بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تصدّق به موسى بن جعفر بأرضه مكان كذا وكذا ـ وقد عيّن ذلك ـ كلها: نخلها وأرضها وماؤها وأرجاؤها وحقوقها وشربها من الماء وكل حق هو لها في مرفع(1) أو مطهر(2) أو عيص(3) أو مرفق أو ساحة أو مسيل أو عامر أو غامر(4) تصدّق بجميع حقه من ذلك على ولده من صلبه الرجال والنساء يقسم واليها ما أخرج الله عزّ وجلّ من غلتها بعد الذي يكفيها من عمارتها ومرافقها وبعد ثلاثين عذقاً يقسم في مساكين أهل القرية، بين ولد موسى بن جعفر للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن تزوجت امرأة من ولد موسى بن جعفر فلا حقّ لها في هذه الصدقة حتى ترجع إليها بغير زوج، فإن رجعت كان لها مثل حظ التي لم تتزوج من بنات موسى، ومن توفي من ولد موسى وله ولد فولده على سهم أبيهم للذكر مثل حظ الأنثيين على مثل ما شرط موسى بين ولده من صلبه. ومن توفي من ولد موسى ولم يترك ولداً رد حقه على أهل الصدقة وليس لولد بناتي في صدقتي هذه حق إلا أن يكون آباؤهم من ولدي، وليس لأحد في صدقتي حق مع ولدي وولد ولدي وأعقابهم ما بقي منهم أحد، فإن انقرضوا ولم يبق منهم أحد فصدقتي على ولد أبي من أمي ما بقي منهم أحد، ما شرطت بين ولدي وعقبى، فإن انقرض ولد أبي من أمي وأولادهم فصدقتي على ولد أبي وأعقابهم ما بقي منهم أحد فإن لم يبق منهم أحد فصدقتي على الأولى فالأولى حتى يرث الله الذي يرثها وهو خير الوارثين.
تصدّق الإمام موسى بن جعفر بصدقته هذه وهو صحيح، صدقة حبيساً بتاً لا مثنوية فيها(5)، ولا رداً أبداً ابتغاء وجه الله تعالى والدار الآخرة ولا يحلّ لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيعها أو يبتاعها أو ينحلها أو يغير شيئاً ممّا وضعتها عليه حتى يرث الله الأرض ومن عليها وجعل صدقته هذه إلى علي وإبراهيم فإن انقرض أحدهما دخل القاسم مع الباقي في مكانه، فإن انقرض أحدهما دخل إسماعيل مع الباقي منهما، فإن انقرض أحدهما دخل العباس مع الباقي منهما، فإن انقرض أحدهما فالأكبر من ولدي يقوم مقامه فإن لم يبق من ولدي إلا واحد فهو الذي يقوم به...)(6).
هذا الموقف الذري هو بعض ميراثه وخيراته، وقد خص به أبناءه وذريته لأجل أن تقوم تلك الغلة بشؤونهم وتغنيهم عما في أيدي الناس.
ترفع الإمام من المطالبة بإطلاق سراحه
مكث الإمام (عليه السلام) زمناً طويلاً في سجن هارون، فطلب منه جماعته من شيعته الخاصة أن يتصل مع بعض الشخصيات المقرّبة عند هارون ليتوسطوا في إطلاق سراحه، فترفّع وامتنع عن ذلك وقال لهم: (حدّثني أبي عن آبائه أن الله جل وعلا أوصى إلى داود أنه ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني وعرفت ذلك منه إلا قطعت عنه أسباب السماء، وأسخت الأرض من تحته)(7).
تدل هذه البادرة من الإمام المعصوم (عليه السلام) على مدى إيمانه بالله سبحانه وتعالى، وانقطاعه إليه، ورضائه بقضائه، وترفّعه من سؤال أي أحد من المخلوقين. لقد تذكر (عليه السلام) قول جدّه الرسول الأكرم عندما قال (اللهم أكفنا ذل السؤال) وقوله (صلّى الله عليه وآله): (اليد العليا خير من اليد السفلى) وما حدث مع الإمام (عليه السلام) عكس ما طلب منه لقد أرسل كتاباً إلى هارون وهو في السجن يعبر فيه عن سخطه.
كتابه لهارون
أرسل الإمام (عليه السلام) وهو في السجن رسالة لهارون الطاغية أعرب فيها عن سخطه البالغ عليه، قال فيها:
(إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء حتى ينقضي عنك يوم من الرخاء، حتى نفنى جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء وهناك يخسر المبطلون)(8).
في هذه الحياة تحمّل الإمام (عليه السلام) الآلام المبرحة والجزع الدائم من السجن لكنه سوف ينتظر اليوم العظيم الذي سيحاكم فيه خصمه الطاغية عند الله، يوم يخسر فيه المبطلون والظالمون.
إغراء وفتنة
أرسل هارون إلى الإمام في سجنه جارية بارعة في الجمال، بيد أحد خواصه لتتولى خدمته، علّ الإمام يفتتن بحسنها في اعتقاد هارون.
فلما وصلت إليه قال (عليه السلام) لمبعوث هارون:
(قل لهارون: بل أنتم بهديتكم تفرحون(9)، لا حاجة لي في هذه ولا في أمثالها) فرجع الخادم ومعه الجارية وأبلغ هارون قول الإمام فغضب غضباً شديداً وقال للخادم: ارجع إليه وقل له: ليس برضاك حبسناك، ولا برضاك أخدمناك، واترك الجارية عنده وانصرف).
رجع رسول هارون وترك الجارية الحسناء عند الإمام، وأبلغه بمقالته ثم أنفذ هارون خادماً إلى السجن ليراقب ويتفحص حال الجارية. فلما انتهى إليها رآها ساجدة لا ترفع راسها وهي تقول: (قدّوس، قدّوس) فمضى الخادم مسرعاً وأخبر هارون بحالها فقال: سحرها والله موسى بن جعفر عليّ بها!!).
فجيء بها إليه، وهي ترتعد خوفاً فشخصت ببصرها نحو السماء وهي تذكر الله وتمجّده، فقال لها هارون: ما شأنك؟
قالت: شأني الشأن البديع، إني كنت عنده واقفة، وهو قائم يصلّي ليله ونهاره، فلما انصرف من صلاته قلت له:
هل لكَ حاجة أعطيكها؟ فقال (عليه السلام): وما حاجتي إليكِ؟
قلت: إني أدخلت عليك لحوائجك. قال الإمام (عليه السلام):
فما بال هؤلاء ـ وأشار بيده إلى جهة ـ فالتفت، فإذا روضة مزهرة لا أبلغ آخرها من أولها بنظري، ولا أولها من آخرها، فيها مجالس مفروشة بالوشي والديباج، وعليها وصائف ووصايف لم أرَ مثل وجوههم حسناً، ولا مثل لباسهم لباساً، عليها الحرير الأخضر، والأكاليل والدرّ والياقوت وفي أيديهم الأباريق والمناديل، ومن كل الطعام فخررت ساجدة حتى أقامني هذا الخادم فرأيت نفسي حيث كنت، فقال لها هارون والحقد يتطاير من عينيه لأن مؤامرته باءت بالفشل فقال: يا خبيثة لعلّك سجدت فنمتِ فرأيتِ هذا في منامك.
فقالت: لا والله يا سيدي، رأيت هذا قبل سجودي، فسجدت من أجل ذلك.
فالتفت هارون إلى خادمه، وأمره باعتقال الجارية، ليخفى الحادث تماماً، لئلا يسمعه الناس. فأخذها الخادم، واعتقلها عنده، فأقبلت على العبادة والصلاة، فإذا سئلت عن ذلك قالت: هكذا رأيت العبد الصالح، وقالت إني لما عاينت من الأمر نادتني الجواري يا فلانة، إبعدي عن العبد الصالح حتى ندخل عليه فنحن له دونك، وبقيت عاكفة على العبادة حتى لحقت بالرفيق الأعلى(10).
تبارك الله بهذا الإمام العظيم الذي يغيّر أسماء الأشياء من قبيح إلى جميل ومن سيء إلى حسن ومن شرير إلى صالح ومن كافر إلى مؤمن، كل ذلك بعمق إيمانه ولطف محبته وسمو أخلاقه وغزارة علمه فكانت له تلك الكرامات بين الناس جميعاً. فحارسه انقلب إلى صديق والجارية الخليعة انقلبت إلى مؤمنة صالحة.
لكن هارون الطاغية، هارون اللئيم، هارون العنيد ألم يشاهد أنواع هذه الكرامات للإمام (عليه السلام)؟ فلماذا لم يؤمن بها؟ ولماذا زاغ قلبه؟ ولما استولت على نفسه دكنة قاتمة أنسته ذكر الله واليوم الآخر؟ كل ذلك حب الجاه والسلطان، حب المال والدنيا الفانية!!
محاولة اغتيال فاشلة
تحدث الناس في مناقب الإمام (عليه السلام) وانتشرت فضائله بين الجموع وأصبح أحدوثة العصر بعلمه وحلمه، وصبره وبلواه، ضاق صدر هارون من ذلك وعقد العزم على اغتيال الإمام المظلوم ثانية فدعا برطب فأكل منه ثم أخذ إناءً ووضع فيه عشرين رطبة، وأخذ سلكاً فعركه في السم وأدخله في سم الخيّاط. وأخذ رطبة من ذلك الرطب فوضع فيها ذلك السلك وأخرجه منها حتى تكللت بالسم، ووضعها مع ذلك الرطب وقال لخادمه: احمله إلى موسى بن جعفر، وقل له:
إن أمير المؤمنين أكل من ذلك الرطب، وهو يقسم عليك بحقه لما أكلته عن آخره، فإني اخترتها لك بيدي، ولا تتركه يبقي منها شيئاً ولا يطعم منها أحداً. فحمل الخادم الرطب وجاء به إلى الإمام، وأبلغه برسالة هارون. فأمره (عليه السلام) أن يأتيه بخلال، فجاء به إليه، وقام بإزائه فأخذ الإمام يأكل من الرطب، وكانت لهارون كلبة عزيزة عنده، فجذبت نفسها وخرجت تجرّ سلاسلها الذهبية حتى حاذت الإمام (عليه السلام) فبادر بالخلال إلى الرطبة المسمومة ورمى بها إلى الكلبة فأكلتها فلم تلبث إن ضربت بنفسها الأرض وماتت للحال، وأكمل الإمام في أكل باقي الرطب. والخادم ينظر إليه مشدوهاً، حمل الإناء إلى هارون فلما رآه بادره قائلاً: قد أكل الرطب عن آخره؟ ـ نعم يا أمير المؤمنين.
ـ كيف رأيته؟
ـ ما أنكرت منه شيئاً، ثم قصّ عليه حديث الكلبة وطريقة موتها فقام هارون بنفسه ليشرف عليها، لأنها عزيزة على قلبه كثيراً، فرآها اهترأت أمعاؤها وتقطعت من السم فوقف مذهولاً وقد سرت الرعدة بأوصاله والشرر ينزف من عينيه وقال:
(ما ربحنا من موسى إلا أن أطعمنا جيد الرطب وضيعنا سمنا وقتلنا كلبتنا ما في موسى حيلة)(11).
لقد فشل في مشروعه الخسيس ولم تنجح محاولته في اغتيال الإمام (عليه السلام) والله سبحانه وتعالى قد أنقذه منه وصرف عنه السوء. ولا ندري من أين تعلم طريقة الاغتيال بالسم؟ فيجوز أنه اطلع على تاريخ معاوية بن أبي سفيان واستعماله السم في اغتيال الأئمة (عليهم السلام) وهو القائل: (إن لله جنوداً من عسل)(12).
وساطة فاشلة عن نفس علوية أبية
لقد احتار هارون في أمره فكل وسيلة سلكها للقضاء على الإمام (عليه السلام) تبوء بالفشل، فاستدعى وزيره يحيى بن خالد بعد أن انتشرت معاجز الإمام ومناقبه وتحدث الناس عن مناقبه وكراماته، فقال له:
(يا أبا علي أما ترى ما نحن فيه من هذه العجائب؟ ألا تدبر في أمر هذا الرجل تدبيراً يريحنا من غمه).
فأشار عليه يحيى بالصواب وأرشده إلى الخير فقال له:
(الذي أراه لك يا أمير المؤمنين أن تمنّ عليه وتصل رحمه فقد والله أفسد علينا قلوب شيعته).
فاستجاب هارون لنصيحة وزيره وقال له: انطلق إليه وانزع عنه الحديد وأبلغه عني السلام وقل له: يقول لك ابن عمك: إنه قد سبق مني فيك يمين إني لا أخليك حتى تقرّ لي بالإساءة وتسألني العفو عما سلف منك وليس عليك في إقرارك عار ولا في مسألتك إيّاي من منقصة، وهذا يحيى بن خالد ثقتي ووزيري وصاحب أمري فاسأله بقدر ما أخرج من يميني).
أراد هارون أن يأخذ من الإمام اعترافاً بالذنب والإساءة ليصدر مرسوماً ملكياً بالعفو عنه، فيكون قد اتخذ بذلك وسيلة إلى التشهير بالإمام من جهة، ومن جهة ثانية يكون له مبرراً في الوقت نفسه على سجنه له. لم يخف على الإمام (عليه السلام) ذلك، فلما مثل يحيى وأخبره بمقالة هارون انبرى إليه الإمام (عليه السلام) وقال له:
(سأخبرك بما سيجري عليك وعلى أسرتك من زوال النعمة على يد هارون، وشدة النقمة، فأحذرك من بطشه ومن الغدر بك فجأة) ثم ردّ على مقالة هارون فقال ليحيى:
(يا أبا علي، أبلغه عني، يقول لك موسى بن جعفر يأتيك رسولي يوم الجمعة فيخبرك بما ترى ـ أي بموته ـ وستعلم غداً إذا جاثيتك بين يدي الله من الظالم والمعتدي على صاحبه؟).
خرج يحيى وهو لا يبصر طريقه من الحزن والجزع فأخذ يبكي لما رأى الإمام (عليه السلام) ابن بنت رسول الله بتلك الحالة، فأخبر هارون بمقالته، فقال الطاغية مستهزئاً ساخراً:
(إن لم يدع النبوة بعد أيام فما أحسن حالنا!).
ولم يمض أسبوع حتى التحق الإمام (عليه السلام) بالرفيق الأعلى كما أخبر(13).
الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) ينعي نفسه
علم الإمام المعصوم موسى بن جعفر أن لقاءه بربّه أصبح قريباً، فنعى نفسه لبعض شيعته الخاصة، وعزّاهم بمصيبته بدل أن يعزّوه، فأوصاهم بالتمسك بالعروة الوثقى من آل محمد (صلّى الله عليه وآله) وذلك في جوابه عن المسائل التي بعثها إليه علي بن سويد(14) حينما كان في السجن، فيها بعض المسائل يسأله عنها، فأجابه (عليه السلام) بهذا الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العلي العظيم الذي بعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة، والأديان المتضادة، فمصيب ومخطئ وضال ومهتدي، وسميع وأصم، وبصير وأعمى فالحمد لله الذي عرف ووصف دينه بمحمد (صلّى الله عليه وآله).
أما بعد؛ فإنك امرؤ أنزلك الله من آل محمد بمنزلة خاصة، وحفظ مودة ما استرعاك من دينه، وما ألهمك من رشدك، وبصّرك من أمر دينك بتفضيلك إياهم، وبردّك الأمور إليهم؛ كتبت إلى تسألني عن أمور كنت منها في تقية، ومن كتمانها في سعة، فلما انقضى سلطان الجبابرة وجاء سلطان ذي السلطان العظيم بفراق الدنيا المذمومة إلى أهلها العتاة على خالقهم، رأيت أن أفسّر لك ما سألتني عنه مخافة أن تدخل الحيرة على ضعاف شيعتنا من قبل حبها لهم، فاتق الله عزّ ذكره، وخصّ بذلك الأمر أهله، وأحذر أن تكون سبب بلية على الأوصياء أو حارشاً عليهم(15) بإفشاء ما استودعتك، وإظهار ما استكتمتك وإن تفعل إن شاء الله.
إن أول ما أنهى إليك أني أنعي إليك نفسي في ليالي هذه، غير جازع ولا نادم ولا شاك فيما هو كائن ممّا قد قضى الله عزّ وجلّ وختم، فاستمسك بعروة الدين، آل محمد والعروة الوثقى الوصي بعد الوصي، والمسالمة لهم، والرضا بما قالوا: ولا تلتمس دين من ليس من شيعتك، ولا تحب دينهم، فإنهم الخائنون الذين خانوا الله ورسوله، وخانوا أمانتهم، أو تدري ما خانوا أمانتهم؟
إئتمنوا على كتاب الله فحرّفوه، ودلّوا على ولاة الأمر منهم فانصرفوا عنهم (فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)(16) وسألت عن رجلين اغتصبا رجلاً مالاً كان ينفقه على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وفي سبيل الله فلما اغتصباه ذلك لم يرضيا حيث غصباه حتى حملاه إيّاه كرهاً فوق رقبته إلى منازلهما فلما أحرزاه توليا إنفاقه أيبلغان بذلك كفراً؟
فلعمري لقد نافقا قبل ذلك وردا على الله عزّ وجلّ كلامه، وهزئا برسوله (صلّى الله عليه وآله) وهما الكافران عليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، والله ما دخل قلب أحد منهما شيء من الإيمان منذ خروجهما من حالتيهما، وما زادا إلا شكاً، كانا خداعين مرتابين منافقين حتى توفتهما ملائكة العذاب إلى محل الخزي في دار المقام.
وسألت عمن حضر ذلك الرجل وهو يغصب ماله ويوضع على رقبته منهم عارف ومنكر فأولئك أهل الردة الأولى من هذه الأمة فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وسألت عن مبلغ علمنا، وهو على ثلاثة وجوه: ماض وغابر وحادث، فأما الماضي فمفسر وأما الغابر فمزبور، وأما الحادث فقذف في القلوب، ونقر في الأسماع، وهو افضل علمنا، ولا نبي بعد نبينا محمد (صلّى الله عليه وآله). وسألت عن أمهات أولادهم وعن نكاحهم وعن طلاقهم، فأما أمهات أولادهم فهنّ عواهر إلى يوم القيامة نكاح بغير ولي، وطلاق في غير عدة. وأما من دخل في دعوتنا فقد هدم إيمانه ضلاله ويقينه شكه، وسألت عن الزكاة فيهم فما كان من الزكاة فأنتم أحق به لأنّا قد أحللنا ذلك لكم من كان منكم وأين كان.
وسألت عن الضعفاء فالضعيف من لم يرفع إليه حجة، ولم يعرف الاختلاف، فإذا عرف الاختلاف فليس بضعيف. وسألت عن الشهادة لهم، فأقم الشهادة لله عزّ وجلّ ولو على نفسك والوالدين والأقربين فيما بينك وبينهم، فإن خفت على أخيك ضيماً فلا وادع إلى شرائط الله عزّ ذكره من رجوت إجابته ولا تحصن بحصن رياء. ووال آل محمد ولا تقل لما بلغك عنا ونسب إلينا هذا باطلاً وإن كنت تعرف منا خلافه، فإنّك لا تدري لما قلناه، وعلى أي وجه وضعناه آمن بما أخبرك، ولا تفش بما استكتمناك من خبرك، إن من واجب حق أخيك أن لا تكتمه شيئاً تنفعه به لأمر دنياه وآخرته، ولا تحقد عليه وإن أساء، وأجب دعوته إذا دعاك ولا تخل بينه وبين عدوه من الناس وإن كان أقرب إليه منك، وعده في مرضه، ليس من أخلاق المؤمن الغش ولا الأذى، ولا الخيانة ولا الكبر والخنا(17) ولا الفحش ولا الأمر به، فإذا رأيت المشوه الأعرابي في جحفل جرار فانتظر فرجك ولشيعتك المؤمنين وإذا انكسفت الشمس فارفع بصرك إلى السماء وانظر ما فعل الله بالمجرمين، فقد فسرت لك جملاً مجملاً، وصلى الله على محمد وآله الأخيار...)(18).
1 - المكان المرتفع.
2 - المطهر: المصعد.
3 - العيص: الشجر الكثير.
4 - الغامر: الخراب.
5 - لا مثنوية فيها: أي لا استثناء.
6 - البحار، ج11، ص215-216.
7 - تاريخ اليعقوبي، ج3، ص125.
8 - البداية والنهاية، ج10، ص183. راجع سورة الجاثية: الآية 27.
9 - راجع سورة النمل: الآية 35.
10 - المناقب، ج2، ص263-264.
11 - البحار، ج11، ص299.
12 - كان يخلط السم في شراب العسل ويقدمه لمن يزيد اغتياله.
13 - البحار، ج2، ص301-302.
14 - السائي نسبة إلى ساية من قرى المدينة. روى عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) وقيل أنه روى عن أبي جعفر، وروى
رسالة لأبي الحسن موسى (عليه السلام). راجع النجاشي، ص211.
15 - التحريش: هو إغراء بعض القوم ببعض.
16 - سورة النحل: الآية 112.
17 - الخنا: الفحش في الكلام.
18 - روضة الكافي، ص124-126. كما ذكرت هذه الرسالة في مرآة العقول.