«بسم الله الرحمن الرحيم»
«اللهم ان الامر قد خلص الى نفسي وهي أعز الانفس علي واهمها الي، وقد علمت ربي، وعلمك افضل من علمي، انك تعلم مني ما لا أعلم من نفسي، لك محياي ومماتي، ودنياي وآخرتي، إليك مرجعي ومنقلبي، لا أملك الا ما أعطيتني، ولا اتقي الا ما وقيتني، ولا أنفق الا ما رزقتني، بنورك اهتديت، وبفضلك استغنيت، وبنعمتك أصبحت وأمسيت.
ملكتني بقدرتك، وقدرت علي بسلطانك، تقضي فيما أردت لا يحول احد دون قضائك، أوقرتني نعماً، وأوقرت نفسي ذنوباً كثرت خطاياي، وعظم جرمي، واكتنفتني شهواتي، فقد ضاق بها ذرعي، وعجز عنها عملي، وضعف عنها شكري
وقد كدت ان اقنط من رحمتك إلهي، وأن ألقي الى التهلكة بيدي الذي اياس منه عذري، وذكري من ذنوبي وما اسرفت به على نفسي. ولكن رحمتك رب التي تنهضني وتقويني، ولو لا هي لم أرفع رأسي، ولم أقم صلبي من ثقل ذنوبي، فإياك ارجو، إلهي أنت أرجى عندي من عملي الذي أتخوفه.
ولو كان لي علم ينفعني لم تقر في الدنيا عيني، ولصارت حلاوتها مرارة عندي، ولفررت هارباً من ذنوبي.
لا بيت يؤويني، ولا ظل يكنني، مع الوحوش مقعدي ومقيلي ولو فعلت ذلك لكان يحق لي ان اتخوف على نفسي، الموت يطلبني حثيثاً دائباً، يقص اثري موكل بي، كأنه لا يريد احداً غيري ليس يناظرني ساعة اذا جاء أجلي، كأني أراني صريعاً بين يديه وكأني بالموت ليس أحد من الموت يمنعني، ولا يدفع كربه عني ولا استطيع امتناعاً يؤخرني، وبكأس الموت يسقيني، أقلب بكرب الموت طرفي جزعاً.
فيا لك من مصرع ما افظعه عندي، مغلوبة بكرت الموت نفسي، تختلج لها اعضائي واوصالي، وكل عرق ساكن مني فكأنني بملك الموت يستل روحي مستسلم له، بل على الكراهة مني.
فان تك - ربي- راضياً عني فطوبى ثم طوبى لي، وان تكن الاخرى فيا حسرتي، ويا ندامتا على ما فرطت في جنب ربي، وكيف اذكر هذا الامر ثم لا تدمع له عيني، ولا يفزع لذكره قلبي، ولا ترعد له فرائصي، ولا احمل على ثقله نفسي، ولا اقصر على هواي وشهواتي، مغرور في دار غرور، قد خفت ان لا يكون هذا الصدق مني فأشكو اليك يا رب قسوة قلبي وتقصيري وابطائي، وقلة شكر ربي رب جعلت لي جوارح لاستبهام (۱) النعم منك، يحق لي لك الشكر على جوارحي (۲) واعضائي واوصالي بالذي يحق لك عليها من العبادة، بخشوع نفسي وبصري وجميع اركاني، فبهن عصيتك ربي، ولم يكن ذلك جزاءك، ولا شكرك مني، وقد خفت ان اكون قد اوبقت نفسي، واستهلكتها بجرمي فاستوجبت العقوبة منك، ليس دونك احد يؤويني، ولا يطيق ملجأي، ولا من عقوبتك ينجيني، ولا يغفر ذنباً من ذنوبي، وكل قد شغل بنفسه عني.
بارزتك بسوءتي، وباشرت الخطايا، وانت تراني في سري منها وعلانيتي، واظهرت لك ما اخفيت من الناس فاستترت من ذنوبي ولا يروني فيعيبوني، استحياء منهم، ولم استحيك.
الهي قد انست الى نفسي وقذفتني في المهالك شهواتي وتعاطت ما تعاطت، وطاوعتها فيما مضى من عمري، ولا اجدها تطيعني، ادعوها الى رشدها فتأبى ان تطيعني.
واشكو اليك رب ما اشكو لتصرخني، وتستنقذني برحمتك يا ارحم الراحمين».
*******
المصدر: الصحيفة النبوية الجامعة لادعية خاتم الانبياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)
*******
(۱) لاشتيهام. خ، أقول: أصل بهم الشيء ان لا يخالط لونه لون آخر والملخص من ظاهر سياق الكلمات: "أن يا ربّ إنّ جعلك جوارحي لاستبهام النعم، فحقّ عليها ان استخلص شكر نعمك بطاعتك بها، لكنني عصيتك بها، ولم يكن ذلك حق شكرك منّي".
(۲) الظاهر أنّ فيه تقديماً، بمعنى انه يحقّ لي الشكر لك على جوارحي.
*******