ففي السادس عشر من أيلول عام 2007 فتح عناصر تابعون لشركة بلاك ووتر الأمريكية المعروفة بسجلها الأسود في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق العراقيين النار عشوائياً عند تقاطع طرق مكتظ في ساحة النسور في بغداد باتجاه مدنيين عراقيين ما أسفر عن مقتل 14 مدنياً عراقياً بينهم طفل وجرح آخرين.
الأحكام التي أصدرتها الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2014 بحق العناصر الأربعة كانت السجن ثلاثين عاما لكل من بول سلاو وإيفان ليبرتي ودستن هيرد والسجن مدى الحياة لـ نيكولاس سلاتن لم تنجح في تجميل صورتها التي تروج لها كمدافع عن حقوق الإنسان ولا في إخفاء وحشيتها حيث تم تخفيف هذه الأحكام تدريجيا وفي آب من عام 2019 أعيدت محاكمة العناصر الأربعة وانخفضت عقوبة سلاو وإيفان وهيرد إلى النصف أو دون ذلك وعوقب سلاتن بالحبس المؤبد إلى أن عفا ترامب عنهم يوم الثلاثاء الماضي.
وزارة الخارجية العراقية أكدت أن قرار ترامب بالعفو عن عدد من الأمريكيين المدانين بقتل عراقيين انتهاك للقوانين وحقوق الإنسان وقالت في بيان لها “هذا القرار لم يأخذ بالاعتبار خطورة الجريمة المرتكبة ولا ينسجم مع التزام الإدارة الأمريكية المعلن بقيم حقوق الإنسان والعدالة وحكم القانون ويتجاهل بشكل مؤسف كرامة الضحايا ومشاعر وحقوق ذويهم”.
ثلاثة عشر عاما مرت على المجزرة التي لاقت رفضا وإدانة دولية واسعة لم تمح من ذاكرة العراقيين وحشية الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية التي تزداد فظاعة كل يوم كما يؤكد العميد فارس سعدي الذي كان محققا رئيسيا من الشرطة في المجزرة وتولى التنسيق مع فريق مكتب التحقيقات الفدرالي الذي أرسل إلى بغداد حتى الإدلاء بشهادات الشهود في المحكمة الأمريكية في اتصال هاتفي مع وكالة الصحافة الفرنسية “13 سنة.. أتذكر كل شيء كأنه أمس وليس أول من أمس.. كان رميا عشوائيا بالكامل أخذت ضحايا إلى المستشفى.. رأيت تخفيف الأحكام تدريجيا بالمحاكم وعرفت أنه لن تكون هناك محاسبة لذلك لم أفاجأ بالقرار الأخير.. لا احترام لحقوق الإنسان”.
المحامي جابر سلمان الذي سافر إلى الولايات المتحدة للإدلاء بشهادته بعد نحو سبع سنوات من المذبحة قال في حديث لشبكة CNN الأمريكية: “كان يوما مشمسا في بغداد وفي لحظة تحولت ساحة النسور إلى شارع من دماء.. كان هناك الكثير من النيران ولم يكن ذلك طبيعيا سقطت الجثث في الشارع.. حركت سيارتي بعيدا وأصبت عدة مرات”.
وأضاف سلمان: “أتذكر رؤية امرأة وابنها كانت سيارتهم في المقدمة.. كانت مشتعلة.. كانت تصرخ حتى أحرقت مع ابنها حتى الموت.. كان علي عبد الرزاق أصغر ضحية في التاسعة من عمره أصيب برصاصة في رأسه في المقعد الخلفي لسيارته بينما كان والده يشاهده عاجزا وهو يموت”.
وتوجه سلمان إلى ترامب بالقول: “ستواجه بقرارك الله.. أنت لم تحقق العدالة.. لقد عفوت عن المجرمين والقتلة.. دماء القتلى والجرحى على يديك”.
عفو ترامب جاء بعد أسابيع قليلة من إغلاق المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً أولياً في جرائم حرب ارتكبتها القوات البريطانية في العراق بعد غزوه عام 2003 وبعدما أعلنت المدعية العامة للمحكمة عام 2017 أن هناك “أساساً معقولاً” لمثل هذه الجرائم، قالت هذا الشهر إنها لم تجد دليلا على أن بريطانيا قامت بحماية جنودها من الملاحقة القضائية.
عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية علي البياتي لفت إلى أن “هذا الأمر يؤكد مخالفة الولايات المتحدة وبريطانيا لمعايير حقوق الإنسان والقانون الدولي.. إنهم يوفرون الحصانة لجنودهم مع أنهم يزعمون حماية حقوق الإنسان”.