسة الدينية فيهما واحدة من جهة أتجاهها أتجاهاً مستقيماً حقيقاً على معدل واحد من حيث النظام والتشكيل الذي يقتضيه حفظ النظام العسكري وإن أختلفت المقاصد والأغراض وتباينت الغايات والأهداف.
فالملك السياسي الدنيوي غايته وهدفه أستقامة الملك ومقصده سلامة الدولة والسلطنة وحفظ كيانها وتركيز سيطرتها وتعميم نفوذها الخارجي الاستعماري.
والملك السياسي الديني مقصده الأسمى وغرضه الوحيد حفظ نظام الدين وغايته حماية الملة وحراسة الشريعة عن التغيير والتبديل وتوسيع نطاق الدعوة إليه بأساليبه السلمية إلا أن تضطره الظروف إلى أتخاذ وسائل الحرب.
العباس (ع) سفير الحسين (ع)
وحيث كان الهدف واحد والمنحى واحد وهو المحافظة على بقاء النظام وحفظه لأجل أستدامة السلطة الحكومية التي يتوصل بها إلى إشادة ما قصد له دينياً كان المقصود أو دنياوياً لا بد له حينئذ من دعاية لأجل جذب النفوس إليه بواسطة السفارة أو من ينوب عن تلك الدولة، ولا يقوم بهذه الوظيفة المهمة إلا رجل مثقف محنك ذا تجربة ومهرة فنية قد درس السياسة درساً متقناً وألم بالعلوم إلماماً كافياً مع كونه شديد الإخلاص لدينه وأميره ووطنياً قحاً متفانياً في ترقي دولته وحكومته إن كان سياسياً دنياويا صرفا عاقلا حكيماً يمثل أميره وإمامه تمثيلاً بديعاً ويصوره بأحسن تصوير على كلا الحالين وبدون فرق بين المصلح الديني والأمير السياسي المحض وهو المعبر عنه السفير أو وزير الخارجية أو القنصل، إذ ربما تجتمع هذه الألقاب وربما تنفرد كما ستعرف.
أما قدماء العرب من المسلمين فيطلقون عليه إسم الوالي الخاص أحياناً والوكيل والداعي أحياناً ويعنون به نائب الخليفة والسلطان عند الحكومات الأجنبية أو في داخلية البلاد للاُمور الخاصة، وقد يكون مثلاً لأمته وشعبه وسفيراً عن حكومته خارج المملكة وهو بهذا الأسم وربما أطلقوا عليه إسم الرسول.
وهذه الوظيفة بأي معانيها اُخذت وبأي سميتها سفارة أو نيابة أو ولاية كانت لمسلم بن عقيل بن أبي طالب (ع) فإنه كان نائب الحسين (ع) في الكوفة وسفيره عند أهل العراق.
وقد يكون السفير سفيراً في المسائل الخاصة ما بين الملك وشعبه أو بينه وبين دولة أجنبية ويحدد له الملك تلك المسألة الخاصة تحديداً لا تجاوزه فيحمل إليهم رسائله وخطاباته المتضمنة لإرادته ويطلعه على أسراره وهذه الوظيفة كانت للعباس بن علي (ع).
وسفارة العباس بن أمير المؤمنين (ع) بين الحسين (ع) وبين شيعته وبينه وبين الأجانب كانت سفارة خاصة في أوقات معينه فهو سفير موقت لا سفير دائمي كمسلم بن عقيل، فمن سفارته ما قدمناه من أنه بعثه للجيش الزاحف عليه نهار التاسع فراجعه.
العباس (ع) عميد العسكر الحسيني
وكما أنه لا بدل له من دعاية يمثلها معتمد خبير مدرب يقوم بهذا وينظر في المصالح وينظم الاُمور السياسية خارج العصمة لا بد له أيضاً من جيش عسكري مدرب على أحسن نظام وأجود طراز في التثقيف والتمارين الحربية على الاُساليب والفنون لملائمة للعصر وإذا أضطر إلى تأليف جيش أحتاج إلى توظيف عميد له ولا بد أن يكون مثقفاً ماهراً في الفنون التمرينية والأساليب العسكرية، شجاعاً ثابت القلب ليحمي عسكره وجنده بثباته، محنكاً ذا تجارب وفكر ليحصنه بفكر، ورويته ويقويه بتجاربه وخبرته، ويتولى تقسيمه على المنهج الحربي حسبما تدعو إليه القواعد الحربية وتقتضيه النظم الفنية كتقسيمه إلى فرق فأفواج فكتائب فسرايا ففصائل إن كانت كبيراً، وإلى كتائب وفصائل إن كان صغيراً، ويخطط الخطط الدفاعية والهجومية وغير ذلك مما ستعرفه قريباً إن شاء الله.
وهذه الوظيفة أي وظيفة عميد العسكر كان يتلقاها العباس الأكبر أبن أمير المؤمنين عند أخيه الحسين بن عليّ (ع) وليس غيره لهذه الوظيفة عنده.
منزلة العميد في الجيش النظامي المتمدن:
والعميد في نظر الدولة الحرة والحكومات المتمدنة في هذه العصور رتبته الثالثة في الوزارة العسكرية أو زارة الدفاع لأن وزارة الدفاع يقدم فيها شخص الوزير أي وزير الدفاع ثم أركان الجيش ثم العميد ثم الفريق وهكذا كما ستسمعه قريباً إن شاء الله.
وإنما سمي عميداً لأنه عليه أعتماد الجيش وبه يثقفون في الملمات وفي الشدائد الحربية فهو بمنزلة عمود الخيمة وعماد البناء الذي عليه يعتمد السقف وتقوم الخيمة، أو لأن عليه أعتماد السلطان وعلى كل لا يكون عميداً للعسكر إلا من كان شجاعاً مقداماً من غير تهور ذا جرأة وثبات، خواضاً للغمرات، قذافاً بنفسه في الأهوال، والمتالف مع تحري الظفر والفور، ومجرباً خبيراً بفنون الحرب وأساليبها، محنكاً ذا مهارة فنية وثقافة حربية وخبرة تامة بشؤون الإقدام والإحجام والتقدم والتأخر ليقي نفسه وجيشه من العطب إن لم يكن مستميتأً فإن عميد الجيش ما دام في مركزه يخفق لواؤه على رأسه فالعساكر ثابتة في مراكزها على نظامها وترتيبها الذي رتبه فإذا زال عن مركزه ولم يكن أنسحاباً بأنتظام يعلم به القواد أو قتل ولم يقم مقامه نظيره أختل النظام وتبدد الجيش ونال العدو منه ما يريد ولهذا قال القائل وقد سُئل عن مالك الأشتر بعد موته: ما أقول بمن هزمت حياته أهل الشام، وهزم موته أهل العراق.
فالعباس الأكبر هو عميد عسكر الحسين (ع) مفاد ما دلت عليه الروايات الورادة في كتب المقاتل والتي أعتنى بضبطها علماء هذا الشأن وقد عبر عنها الحسين (ع) بقوله: أنت مجمع عددي والعلامة من عسكري، وقول العباس (ع) له لما أراد حمله إلى خيمة الشهداء: أنا مجمع عددك والعلامة من عسكرك، وقد تقدمت في الفصول السابقة وهي صريحة في إرادة العميد لأنه مجمع العسكر والعلامة لهم لأنه حامل لوائهم والإشارة النظامية معه.
قال في معالي السبطين(1): كان لواء الحسين (ع) معه وكان أميراً وزيراً وسفيراً ألخ.
للمؤلف:
هو العميد لجيش السبط يوم دعا
أنصاره جاهدوا الكفار في الدين
قوموا إلى الموت ذي رسل العداة لكم
يعني السهام وحوطوا آل ياسين
فقام أنصاره الأفذاذ وأستبقوا
للموت شوقاً إلى الولدان والعين
دعا العميد معي خلفي فأتبعه
أصحابه الغر زحفاً للميادين
كأنما الحرب زفت في الجلاد لهم
أبهى عروس من البيض الخواتين
ما مثل موقفهم بالطف معركة
لا يوم اُحد ولا أيام صفين
سبعون شهم من الأبطال يرهبهم
سبعون ألف من الشوس الملاعين
طعانهم بحراب السمر تحسبه
أجناد كوفان فيها نفث طاعون
هبت بجيش أبن سعد الرجس زوبعة
من عزمهم نسفته دون توهين
ورب عاصفة هوجاء قد قلعت
ما حصنته البرايا أي تحصين
جدد لهم ذكريات المجد محتفلاً
بمنتدى الفخر ممزوجاً بتأبين
مثل على مسرح العليا عميدهم
تمثيل حي شعور راسخ الدين
وأروي لهم عزمه العالي وهمته
بما يلذ ويحلو من أفانين
الحاجب والمرافق
ومن وظائف العباس بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) الحجابة لأنه الحاجب والمرافق للحسين (ع) حيث أن الحسين (ع) كملك سياسي يحتاج إلى سفير وعميد للجيش لا بد له مما لا يستغني عنه ملك سياسي أو ديني وهو المرافق الخاص بأصطلاح المدنيين والحاجب بأصطلاح القدماء وإن لم يكن محتجباً حقيقة ليتولى شؤونه الخاصة ولا يفارقه في سفر ولا حضر، ولا في قيام ولا قعود لاُمور شتى إلا في شئونه النفسية وتلك الاُمور التي يلازمه لأجلها منها أن يتولى المدافعة عند إذا أراد أغتياله أحد أعدائه لأن من كان بهذا المنصب من العظمة وأرتفاع الشأن فلا ريب إنه بمعرض الخطر من ناحية الإغتيال السري والفتك العلني عنه فالمرافق في مثل هذه الحال يدافع عن صاحبه، وهذا أمير المؤمنين (ع) ودفاعه عن النبي (ص) يوم اُحد وحنين وقد فر عنه جميع الصحابة مشهور، وقول النبي (ص) له في يوم اُحد: رد عني هذه الكتيبة وهذه الكتيبة، رواه الطبري والمفيد وغيرها.
وكما أنه يحتاجه لذلك يحتاجه إلى إرسال رسول أو إحضار شخص أو ما شاكله من المهمات الفوتية فيقوم الحاجب أو المرافق بمباشرة هذه الأعمال ولا بد فيه من الكفاءة والمعرفة والعقل والشجاعة والعلم واليقظة والبصيرة والإخلاص لمن ولاه ذلك هذه الوظيفة كان يتولاها أبو الفضل العباس بن أميرالمؤمنين (ع) عند أخيه الحسين (ع) لأجتماع هذه الصفات فيه وهي لا تحوجنا إلى تقديم الشاهد وأستدعاء الحجة للأتفاق على أن أخص بني هاشم بالحسين (ع) وأقربهم منه أخوة العباس الأكبر وأبنه علي الأكبر، والعباس (ع) أكثر مباشرة لأعمال الحسين (ع).
وإذا عرفت وظيفة المرافق قديماً وحديثاً تعرف أن للحسين بن علي (ع) مرافقين فقط وهما أخوه أبو الفضل العباس وأبنه علي الأكبر فإنهما كانا يلازمان بابه ويمشيان في ركباه وإذا دخل على بعض الأمراء كانا معه كل ذك حفظاً له وحياطة له وقياماً بواجب أمره.
فقد تحدث المؤرخون وأرباب المقاتل في قصة دخول الحسين (ع) على الوليد بن عتبة والي يزيد على المدينة وقد دعاه ليلاً إلى بيعة الفاجر يزيد، وإن الحسين (ع) جمع فتيانه وجعلهم على باب الوليد.
ويتحدث اليزدي في مصائب المعصومين(2) في أخبار كربلاء قال: ثم أرسل الحسين (ع) إلى عمر بن سعد: إني اُريد أن اُكلمك فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك، فخرج إليه أبن سعد في عشرين وخرج إليه الحسين (ع) في مثل ذاك، فلما ألتقيا أمر الحسين (ع) أصحابه فتنحوا عنه وبقي معه أخوه العباس وأبنه عليّ الأكبر، وأمر عمر بن سعد أصحابه فتنحوا عنه وبقي معه أبنه حفص وغلام له.
فقال له الحسين (ع) ويلك! أما تتقي الله الذي إليه معادك أتقاتلني وأنا أبن من قد علمت؟ دع هؤلاء القوم وكن معي فإنه أقرب لك إلى الله، فقال عمر بن سعد لعنه الله: أخاف أن تهدم داري! فقال له الحسين (ع) : أنا أبنيها لك. فقال: أخاف أن تؤخذ ضيعتي فقال الحسين (ع) أنا أخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز.
فقال: لي عيال وأخاف عليهم من أبن زياد! ثم سكت ولم يجبه إلى شيء، فأنصرف عنه الحسين (ع) وهو يقول: مالك ذبحك الله على فراشك عاجلاً ولا غفر لك يوم حشرك فوالله إني لأرجو أن لا تأكل من بر العراق إلا يسيراً، فقال أبن سعد لعنه الله: في الشعير كفاية عن البر ـ مستهزءاً بذلك القول ـ ألخ.
للمؤلف:
أبا الفضل إن السبط سبط محمد
مليك بني الدنيا وأنت المرافق
تقوم على أعتاب سدة بابه
تبادر في حاجته وتسابق
ويوم أتى دار الوليد صحبته
وحولك من عدنان غر غرانق
ويوم أبن سعد قمت والسيف مصلت
على رأسه والسبط فيك لواثق
وإن شمرت عن ساقها الحرب عنوة
وسالت كزخار السيوف فيالق
تسل رهيف الشفرتين وما أتقت
مضاربه أدراعها واليلامق
وتترك أشتاتاً من الرعب صيدها
فسيح الفضا فيما تراه مضائق
فلم تعطهم قواتهم قط قوة
ولا نفعتهم سمرهم والبوارق
وفروا ولكن مثل حمر بقفرة
لها القسور الدامي البراثن سائق
تكدست القتلى فكانت روابيا
وبحر الدما فيه الخيول زوارق
وقايضهم بالحتف سيفك في الوغى
لدى الضرب لكن النفوس وثائق
أصاعقة ذاك الحسام أم أنه
شهاب هوى أنقضت وراه الصواعق
أبوك الذي لم تشهد الحرب مثله
مغاربها تعنوا له والمشارق
فقد كان في فن الشجاعة معجزاً
ومعجزه في كل هيجاء خارق
فبدر واُحد بل حنين وخيبر
شواهد في أعجازه ومصادق
وصفين بل يوم الخريبة إذ أتى
يسوق لظعن الأم بالشر سائق
وأنت أبنه تروي لنا حملاته
وقد كان ما ترويه بالضرب صادق
تقد كما قد قد شطرين قرنه
وقد هدرت للمعلمين شقاشق
تقط كما قط اليراع رقابهم
وتبري كما تبري القداح مرافق
العباس هو حاجب الحسين (ع)
وكما يحتاج الملك إلى السفير والعميد والمرافق في السفر ومقامات الخطر يحتاج إلى الحاجب ليقوم بعرض الكتب الواردة عليه من الآفاق ويأخذ الأجوبة منه فيدفعها إلى أربابها ويتناول من يده الرسائل فيسيرها إلى البلدان والنواحي النائية والدانية ويتولى أمر إدخال الواردين عليه من الآفاق من الوفود ورسل الملوك ورؤساء القبائل واُمراء الجيوش وقادة الجنود وولادة المدن واُمراء الخراج والجباة ومدراء الاستخبار وأصحاب الاسرار وعامة ذوي الحاجات وكل هذه الاُمور تناط قديماً بموظف يمسى بالحاجب وربما كان المرافق هو الحاجب، وربما كان غيره وهذا العنوان أي عنوان الحجابة من العناوين المهمة قديماً وقد طرأت عليه تطورات كثيرة وترقيات وتحسينات وأحياناً تفاجئه آفات سقوط فما زال بين طورين ضعف وقوة تتجاذبه قوتان هبوط وصعود أرتفاع وأنخفاض إلى أن وصل إلى هذا الزمان فأكتسب الحجابة دائرة كبرى وسمت بإدارة الديوان وإن نسخ إسم الحجابة لفظاً فقد ثبت معناه كما سمعت في المرافق.
لم يكن لرسول الله (ص) ولا لأحد من عترته (ع) جميعأً حجاب وليس هذا الكتاب موضع نقل الأحاديث في هذا المعنى فليس لهم كما للملوك الجبابرة وطواغيت الأمم حجبة وبوابون وإنما لهم خدم وعندهم رجال مختصون مخصصون لقضاء حوائجهم يلازمون أبوابهم في سائر الأوقات اشبه شيء بخدم الخاصة للملوك من غير عبيدهم ومماليكهم يسمونهم بوابين إشعاراً بالأختصاص وإشارة إلى المواضبة ويطلق عليهم إسم الحجاب توسعة في الكلام على ضرب من المجاز تمييزاً لهم عن العبيد الأرقاء وموالي العتاقة لأنهم أحرار كأنس بن مالك عند النبي (ص) وجويرية بن مسهر العبدي عند أمير المؤمنين (ع) وحذيفه الغفاري عند الحسن بن علي (ع)، والعباس بن علي وعلي بن الحسين عند الحسين (ع). للمؤلف:
أبو الفضل عند أبن النبي مقدم
بإخلاصه من بين أهل وأصحاب
فقد كان مختصاً به ومقربا
لديه لهذا لقبوه ببواب
ولم تك عند السبط دار إمارة
فيحتاج مثل الطائشين لحجاب
فقد كان مستناً بسنة جده
وسيرته المثلى وأفضل آداب
ترى بابه مفتوجة أمها الورى
يحييهم بشراً بأهل وترحاب
إذا ما لقى المحتاج يلقاه باسماً
ولم يمزج العطف الجميل بإرهاب
ومن رام إرشاداً وعلماً يمده
ومن رام إسعاف حباه بأيجاب
فهاتيك أخلاق النبي وهذه
شمائله الحسنى تفيض بإرغاب
فحجابة العباس لأخيه الحسين (ع) من نمط ما ذكرنا عن النبي وعترته فإنه كان يلازم بابه ليقوم بقضاء حوائجه ومهماته، فإذا أراد أمراً يتعلق بشأن من شئونه التي هي خارج السدة الشريفة آمر أخاه العباس أو ولد علي الأكبر (ع) بذلك فسارعا إلى قضاء ذلك اللازم وأسرعا في إنجاز ذلك المهم الذي عرض له (ع) لأنهما مخصصان لهذه الوظيفة. قال أبو جعفر الطبري في التاريخ(3) في حديث كربلاء: فلما دنا منه القوم دعا براحلته فركبها ثم نادى بصوت عال يسمع جل الناس: أيها الناس! إسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم علي وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم فإن قبلتم عذري وصدقتم قولي وأعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد ولم يكن لكم علي سبيل، وإن لم تقبلوا مني العذر ولم تعطوني النصف من أنفسكم (فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم أقضوا إلي ولا تنظرون)(4)، (إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين)(5). فلما سمع إخواته كلامه صحن وبكين وبكى بناته وأرتفعت أوصواتهن أرسل إليهن أخاه العباس بن علي وعلياً أنه إبنه وقال لهما: سكتاهن فلعمري ليكثرن بكائهن ألخ.
وهذه وإن لم تدل صراحة على الحجابة بمعناها السالف لكنها صريحة بملازمتها له وأختصاصهما به وترشيحهما لما يهمه وقد مرت شواهد كثيرة تدل على مواضبتهما للخدمة الحسينية وخاصة العباس (ع) الذي لم يدع ملازمته آناً ما سفراً وحضراً حتى في آخر حياته كما سيجيء في مقتله وشهادته عن الشيخ المفيد وغيره إنه (ع) قصد المسناة وبين يديه أخوه العباس (ع).
فقد ظهر مما ذكرناه أن للعباس (ع) عند أخيه الحسين صلوات الله عليه أربعة وظائف مهمة هي السفير والعميد والمرافق والحاجب سوى وظائف عسكرية اُخرى تلقاها يوم العاشر من المحرم أقتضتها حراجة الموقف سنشير إليها في الخطط العسكرية وهذه الوظائف الأربعة وظائف سامية ورتب نبيلة كما عرفتها. للمؤلف:
جمعت وظائف ساميات جمة
للشهم عباس بن ساقي الكوثر
فله السفارة والحجابة دائماً
وهو المرافق بل عميد العسكر
قد خصه فيها الحسين فزاده
فضلاً على فضل له لم ينكر
بذ الكرام بما حبى من رتبة
وصفاته العليا وطيب العنصر
قرم مشا للموت دون إمامه
طلق المحيا مشية المتبختر
باع النفيس ونفسه في كربلا
لكن سوى طيب الثنا لم يشتر
مقتبس من كتاب (بطل العلقمي) للعلامة الشيخ عبدالواحد المظفر