الامام الحسن عليه السلام والدور الخاص
اضافة الى المهمات والمسئوليات العامة للامامة، التي نهض بها الامام الحسن العسكري عليه السلام، كان هناك دور متميز اختص به عليه السلام، وهو دور الاعداد العملي لمرحلة امامة ابنه الحجة بن الحسن عليهما السلام، المرحلة التي ستمتد في الزمان الى ماشاء الله، والتي ستغمر، الظلال الحزينة لغيبته عليه السلام، المساحة العظمى لهذه المرحلة.... حيث يعتصر الهم والغم قلوب المؤمنين والمؤمنات في مشارق الارض ومغاربها، حزناً لفقده عليه السلام، وشوقاً الى رؤيته، وتمتد هذه الحسرة في الاجيال المؤمنة حتى ياذن الله تبارك وتعالى له بالخروج والظهور، يملأ الارض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
وهذا الدور الخاص الذي نهض به الامام الحسن العسكري عليه السلام، كان متشعب الاطراف والابعاد.
فمن اطرافه وابعاده ما يرتبط بالتمويه على السلطان الجائر، الذي يرصد كل حركة وسكنة في مراقبة بيت الامامة، حذراً من الوالد وخوفاً من الوليد، الذي سيدمر عروش طغاة الارض اجمعين، حيث اخفى الامام الحسن عليه السلام كل دلائل ولادة الحجة عليه السلام، ولم يورد له ذكر في اي وثيقة قانونية رسمية.
ومن أطرافه وأبعاده ما يرتبط بالامة عامة وبالشيعة خاصة، في التأكيد على ولادته والتنصيص عليه والتصريح بامامته، وتهيئته الارضية لمرحلة الغيبة.
كتمان ولادة الحجة عليه السلام:
لقد كتم الامام العسكري عليه السلام ولادة ولده الحجة عليه السلام، خوفاً عليه من الاعداء حتى انه امر بعض خاصة شيعته كاحمد بن اسحاق وغيره، حينما بشرهم بذلك: ان يكتموا امره ويستروا ولادته عن الاخرين، بقوله ولد لنا مولود، فليكن عندك مستوراً، وعن جميع الناس مكتوماً. (1)
الإمام الحسن العسكري والتمهيد لقضية الإمام المهدي عليهما السلام
إنّ أهم انجاز للإمام العسكري عليه السلام هو التخطيط الحاذق لصيانة ولده المهدي عليه السلام من أيدي العتاة العابثين الذين كانوا يتربصون به الدوائر منذ عقود قبل ولادته، ومن هنا كانت التمهيدات التي اتّخذها الإمام عليه السلام بفضل جهود آبائه السابقين عليهم السلام وتحذيراتهم تنصب أوّلاً على إخفاء ولادته عن أعدائه وعملائهم من النساء والرجال الذين زرعتهم السلطة داخل بيت الإمام عليه السلام، الى جانب إتمام الحجة به على شيعته ومحبّيه وأوليائه.
ففي مجال كتمان أمر الإمام المهدي عليه السلام عن عيون أعدائه فقد أشارت نصوص أهل البيت عليهم السلام الى أنه ابن سيدة الإماء(2) وأنه الذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه. وفي هذه النصوص ثلاث إرشادات أساسية تحقق هذا الكتمان، أوّلها أنّ اُمّه أمة وهي سيدة الإماء وقد مهّد الإمام الهادي عليه السلام لهذه المهمة باختيار زوجة من سبايا الروم للإمام الحسن العسكري عليه السلام ولم تكن للزواج أية مراسم ولا أية علامة بل كل ما تحقق قد تحقق بعيداً عن أعين كثير من المقرّبين.
وقد خفيت الولادة حتى على أقرب القريبين من الإمام، فإنّ عمّة الإمام عليه السلام لم تتعرّف على حمل اُم الإمام المهدي عليه السلام فضلاً عن غيرها، ومن هنا كانت الولادة في ظروف سرّية جداً وبعد منتصف الليل، وعند طلوع الفجر وهو وقت لا يستيقظ فيه إلاّ الخواص من المؤمنين فضلاً عن غيرهم.
وقد خطّط الإمام العسكري عليه السلام ليبقى الإمام المهدي عليه السلام بعيداً عن الأنظار كما ولد خفية ولم يطلع عليه إلاّ الخواص أو أخصّ الخواص من شيعته.
وأما كيفية إتمام الحجّة في هذه الظروف الاستثنائية على شيعته فقد تحقّقت ضمن خطوات ومراحل دقيقة.
الخطوة الاُولى: النصوص التي جاءت عن الإمام العسكري عليه السلام قبل ولادة المهدي عليه السلام تبشيراً بولادته.
الخطوة الثانية: الإشهاد على الولادة.
الخطوة الثالثة: الاخبار بالولادة ومداولة الخبر بين الشيعة بشكل خاص من دون رؤية الإمام عليه السلام.
الخطوة الرابعة: الإشهاد الخاص والعام بعد الولادة ورؤية شخص المهدي عليه السلام.
الخطوة الخامسة: التمهيد لرؤية الإمام المهدي عليه السلام خلال خمس سنوات من قبل بعض خواصّ الشيعة والارتباط به عن كثب وتكليفه مسؤولية الإجابة على اسئلة شيعته المختلفة وإخباره عمّا في ضميرهم وهو في المهد أو في دور الصبا من دون أن يتلكّأ في ذلك. وهذا خير دليل على إمامته وانه حجة الله الموعود والمنتظر.
الخطوة السادسة: التخطيط للارتباط بالإمام المهدي عليه السلام بواسطة وكلاء الإمام العسكري عليه السلام الذين أصبحوا فيما بعد وكلاء للإمام المهدي عليه السلام بنفس الاُسلوب الذي كان معلوماً لدى الشيعة حيث كانوا قد اعتادوا عليه في حياة الإمام الحسن العسكري عليه السلام.
الخطوة السابعة: البيانات والأحاديث التي أفصحت للشيعة عمّا سيجري لهم ولإمامهم الغائب في المستقبل وما ينبغي لهم أن يقوموا به.
ومن هنا نفهم السرّ في كثرة هذه النصوص وتنوّع موضوعاتها إذا ما قسناها الى نصوص الإمام الهادي عليه السلام حول حفيده المهدي عليه السلام ولاحظنا قصر الفترة الزمنية التي كانت باختيار الإمام العسكري وهي لا تتجاوز الست سنوات بينما كانت إمامة الهادي عليه السلام تناهز الـ (34) سنة ممّا يعني أنها كانت ستة أضعاف مدة امامة ابنه العسكري عليه السلام.
تهيئة الارضية لعصر الغيبة:
اما المسؤولية الثانية التي تحملها الامام عليه السلام، فهي تهيئة الارضية لغيبة ولده الحجة القائم عليه السلام، بمعنى أنه كان عليه أن يهيء الناس لمرحلة غيبة امامهم من بعده.
ومن الاعمال التي قام بها سلام الله عليه تحقيقاً لهذا الغرض:
أ-الاحتجاب:
استخدم الامام الحسن عليه السلام أسلوب الاحتجاب عن الناس بصورة ملحوظة اكثر مما كان يلحظ في حياة الهادي عليه السلام، تمهيداً واعداداً لذهنية الناس عامة والشيعة خاصة لقبول مرحلة الغيبة، فلم يكن يلتقي بالناس الا في الايام التي كان يخرج فيها بأمر المعتمد الى لقائه او ما يراه من المصلحة في بعض الاحيان ان ياذن او يزورهم بنفسه، بل ولم يكن يظهر حتى لشيعته، على حد قول المسعودي وكان يكلمهم من وراء الستر.
قال المسعودي:
«وروي ان ابا الحسن صاحب العسكر احتجب عن كثير من الشيعة الا عن عدد يسير من خواصه، فلما افضى الامر الى أبي محمد عليه السلام، كان يكلم شيعته الخواص وغيرهم من وراء الستر الا في الاوقات التي يركب فيها الى دار السلطان، وان ذلك انما كان منه ومن أبيه قبله، مقدمة لغيبة صاحب الزمان، لتألف الشيعة ذلك ولا تنكر الغيبة، وتجري العادة بالاحتجاب والاستتار. (3)
ب-ارجاع الشيعة الى الوكلاء:
كما عين الامام العسكري عليه السلام نواباً من قبله، داعماً اياهم بالتأييد والتوثيق، كي يكونوا رابطاً بينه وبين شيعته لحل مشكلاتهم الدينية والدنيوية وليألف الشيعة الرجوع الى النواب مباشرة.
وهذا مما يظهر من كتابه الى احمد بن اسحاق الاشعري مؤيداً نائبه الثقة المأمون عثمان بن سعيد العمري قائلاً: هذا ابو عمرو الثقة الامين، ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لكم فعني يقوله، وما ادى اليكم فعني يؤدي، فأسمع له واطع فانه الثقة المأمون. (4)
ومن كتابه ايضاً الى اسحاق بن اسماعيل: فلا تخرجن من البلد حتى تلقي العمري رضي الله عنه برضائي فتسلم عليه وتعرفه ويعرفك، فانه الطاهر الامين العفيف القريب منا والينا، فكل ما يحمل الينا من شيء من النواحي، فاليه يصير آخر أمره ليوصل ذلك الينا، والحمد لله كثيراً.(5)
ج-تأييد الكتب الفقهية والاصول المصنفة:
وأيد الامام العسكري عليه السلام بعض الكتب الفقهية، والاصول التي جمعت في عصره او قبل ذلك، للعمل والاستهداء بها، وأيد ايضاً اصحاب تلك الكتب وشكر لهم مساعيهم واثنىعليهم، ودعا الناس للعمل بما فيها كتأييده الفضل بن شاذن وكتابه. وكتاب يونس بن عبدالرحمن وغيره.
قال ابن داود:الفضل بن شاذان النيسابوري، ابو محمد، من اصحاب الجواد والهادي والعسكري عليهم السلام متكلم فقيه جليل القدر، كان أبوه من اصحاب يونس، وروى عن ابي جعفر الثاني عليه السلام وقيل عن الرضا عليه السلام ايضاً وكان احد اصحابنا الفقهاء العظام المتكلمين، حاله اعظم من ان يشار اليها قيل: انه دخل على أبي محمد العسكري عليه السلام، فلما اراد ان يخرج سقط عنه كتاب من تصنيفه، فتناوله ابو محمد عليه السلام ونظر فيه وترحم عليه، وذكر انه قال: أغبط اهل خراسان لمكان الفضل، وكونه بين اظهرهم، وكفاه بذلك، فخراً وروى الشكي ما ينافي ذلك ولا التفات اليه. (6)
المصادر:
- اعلام الهداية، الامام الحسن بن علي العسكري (ع)، المولف: لجنة التأليف، تاريخ النشر: 1422 هـ، الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت (ع)
-حياة الامام العسكري، المؤلف: الشيخ محمد جواد الطبسي، تاريخ الطبع: 1413 هـ.1371 هـ ش، الناشر: مركز النشر - مكتب الاعلام الاسلامي
1- كمال الدين ج2، ص434.
2- راجع معجم أحاديث الإمام المهدي: 4/196 ـ 200.
3- اثبات الوصية ص262.
4- غيبة الطوسي ص215.
5- رجال الكشي ص481.
6- رجال ابن داود ص272-273.