وقد جاء في هذه الرسالة:
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأساتذة والمفكرون في الجامعات الفرنسية؛
سلام عليكم
لم يمض وقت طويل علي إرسال رسالتنا السابقة إليكم وإذا بحادثة أخرى دفعتنا للتحدث إليكم أيها الكرام، ولكن هذه المرة بتأكيد وحساسية أكثر من ذي قبل، وأن ندعوكم من منظور يليق بالمفكرين والكتاب إلى "الحوار النظري" و"التحرك العملي". على الرغم من أنكم لم تردوا لغاية الآن على تلك الرسالة التي أرسلنا بها إليكم، لكن رغم ذلك، لا نريد أبدا قطع "باب الحوار" و"سدّ طريق التفاهم والتبادل" معكم جراء العمل اللاأخلاقي والمنعدم للقيم الإنسانية الذي ارتكبه سائسكم العديم الخبرة،كما لا نريد قطع الإمكانيات والفرص التي أتيحت فحسب للأكاديميين والمفكرين الناشطين في عصرنا هذا.
لذلك باعتماد "العقل" و"المنطق" و"العدل" و"الفضائل الأخلاقية" نودّ أن نتحدث إليكم عن الدعم الفاضح والرسمي المقدم من الرئيس الفرنسي بشأن نشر صور كاريكاتيرية مسيئة لرسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم ندعو الضمائر الواعية للحكم.
أيها الباحثون والمحاضرون الجامعيون في فرنسا،
نعلم جيدا ماذا سيحدث للمجتمع البشري من ويلات ومصائب إذا لم يتم تقييد "الحرية" بالقيود الأخلاقية والإنسانية وتتجذر هذه الحرية الجامحة في الرغبات الدنيئة والنوايا الشريرة؛ ونعتقد أنّ حجما كبيرا من معاناة البشر ومصائبه اليوم إنما يرجع إلي وجود هذه الحريات التي لاتتلاءم مع الأخلاق والإنصاف والفضائل الأخلاقية أبدا.
لا يوجد حق إنساني يُعترف به في حالة تعارضه مع حقوق الآخرين وكرامتهم، وتحت هذه الحجة طالما ألقى ساستكم باللوم على بعض الدول والشعوب على مدار الأعوام، ولكن الآن يمكننا أن نرى بوضوح أنهم يديرون ظهورهم لهذه الحجة أيضا وذلك في بلد يتم تقديمه على أنه مهد الديمقراطية والحقوق والحريات.
ألا تعني الإساءة إلى رسول الله وخاتم النبيين الذي يحترمها ويقدسها ما لا يقل عن مليار إنسان إنتهاك حقوق هؤلاء الأولية ؟!
لما يتعارض حق حرية التعبير عن الرأي لنشرة واحدة ولكاتب واحد مع حقوق مئات الملايين من الناس، فأي واحد منهما ينبغي الدفاع عنه؟! إن جرح "المشاعر الدينية ومصالح مليار مسلم" يستحق "الإنكار" و"الرفض" أو "الدعم"؟! كيف لا يلتزم رئيسكم حتى بأبسط مبادئ حقوق الإنسان وثوابتها ويقدم علي صعيد الواقع تعريفا عن حرية التعبير لا يتوافق مع العدالة ولا مع الميزات الحضارية التي يدعيها؟!
عندما تُعرَّف الحرية بمعزل عن أسمى القيم الإنسانية والالتزام الخلقي والضمير الواعي، فإنها تنقلب على الفور ضد نفسها وتعرّض الحياة المدنية للإنسان للمخاطر.
وهذا بالتحديد هو التهديد الذي سببه سائسكم رفيع المستوي الآن أمام المجتمع الفرنسي وأمام العالم الإنساني برمته.
أيها المفكرون الأكاديميون والخبراء،
إن إيمانويل ماكرون يجد نفسه، بالنظر لموقعه السياسي في فرنسا وأوروبا، في موقف يحتاج فيه إلى صنع مثل هذه "المسرحيات الخبيثة"، لكن لا شك في أن ما جري ليس "حادثة" ولا يمكن اختزاله في هذا المستوى. الحقيقة أن تأثير "الأيدي الخفية للصهاينة " في السياسة الرسمية للغرب، بما في ذلك فرنسا حقيقة يجب التوقف عنده بشكل أكثر إيضاحا وتفصيلا في قابل الأيام، لكن لا يخفي على أهل التأمل وأصحاب الفكر أن الحكومات الغربية إنما هي دمية في أيدي هؤلاء الخفية وأن هذه الطبقة السفلية هي ما تحدد السياسة الرسمية للغرب.
هذه الجريمة المرة ليست إلا مظهرا من مظاهر معادة الإسلام من قبل هؤلاء.
أصدقاءنا وزملاءنا الجامعيين،
على عكس ما تقدمه وسائل الإعلام الغربية من صور مغرضة ومشوهة عن الإسلام، فإن هذا الدين الإلهي لا يتكلم بلغة "العنف" و"العدوان" و"التشدد" وليس في يده سيف مشهّر، وإنما الصحيح هو العكس: إنه يحترم المشاعر والعواطف الإنسانية الخالصة و"التفكير" ويفضّل "الحجة" و"الحوار". نعم، الإسلام لا يأمر المسلمين بالاستسلام والخضوع أمام الظالم والمعتدي ولا ينصحه بقبول ذل الاستسلام، ولكنه في نفس الوقت وحتى في ساحة الحرب والقتال لا يغلق باب "العقلانية" و"المنطق" بل يستخدم دوما الوسائل والمناهج كلها وجميع الحجج المتاحة للدعوة إلى الفضيلة والحوار وتبادل الآراء.
بغض النظر عن الصور المفبركة والمزيفة والكليشيهات التي تروجها وسائل الإعلام التابعة للولايات المتحدة والنظام الصهيوني عن هذا الدين الحنيف، يمكنكم مراجعة نص القرآن الكريم وسيرة الرسول-صلى الله عليه وآله سلم- لمعرفة الفرق الكبير بين "حقائق الإسلام" و"الصور المزيفة عن الدين الإسلامي في وسائل الإعلام الغربية".
يقتضي "التفكير" و"الموضوعية" ألا تحرموا أنفسكم من هذه الفرصة. لقد اخترناكم للحوار والتفاهم ، ليس فحسب لأننا زملاء وجامعيون، ولكن أيضًا لأننا نؤمن بأن القوى الأكاديمية، بخلاف حسابات ومعادلات عالم السياسة الرسمي واليومي "ملتزمون بإدراك الحقيقة" و"يودون الفضيلة" ويرفضون أن يسيروا في فلك السياسيين اللا أخلاقيين والنفعيين.
لذلك نجدد دعوتكم إلي ألا تقفوا متفرجين علي ما يجري في المجتمع الفرنسي وسياسات فرنسا، وأن تتخذوا خطواتكم بعقلانية مستقلة وضمير خلقي وازع، وألا تسمحوا للسياسة الرسمية في فرنسا بأن تشوه نفسها بارتكاب الأعمال الحمقاء والسفيهة وغير الأخلاقية التي تدفع العالم إلي الاصطفاف ضدكم؛ فحياة السياسيين قصيرة، لكن حياة الشعوب طويلة ورأس مالها الاجتماعي عظيم، ويجب ألا يكونا لعبة في أيدي السياسيين غير الناضجين.
نسأل الله لكم التوفيق والصحة وتسديد خطاكم في نشر الحقيقة، والتصدي لكل تحريف وتشويه للحقائق.
ألف أستاذ ومحاضر في الجامعات ومراكز التعليم العالي والبحثي في إيران
11 ربيع الأول 1442 الموافق لـ 28 أكتوبر 2020