«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً»(1)
عندما نزل نوح على الناس وعرض دينه عليهم، قال ان الله دعاكم الى هذا الدين ولكن اعلموا ان رسول يأتي من بعدي ودينه أكمل مني فأمنوا به واعلموا ان أكمل الأديان في يد أخر مرسل الهي وكذلك جاء ابراهيم وموسى وعيسى واكملوا دين الله بالتدريج. واوعدوا به أكمل الاديان الإلهية.
والأن نزل الاسلام على الناس والدين قد وصل الى نهاية مراحل الكمال حده ويرى فيه نتيجة السعي كل الأنبياء والنبي الأكرم، طوال 23 سنة أثمره مع تعب ومشقة كثيرة وأجرى الأخوّة و المساواة بين المسلمين.
والأن يسافر لزيارة بيت الله ويدعوا الناس من كل لون ونسب لحجة الوداع التي هي أخر حجه. الناس يحجّون مع رسول الله و يستمعون كلامه. في طريق الرجوع نزل جبرئيل على النبي: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» الرسول كان يعلم النفاق عدد من مرافقيه وخاف من عملهم، فنزل جبرئيل للمرة الثانية:«يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ» ان رحمة للعالمين كان يبحث عن طريق اخر وهو خائف من قلوب المرضى والايمان الضعيف للمسلمين الجدد. نزل جبرئيل للمرة الثالثه:«يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»(2).
ما هذا الموضوع الذي ان لم يبلغه لن تتكمل رسالته؟ الرسول الأكرم عنده مقام الرسالة والامامة معا. في هذه الأية خاطبه بلفظ «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ» ويبين ان الله قد خاطب مقام رسالته. و«فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ» تدل على عدم ايصال هذا الخبر من جانب الله يسبب عدم انهاء الرسالة وبعد ذلك يطمئن قلبه ويقول «والله يعصمك من الناس» وضرر الذي مقصود الأية ليس من ناحية الجسم او المال لأنه ما كان يخاف في ساحات الحرب وفي طول حياته ما انسحب وما تراجع في أي حرب. حين في غزوة الأحد وانكسار المسلمين وانسحابهم في الظاهر، كان يحارب المشركين. وأكثر من هذا يصف الله انبيائه بهذه الأية«الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ»(3).
فان خوف النبي كان لضرر يتوجه الى ايمان الناس ولجهلهم، وبشر الله لغلبه(على) جهل الناس كما قال لموسى: «لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى»(4)
فوقف الرسول في منطقة الغدير وأمر الذين امامه ان يرجعوا، وصبر حتى يلحق بهم من كان خلفهم فصعد على مرتفع و يخطب: «الحمد لله و اشهد اني عبده و انه ربي، جبرئيل نزل علي ثلاث مرات، امرني من قبل الله ان اقف على هذا الأرض و اختم رسالته. هل انا وليكم؟» قالوا بلى. قال:«لست نبيكم و قائدكم؟» ايدوه لمرة ثانيه. فأخذ بيد علي ابن ابي طالب و رفعها و قال«من كنت مولاه فهذا علي مولاه» فدخلوا الناس خيمته وهنئوا وخاطبوه بأميرالمؤمنين. ان المورخين ذكروا عدتهم 120000 نفر. وذاك الوقت نزلت هذه الاية:«الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً». ان كلمتين (اليوم) و( يومئذ) تستعمل في القرآن لبيان يوم القيامة ولكن في هذه الأيه استعملت لبيان ظهور الإمامة. لأن القرآن يبدأ الأمور المهمة مع (الا) و(اليوم)، نفتهم ان خبر مهم يوجد في هذه الأية حيث كلمة اليوم استعملت مرتين. والخبر هو تعيين ولي الأمة الاسلامية بعد النبي. هذا الأمرأيأس الكفار. خصماء الإسلام كانوا يقولون:«نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ»(5)
ننتظر موته حتى لايبقى اثرا منه بعد موته. لأن النضال على الكتاب والقانون سهل ونقدر ان نفسره على عكس ما كان مقصود الله لكن لايمكن الحرب مع القائد الإلهي. فلهذا الغدير الخم هي دوام امامة الأمة الأسلامية بيد شخص شجاع صبور وصاحب الدراية مثل الرسول وخاب أمل الكفار عند نصب الوصيه من عند الله ليدوم الطريق وليوالي المسلمين.
القسمة الثالثة من الآية تشار الى اكمال الدين واتمام النعمة. النعمة ليست ماديا لان النعم المادي لم تتم، بل كل يوم ينّزلها الله على مخلوقاته واستعمال كلمة (اتمام) ليس صحيحا من عند الله. فنعمة التي ذكرت في الآية، نعمة غير مادي وعلى اثاث ما حدث في الغدير، نعلم ان النعمة هي الولاية والإمامة والله يحمد نعمة الرسالة ونعمة الامامة وهما اعظم النعم، يسمي هما بالمنة (نعمة عظيمة حيث احقاق حقها صعب) « لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ» (6) «وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ»(7). في غاية الأمر ان تعب الأنبياء قبل الاسلام وتعب الرسول في 23 سنة اثمرت في يوم الغدير وحجة الله تمت على الأنسان. هنا ضروري ان نذكر ان سند لواقعة الغدير من اقوي الاسناد الموجودة للرواية. مسعود ابن ناصر سجستاني قال في كتابه«ولايتكده» الذي هو 17 جزء لقد نقل هذا الحديث من 120 نفر. محمد ابن جرير الطبري رواها من 75 طريق في كتاب رد على الخرقوضيه». ابن عقدة في كتاب الولاية ينقل الحديث من 125 راوي.
روي عن ابوالمعالي جوني قد قال: رأيت كتاب في دكان الصحاف و ورأيت فيها روايات الغدير وكان مكتوب على خلفه مجلد 28من طرق الحديث من كنت مولاه. السيد المرتضى أيضا يقول في كتاب الشافي ما رئانا فرقة من فرق الإسلامية ان ينكروا حديث الغدير. وكتاب ثمين الغديراكمل المنبع لأسناد هذا الحديث. وعلينا أن نحتفل في هذا العيد. لأن في رواية من صحيح المسلم روي عن طارق ابن شهاب: جمع من اليهود قالوا لخليفة الثاني: ان أنزلت هذه الأية علينا «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي» وكنا نعلم في اي يوم نزلت، كنا نحتفل في ذلك اليوم.
المصادر:
- الغدير
- تفسير الميزان
- الشرح، لآية الله جوادي آملي لواقعة الغدير
- حق اليقين للعلامة مجلسي
الهامش:
(1)مائده ايه3
(2)مائده ايه 67
(3)احزاب ايه 39
(4)طه ايه 67
(5)طور ايه 30
(6)ال عمران ايه 164
(7)قصص ايه 5