سؤال وُجِّه إلى سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله (رض)، فأجاب:
"هذا السؤال ليس بجديد، لا تعتبره غريباً، فالحالة النفسيّة التي تعيشها عاشها إنسان قبلك في زمان النبيّ محمّد (ص).
ففي حديث الإمام جعفر الصادق (ع): "جاء رجل إلى النبيّ (ص) فقال: يا رسول الله، إنّي هلكت. فقال له النبيّ (ص): أتاك الخبيث (الشيطان)، فقال لك: مَنْ خلقك؟ فقلت: الله تعالى، فقال: مَن خلقه؟ فقال الرّجل: إي والّذي بعثك بالحقّ قال كذا، فقال النبيّ (ص): ذلك محض الإيمان".
ويعلِّق الإمام الصّادق (ع) على هذه الكلمة (محض الإيمان) فيقول: "إنّما عنى بقوله (ذلك محض الإيمان)، خوفه أن يكون قد هلك، حيث عرض له ذلك في قلبه"[1]. لأنّه يدلّل على الشعور العميق بالقلق والخوف على إيمانه، الأمر الذي يكشف قوّة الإيمان في داخله.
والآن مع الجواب عن هذا السّؤال.
إنَّ هذا السؤال ـــ في عقيدتي ـــ خطأ.
إنَّ العقيدة بالله تفترض أنّه ـــ تعالى شأنه ـــ هو العلّة الأولى الخالقة للكون، ومعنى العلّة الأولى للكون، هو أنّه لا علّة قبله، وليس معلولاً لشيء، لأنّه لو كان كذلك، لكان علّة ثانية أو ثالثة، والنّتيجة هي أنّه ليس هو الله الذي نؤمن به.
ولتوضيح الفكرة أكثر نقول: اترك فكرك ينطلق ويسرح في بدايات الكون، فكلّ شيء تتصوَّر وجود شيء قبله، أو احتياجه إلى شيء آخر، فليس هو الله. أمّا إذا وقفت تصوّراتك عند شيء لا شيء قبله، فذلك هو الله.
لماذا تقول مَن خَلَقَ الله؟ لأنّك تتصوَّر وجود الله كوجودنا، لا يمكن أن يتحقَّق بدون موجد. لكنّ التصوُّر خطأ، فإنَّ وجودي ووجودك ووجود الكون كلّه لا يحمل في ذاته حتميّة الإثبات ولا حتميّة العدم، وهو ما يسمّى ـــ فلسفياً ـــ ممكن الوجود، فهو قابل لهذا وقابل لذاك، فلا بدّ من قوّة خارج ذاته ترجّح أحد الفرضين على الآخر، وهذا هو الذي يفرض ـــ من ناحية فلسفيّة ووجدانيّة ـــ حاجته إلى خالق. أمّا الخالق، فلا يمكن فرض عدمه، لأنَّ وجوده هو المبرّر لوجود الكون، وكلّ ما لا يمكن فرض عدمه فهو واجب الوجود، وإذا كان كذلك، فلا يحتاج إلى موجد، لأنَّ وجوده منطلق من حتميّة وجوده الذاتيّة، لا من أمر خارج عنه.
إنَّ القاعدة ليست: كلّ موجود يحتاج إلى موجد.
بل القاعدة الصّحيحة: كلّ ممكن الوجود يحتاج إلى موجد".
* من كتاب "مفاهيم إسلامية عامة".
------
[1] الكافي، الشّيخ الكليني، ج2، ص 425.