البث المباشر

سيرته

الثلاثاء 20 نوفمبر 2018 - 13:04 بتوقيت طهران

أهل البيت(عليهم السلام) وتربية الاُمة

وكان للأئمّة الأطهار(عليهم السلام) نشاط مستمر في مجال تربية الاُمّة عقائدياً وأخلاقياً وسياسياً وذلك من خلال تربية الأصحاب العلماء وبناء الكوادر العلمية والشخصيات النموذجية التي تقوم بمهامّ كبيرة مثل نشر الوعي والفكر الإسلامي وتصحيح الأخطاء المستجدة في فهم الرسالة والشريعة، ومواجهة التيارات الفكرية السياسية المنحرفة أو الشخصيّات العلمية المنحرفة التي كان يوظّفها الحاكم المنحرف لدعم زعامته.
وحيث كان الأئمة من أهل البيت(عليهم السلام) يُشكّلون النموذج الحيّ للزعامة الصالحة، عملوا على تثقيف الاُمة ورفع درجة وعيها بالنسبة لإمامتهم وزعامتهم ومرجعيتهم العامة.
وهكذا تفاعل الأئمة(عليهم السلام) مع الاُمة ودخلوا الى أعماق ضمير الاُمة وارتبطوا بها وبكل قطّاعاتها بشكل مباشر وتعاطفوا مع قطاع واسع من المسلمين; فإن الزعامة الجماهيرية الواسعة النطاق التي كان يتمتع بها ائمّة أهل البيت(عليهم السلام) على مدى قرون لم يحصل عليها أهل البيت صدفة أو لمجرد الانتماء لرسول الله(صلى الله عليه وآله); وذلك لوجود كثير ممن كان ينتسب إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولم يكن يحظى بهذا الولاء; لأن الاُمّة لا تمنح على الأغلب الزعامة مجاناً ولا يملك الفرد قيادتها وميل قلوبها من دون عطاء سخيّ منه في مختلف مجالات اهتمام الاُمّة ومشاكلها وهمومها.
 

سلامة النظرية الإسلامية

وهكذا خرج الإسلام على مستوى النظرية سليماً من الانحراف وإن تشوّهت معالم التطبيق من خلال الحكّام المنحرفين، وتحولّت الاُمّة إلى اُمّة عقائدية تقف بوجه الغزو الفكري والسياسي الكافر حتى استطاعت أن تسترجع قدرتها وروحها على المدى البعيد كما لاحظناه في هذا القرن المعاصر بعد عصور الانهيار والتردي حيث بزغ نور الإسلام من جديد ليعود بالبشرية الى مرفأ الحق التليد.
وقد حقق الأئمّة المعصومون(عليهم السلام) كل هذه الانتصارات بفضل اهتمامهم البليغ بتربية الجماعة الصالحة التي تؤمن بهم وبإمامتهم فأشرفوا على تنمية وعيها وايمانها من خلال التخطيط لسلوكها وحمايتها باستمرار واسعافها بكل الأساليب التي كانت تساعد على ثباتها في خضمّ المحن وارتفاعها إلى مستوى جيش عقائدي رسالي يعيش هموم الرسالة ويعمل على صيانتها ونشرها وتطبيقها ليل نهار.

مراحل الحركة الرسالية للائمّة الراشدين (ع)

وإذا رجعنا إلى تاريخ أهل البيت(عليهم السلام) والظروف التي كانت قد أحاطت بهم ولاحظنا سيرتهم ومواقفهم العامة والخاصة استطعنا أن نصنّف ظروفهم ومواقفهم إلى مراحل وعصور ثلاثة يتميز بعضها عن بعض بالرغم من اشتراكهم في كثير من الظروف والمواقف ولكن الأدوار تتنوع باعتبار مجموعة الظواهر العامّة التي تشكل خطّاً فاصلاً ومميّزاً لكل عصر.
فالمرحلة الاُولى من حياة الأئمّة(عليهم السلام) وهي (مرحلة تفادي صدمة الانحراف) بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله) تجسّدت في سلوك ومواقف الأئمّة الأربعة: علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين(عليهم السلام) فقاموا بالتحصينات اللازمة لصيانة العناصر الأساسية للرسالة وإن لم يستطيعوا القضاء على القيادة المنحرفة. لكنهم استطاعوا كشف زيفها والمحافظة على الرسالة الإسلامية نفسها. وبالطبع إنهم لم يهملوا الاُمّة أو الدولة الإسلامية بشكل عام من رعايتهم واهتماماتهم فيما يرتبط بالكيان الاسلامي والاُمّة المسلمة فضلاً عن سعيهم البليغ في بناء وتكوين الكتلة الصالحة المؤمنة بقيادتهم.
وتبدأ المرحلة الثانية بالشطر الثاني من حياة الإمام السجاد السياسية حتى الإمام الكاظم(عليه السلام) وتتميز بأمرين أساسيين:
الأوّل منهما: يرتبط بالخلافة المزيّفة، فقد تصدى هؤلاء الأئمّة لتعريتها عن التحصينات التي بدأ الخلفاء يحصّنون بها أنفسهم من خلال دعم وتأييد طبقة من المحدّثين والعلماء (وهم وعّاظ السلاطين) لهؤلاء الخلفاء وتقديم صنوف التأييد والولاء لهم من أجل إسباغ الصبغة الشرعية على زعامتهم بعد أن استطاع الأئمّة في المرحلة الاولى أن يكشفوا زيف خط الخلافة ويشعروا الاُمّة بمضاعفات الانحراف الذي حصل في مركز القيادة بعد الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله).
والثاني منهما: يرتبط ببناء الجماعة الصالحة والذي اُرسيت دعائمه في المرحلة الاولى، فقد تصدى الأئمّة المعصومون في هذه المرحلة إلى تحديد الاطار التفصيلي وإيضاح معالم الخط الرسالي الذي اؤتمن الأئمّة الأطهار(عليهم السلام) عليه، والذي تمثّل في تبيين ونشر معالم النظرية الإسلامية وتربية عدة أجيال من العلماء على أساس الثقافة الإسلامية التي استوعبها الأئمة الأطهار في قبال الخط الثقافي الذي استحدثه وعّاظ السلاطين.
هذا فضلاً عن تصديهم لدفع الشبهات وكشف زيف الفرق التي استحدثت من قبل خط الخلافة أو غيره.
والأئمّة في هذه المرحلة لم يتوانوا عن زعزعة الزعامات والقيادات المنحرفة من خلال دعم بعض الخطوط المعارِضة للسلطة ولاسيما بعض الخطوط الثورية منها والتي كانت تتصدى لمواجهة من تربَّع على كرسيّ خلافة الرسول(صلى الله عليه وآله) بعد ثورة الإمام الحسين(عليه السلام).
وأما المرحلة الثالثة من حياة الأئمّة من أهل البيت(عليهم السلام) فهي تبدأ بشطر من حياة الإمام الكاظم(عليه السلام) وتنتهي بالإمام المهدي(عليه السلام) فإنهم بعد وضع التحصينات اللازمة للجماعة الصالحة ورسم المعالم والخطوط التفصيلية لها عقائدياً واخلاقياً وسياسيّاً في المرحلة الثانية قد بدا للخلفاء أن قيادة أهل البيت(عليهم السلام) أصبحت بمستوى تسلّم زمام الحكم والعودة بالمجتمع الإسلامي إلى حظيرة الإسلام الحقيقي، مما خلّف ردود فعل للخلفاء تجاه الأئمّة(عليهم السلام)، وكانت مواقف الأئمّة تجاه الخلفاء تختلف تبعاً لنوع موقف الخليفة تجاههم وتجاه قضيتهم.
وأما فيما يرتبط بالجماعة الصالحة التي أوضحوا لها معالم خطها فقد عمل الأئمّة(عليهم السلام) على دفعها نحو الثبات والاستقرار والانتشار من جهة لتحصينها من الانهيار، واعطائها درجة من الاكتفاء الذاتي من جهة اُخرى.
وكان يقدّر الأئمّة أنهم بعد المواجهة المستمرة للخلفاء سوف لا يُسمح لهم بالمكث بين ظهرانيهم وسوف لن يتركهم الخلفاء أحراراً بعد أن تبين زيفهم ودَجلهم واتضحت لهم المكانة الشعبية للأئمّة المعصومين الذين كانوا يمثّلون الزعامة الشرعية والواقعية للاُمّة الإسلامية.
ومن هنا تجلّت ظاهرة تربية الفقهاء بشكل واسع ثم ارجاع الناس اليهم وتدريبهم على مراجعتهم للعلماء السائرين على خط أهل البيت(عليهم السلام) في كل قضاياهم وشؤونهم العامة تمهيداً للغيبة التي لا يعلم مداها إلاّ الله سبحانه والتي أخبر الرسول(صلى الله عليه وآله) عن تحققها وأملت الظروف عليهم الانصياع اليها.
وبهذا استطاع الأئمّة(عليهم السلام) ـ ضمن تخطيط بعيد المدى ـ أن يقفوا بوجه التسلسل الطبيعي لمضاعفات انحراف القيادة الإسلامية والتي كانت تنتهي بتنازل الاُمّة عن الإسلام الصحيح وبالتالي ضمور الشريعة وانهيار الرسالة الالهية بشكل كامل.
 

موقع الإمام الهادي(ع) في عملية التغيير الشاملة

والإمام علي بن محمد الهادي(عليه السلام) يصنّف في هذه المرحلة الثالثة من مراحل حركة أهل البيت(عليهم السلام) فهو قد مارس نشاطاً مكثّفاً لإعداد الجماعة الصالحة للدخول الى دور الغيبة المرتقب، وتحصين هذا الخط ضد التحدّيات التي كانت توجّه إليه باستمرار.

 

 

المصادر:

- اعلام الهداية، الامام علي بن محمد الهادي(ع)، المولف: لجنة التأليف، تاريخ النشر: 1422 هـ، الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت(ع)
-موقع http://www.14masom.com

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة