بين الحجّاج وقنبر(1)
إن قنبراً مولى أمير المؤمنين (عليه السّلام) دخل على الحجّاج ابن يوسف فقال له: ما الّذي كنت تلي من علي بن أبي طالب؟ فقال: كنت أوضّئه. فقال له: ما كان يقول إذا فرغ من وضوئه؟ فقال: كان يتلو هذه الآية:
(فلمّا نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كلّ شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله ربّ العالمين)(2).
فقال الحجّاج: أظنه كان يتأوّلها علينا؟
قال: نعم.
فقال: ما أنت صانع إذا ضربت علاوتك(3)؟
قال: إذن أسعد وتشقى، فأمر به.
مع طاغية بني العباس(4)
قال أبو القاسم البغدادي عن زرافة قال: أراد المتوكّل أن يمشي عليّ بن محمّد بن الرضّا (عليه السّلام) يوم السلام فقال له وزيره: إنّ في هذا شناعة عليك وسوء مقالة فلا تفعل.
قال: لابدّ من هذا قال: فإن لم يكن بدّ من هذا فتقدّم بأن يمشي القوّاد والأشراف كلّهم، حتّى ﻻ يظنّ الناس أنّك قصدته بهذا دون غيره، ففعل ومشى (عليه السّلام) وكان الصيف فوافى الدّهليز وقد عرق. قال: فلقيته فأجلسته في الدّهليز ومسحت وجهه بمنديل وقلت: إنّ ابن عمّك لم يقصدك بهذا دون غيرك، فلا تجد عليه في قلبك فقال:
إيهاً(5) عنك (تمتّعوا في داركم ثلاثة أيّام ذلك وعد غير مكذوب)(6).
قال زرافة: وكان عندي معلّم يتشيّع وكنت كثيراً أمازحه بالرافضي فانصرفت إلى منزلي وقت العشاء وقلت:
تعال يا رافضي حتّى أحدثّك بشيء سمعته اليوم من إمامكم.
قال: وما سمعت؟ فأخبرته بما قال.
فقال: (يا حاجب أنت سمعت هذا من عليّ بن محمّد (عليهما السلام) قلت: نعم، قال: فحقّك عليّ واجب بحقّ خدمتي لك) فاقبل نصيحتي.
قلت: هاتها.
قال: إن كان عليّ بن محمّد قد قال ما قلت فاحترز واخزن كلّ ما تملكه فإنّ المتوكّل يموت أو يقتل بعد ثلاثة أيّام.
فغضبت عليه وشتمته وطردته من بين يديّ فخرج، فلمّا خلوت بنفسي، تفكّرت وقلت:
ما يضرّني أن آخذ بالحزم، فإن كان من هذا شيء كنت قد أخذت بالحزم، وإن لم يكن لم يضرّني ذلك.
قال: فركبت إلى دار المتوكّل فأخرجت كلّ ما كان لي فيها وفرّقت كلّ ما كان في داري إلى عند أقوام أثق بهم، ولم أترك في داري إلاّ حصيراً أقعد عليه.
فلمّا كانت اللّيلة الرّابعة قتل المتوكّل وسلمت أنا ومالي فتشيّعت عند ذلك وصرت إليه، ولزمت خدمته، وسألته أن يدعو لي وتولّيته حقّ الولاية.
أهل البدع وإفحامهم (7)
روي أنّ أبا هاشم الجعفري قال: ظهرت في أيّام المتوكّل امرأة تدّعي أنّها زينب بنت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقال لها المتوكّل: أنت امرأة شابّة وقد مضى من وقت وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما مضى من السنّين، فقالت: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسح على رأسي وسأل الله أن يردّ عليّ شبابي في كلّ أربعين سنة، ولم أظهر للنّاس إلى هذه الغاية فلحقتني الحاجة فصرت إليهم. فدعا المتوكّل مشايخ آل أبي كالب وولد العباس وقريش فعرّفهم حالها، فروي جماعة وفاة زينب بنت فاطمة (عليهما السلام) في سنة كذا. فقال لها: ما تقولين في هذه الرّواية فقالت: كذب وزور، فإن أمري كان مستوراً عن الناس، فلم يعرف لي حياة ولا موت فقال لهم المتوكّل: هل عندكم حجّة على هذه المرأة غير هذه الرواية؟ قالوا: ﻻ. قال أنا بريء من العبّاس أن ﻻ أنزلها عمّا ادّعت إلاّ بحجّة تلزمها. قالوا: فأحضر عليّ بن محمّد بن الرضا (عليه السّلام) فلعلّ عنده شيئاً من الحجّة غير ما عندنا فبعث إليه فحضر فأخبره بخبر المرأة فقال:
كذبت فإنّ زينب توفّيت في سنة كذا في شهر كذا في يوم كذا.
قال: فإنّ هؤلاء قد رووا مثل هذه الرواية وقد حلفت أن ﻻ أنزلها عمّا ادعت إلاّ بحجّة تلزمها.
قال: ولا عليك فها هنا حجّة تلزمها وتلزم غيرها.
قال: وما هي؟
قال: لحوم ولد فاطمة محرمة على السباع فأنزلها إلى السباع فإن كانت من ولد فاطمة فلا تضرّها السباع.
فقال لها: ما تقولين؟
قالت: إنّه يريد قتلي.
قال: فها هنا جماعة من ولد الحسن والحسين (عليهما السلام) فأنزل من شئت منهم.
قال: فوالله لقد تغيّرت وجوه الجميع فقال بعض المتعصّبين:
هو يحيل على غيره لم ﻻ يكون هو؟
فمال المتوكّل إلى ذلك رجاء أن يذهب من غير أن يكون له في أمره صنع.
فقال: يا أبا الحسن لم ﻻ يكون أنت ذلك؟
قال: ذاك إليك، قال: فافعل! قال: أفعل أن شاء الله فأتى بسلّم وفتح عن السباع وكانت ستة من الأسود فنزل الإمام أبو الحسن (عليه السّلام) إليها فلمّا دخل وجلس صارت الأسود إليه ورمت بأنفسها بين يديه، ومدّت بأيديها، ووضعت رؤوسها بين يديه فجعل يمسح على رأس كلّ واحد منها بيده ثمّ يشير له بيده إلى الاعتزال فيعتزل ناحية حتّى اعتزلت كلّها وقامت بازائه.
فقال له الوزير: ما كان هذا صواباً فبادر بإخراجه من هناك، قبل أن ينتشر خبره.
فقال له: يا أبا الحسن ما أردنا بك سوءاً وإنّما أردنا أن نكون على يقين ممّا قلت فأحب أن تصعد، فقام وصار إلى السلّم وهي حوله تتمسّح بثيابه.
فلمّا وضع رجله على أوّل درجه التفت إليها وأشار بيده أن ترجع فرجعت وصعد.
فقال: كلّ من زعم أنّه من ولد فاطمة فليجلس في ذلك المجلس.
فقال: لها المتوكّل: انزلي.
قالت: الله الله ادّعيت الباطل، وأنا بنت فلان حملني الضرّ على ما قلت.
فقال المتوكّل: القوها إلى السبّاع فبعثت والدته واستوهبتها منه وأحسنت إليها.
سيعلم الّذين ظلموا (8)
عن ابن النعيم بن محمّد الطّاهري قال: مرض المتوكّل من خراج (9) خرج به، فأشرف منه على الموت، فلم يجسر أحد أن يمسّه بحديدة، فنذرت أمّه إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد (عليه السّلام) مالاً جليلاً من مالها.
وقال له الفتح بن خاقان: لو بعثت إلى هذا الرجل يعني أبا الحسن (عليه السّلام) فسألته فإنّه ربّما كان عنده صفة شيء يفرّج الله به عنك فقال: ابعثوا إليه فمضى الرسول ورجع. فقال:
خذوا كسب الغنم فديّفوه بماء الورد، وضعوه على الخراج فإنّه نافع بإذن الله.
فجعل من بحضرة المتوكّل يهزأ من قوله، فقال لهم الفتح:
وما يضرّ من تجربة ما قال، فوالله أنّي لأرجو الصّلاح به، فاحضر الكسب، وديّف بماء الورد ووضع على الخراج، فانفتح وخرج ما كان فيه وبشرت أمّ المتوكّل بعافيته فحملت إلى أبي الحسن (عليه السّلام) عشرة آلاف دينار تحت ختمها واستقل المتوكّل من علّته.
فلمّا كان بعد أيّام سعى البطحائيّ بأبي الحسن (عليه السّلام) إلى المتوكّل وقال: عنده سلاح وأموال، فتقدّم المتوكّل إلى سعيد الحاجب أن يهجم عليه ليلاً ويأخذ ما يجده عنده من الأموال والسلاح، ويحمل إليه.
قال إبراهيم بن محمّد: قال لي سعيد الحاجب: صرت إلى دار أبي الحسن (عليه السّلام) باللّيل، ومعي سلّم، فصعدت منه إلى السّطح ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة، فلم أدر كيف أصل إلى الدّار فناداني أبو الحسن (عليه السّلام) من الدّار:
يا سعيد مكانك حتّى يأتوك بشمعة، فلم ألبث أن أتوني بشمعة فنزلت فوجدت عليه جبّة صوف وقلنسوة منها وسجّادته على حصير بين يديه وهو مقبل على القبلة.
فقال لي: دونك البيوت.
فدخلتها وفتشتها فلم أجد فيها شيئاً، ووجدت البدرة مختومة بخاتم أمّ المتوكّل وكيساً مختوماً معها.
فقال لي أبو الحسن (عليه السّلام): دونك المصلّى فرفعته فوجدت سيفاً في جفن ملبوس، فأخذت ذلك وصرت إليه.
فلمّا نظر إلى خاتم أمّه على البدرة بعث إليها، فخرجت إليه، فسألها عن البدرة، فأخبرني بعض خدم الخاصّة أنّها قالت:
كنت نذرت في علّتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه وهذا خاتمي على الكيس ما حرّكه.
وفتح الكيس الآخر فإذا فيه أربعمائة دينار، فأمر أن يضمّ إلى البدرة بدرة أخرى وقال لي:
احمل ذلك إلى أبي الحسن واردد عليه السيف والكيس بما فيه فحملت ذلك إليه واستحييت منه.
فقلت له: يا سيّدي عزّ علي دخولي دارك بغير إذنك، ولكنّي مأمور فقال لي: (وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون) (10).
مع المتملقين(11)
عن محمّد بن الحسن الحضيني قال: حضر مجلس المتوكّل مشعبذ هنديّ فلعب عنده بالحقق فأعجبه فقال له المتوكّل: يا هندي الساعة يحضر مجلسنا رجل شريف فإذا حضر فالعب عنده بما يخجله. قال: فلمّا حضر أبو الحسن (عليه السّلام) المجلس، لعب الهندي فلم يلتفت إليه. فقال له: يا شريف أما يعجبك لعبي؟ كأنك جائع، ثمّ أشار إلى صورة مدورّة في البساط على شكل الرغيف، وقال: يا رغيف مرّ إلى هذا الشريف، فارتفعت الصورة فوضع أبو الحسن (عليه السّلام) يده على صورة سبع في البساط. وقال:
قم فخذ هذا، فصارت الصورة سبعاً! وابتلع الهنديّ وعاد إلى مكانه في البساط فسقط المتوكّل لوجهه وهرب من كان قائماً.
الملوك بين ترف وسرف (12)
قال المسعودي في مروج الذهب: سعى إلى المتوكّل بعليّ بن محمّد الجواد (عليهما السلام) أنّ في منزله كتباً وسلاحاً من شيعته من أهل قم، وأنّه عازم على الوثوب بالدولة فبعث إليه جماعة من الأتراك، فهجموا داره ليلاً فلم يجدوا فيها شيئاً ووجدوه في بيت مغلق عليه، وعليه مدرعة من صوف، وهو جالس على الرّمل والحصاة وهو متوجّه إلى الله تعالى يتلو آيات من القرآن. فحمل على حاله تلك إلى المتوكّل وقالوا له: لم نجد في بيته شيئاً ووجدناه يقرأ القرآن مستقبل القبلة، وكان المتوكّل جالساً في مجلس الشرب فدخل عليه والكأس في يد المتوكّل. فلمّا رآه هابه وعظّمه وأجلسه إلى جانبه، وناوله الكأس الّتي كانت في يده. فقال:
والله ما يخامر لحمي ودمي قطّ، فاعفني فأعفاه. فقال: أنشدني شعراً فقال (عليه السّلام):
إنّي قليل الرواية للشعر.
فقال: لابدّ، فأنشده (عليه السّلام) وهو جالس عنده:
باتـوا عـلى قلل الأجبال تحرسهم
غلب الرجـال فلم تنفعهم القلل
واستنزلوا بعد عـزّ من معاقلهم
وأســكنوا حفراً يا بئسما نزلوا
نـاداهم صارخ مــن بعد دفنهم
أين الأساور والتيـجان والحـلل
أيـن الـوجوه الّتـي كانت منعّمة
من دونها تضرب الأستار والكلل
فــأفصح القبر عنهم حين ساءلهم
تلك الوجوه عليها الدود ينتقل
قد طالما أكلوا دهراً وقد شربوا
وأصبحوا اليوم بعد الأكل قد أكلوا
قال: فبكى المتوكّل حتّى بلّت لحيته دموع عينيه، وبكى الحاضرون ودفع إلى عليّ (عليه السّلام) أربعة آلاف دينار، ثمّ ردّه إلى منزله مكرّماً.
الشيطان الرجيم (13)
عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال: سمعت أبا الحسن عليّ بن محمّد العسكري (عليه السّلام) يقول:
معنى الرجيم أنّه مرجوم باللعن، مطرود من مواضع الخير، ﻻ يذكره مؤمن إلاّ لعنه، وإنّ في علم الله السابق أنّه إذا خرج القائم (عليه السّلام) ﻻ يبقى مؤمن في زمانه إلاّ رجمه بالحجارة كما كان قبل ذلك مرجوماً باللعن.
المصادر:
-موقع http://www.14masom.com
1 - اختيار معرفة الرجال 1/289-290 ح 130 وتفسير العياشي 1/359- ح 22: حدثني محمّد بن مسعود، قال حدثني علي بن قيس القوميني، قال حدثني أحكم بن يسار، عن أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السّلام):..
2 - سورة الأنعام: الآية 44- 45
3 - العلاوة بالكسر: أعلى الرأس أو العنق
4 - الخرائج والجرائح 1/401 - 403 ب 11 ح 8
5 - إيهاً: كلمة زجر بمعنى حسبك
6 - سورة هود: الآية 65
7 - الخرائج والجرائح 1/404-406 ب 11 ح 11
8 - إرشاد المفيد 329 - 330. وإعلام الورى 361 - 362 ب 9 الفصل 3. وأصول الكافي 1/499 ح 4 والخرائج والجرائح 2/676 - 678 ح 8 ودعوات الراوندي 202 ح 555: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد عن محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم.
9 - الخراج - كغراب: القروح والدمامل العظيمة
10 - سورة الشعراء: الآية 277
11 - مشارق أنوار اليقين: 99
12 - البحار 50/211- 212
13 - معاني الأخبار 139: حدثنا محمّد بن أحمد الشيباني قال: حدثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي عن سهل بن زياد.