وعلى أساس من التحقيقات العلمية التي قام بها علماء الطبيعة فقد ثبت إمكان كون عمر الإنسان طويلاً وحتى أن أكابر العلماء صمموا على تهيئة أنواع من الأغذية والأدوية التي تساعد في إطالة العمر. وينقل المرحوم آية الله الصدر في كتابه (المهدي) مقالاً ورد في مجلة (المقتطف) العدد الثالث من سنة 1959 وذلك كشاهد على المدعى السابق ونحن نذكر مقتبسات مما جاء فيه: " لكن العلماء الموثوق بعلمهم يقولون أن كل الأنسجة الرئيسية من جسم الحيوان تقبل البقاء إلى ما لا نهاية وأنه في الإمكان يبقى الإنسان حياً ألوفا من السنين إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته وقولهم هذا ليس مجرد ظن بل هو نتيجة عملية مؤيدة بالامتحان.. قال الأستاذ ديمندوبرل من أساتذة جامعة جونس هبكنس: أن كل الأجزاء الخلوية الرئيسية من جسم الإنسان قد ثبت أن خلودها بالقوة صار أمراً مثبتاً بالامتحان ومرجحاً ترجيحاً تاماً لطول ما عاشه حتى الآن... والظاهر أن أول من امتحن ذلك في أجزاء من جسم الحيوان هو الدكتور جاك لوب... ثم أثبت الدكتور (ودن لويس) وزوجته أنه يمكن وضع أجزاء خلوية من جسم جنين طائر في سائل ملحي فتبقى حية وتوالت التجارب... حتى قام الدكتور الكسيس كارل وأثبت منها أن هذه الأجزاء لا تشيخ الحيوان الذي أُخذت منه بل تعيش أكثر مما يعيش هو عادة وقد شرع في التجارب المذكورة في شهر يناير سنة 1912 ميلادية ولقي عقبات كثيرة وثبت له: أن هذه الأجزاء الخلوية تبقى حية ما لم يعرض لها عارض يميتها إما من قلة الغذاء ومن دخول بعض الميكروبات. أنها لا تكتفي بالبقاء حية بل تنمو خلاياها وتتكاثر كما لو كانت باقية في جسم الحيوان. أنه يمكن قياس نموها وتكاثرها ومعرفة ارتباطها بالغذاء الذي يقدم لها. لا تأثير للزمن أي أنها لا تشيخ وتضعف بمرور الزمن بل لا يبدو عليها أقل أثر للشيخوخة تنمو وتتكاثر هذه السنة كما كانت تنمو وتتكاثر في السنة الماضية وما قبلها من السنين. ولكن لماذا يموت الإنسان ؟ ولماذا نرى سنينه محدودة لا تتجاوز المائة إلا نادراً جداً ؟ الجواب: أن أعضاء الإنسان كثيرة مختلفة وهي مرتبطة بعضها ببعض ارتباطاً محكماً حتى أن حياة بعضها تتوقف على حياة البعض الآخر فإذا ضعف بعضها ومات لسبب من الأسباب مات بموته سائر الأعضاء ناهيك بفتك الأمراض الميكروبية المختلفة وهذا مما يجعل متوسط العمر أقل جداً من سبعين والثمانين... وغاية، ثبت الآن العمر أقل جداً من سبعين والثمانين ومائة وأكثر بل لأن العوارض تثاب ببعض تموت كلها فإذا استطاع العلم أن يزيل هذه العوارض ويمنع فعلها لم يبق مانع يمنع استمرار الحياة مئات من السنين " (2).
وعلى أساس هذا فإنه بعد أن علمنا بعدم المانع من طول العمر فلا إشكال إذن في أن يمن الله القادر تعالى بحفظه على إنسان ويبقيه آلاف السنين وذلك لأن تنظيم وتحقيق الشروط التي تؤدي إلى طول العمر، كل ذلك بيده تعالى وهو تعالى، يستطيع أن يوجد نظاماً حاكماً ومقدماً على النظام العادي وذلك كما فعل في إجراء كل المعاجز، فإن كل معاجز الأنبياء كصيرورة النار برداً على إبراهيم، وتحول عصى موسى إلى ثعبان، وإحياء الموتى لعيسى عليه السلام وغيرها كانت قد تمت على أساس خرق العادة المألوفة حيث أن الله تعالى أوجد نظاماً آخر بقدرته ما انتج حصول المعجزة، وأن جميع المسلمين بل اليهود والنصارى ليصدقون بتلك المعاجز، فلا تبقى الحالة هذه أي إشكال في طول عمر الإمام المهدي عليه السلام وذلك لأن الحكم بعد إمكانه يمكن قبوله بعد تصريح القرآن الكريم بطول عمر نوح عليه السلام ورؤية نتائج المكتشفات العلمية الحديثة، وإذا قيل لنا أن هذا الأمر ممكن لكنه يجري على خلاف النظام المألوف وجب أن نقول في الجواب قلنا لا مانع في أن يكون طول عمر الإمام خلافاً للمألوف المعتاد بعد أن كانت كل معاجز الأنبياء تجري هذا المجرى بقدرة الله تعالى ووقوع المعاجز لا يحصل في ذهنه أي إشكال في مسألة طول عمر الإمام عليه السلام.
الهوامش
(1)سورة العنكبوت الآية 14
(2)المهدي ص 136-132