وَإِنَّهَا لَتَحُتُّ الذُّنُوبَ حَتَّ الْوَرَقِ، وَتُطْلِقُهَا إِطْلاَقَ الرِّبَق، وَشَبَّهَهَا رَسُولُ اللهِ صَلََّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ بِالْحَمَّة، تَكُونُ عَلَى بَابِ الرَّجُلِ، فَهُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ مَرّات، فَمَا عَسَى أَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ مِنَ الدَّرَنِ، وَقَدْ عَرَفَ حَقَّهَا رِجَالٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لاَ تَشْغَلُهُمْ عنْهَا زِينَةُ مَتَاع، وَلاَ قُرَّةُ عَيْنٍ مِنْ وَلَدٍ وَلاَ مَال، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ: رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلََّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ: نَصِباً بِالصَّلاَةِ بَعْدَ التَّبْشِيرِ لَهُ بِالْجَنَّةِ، لِقَوْلِ اللهِ سُبْحَانَهُ: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا، فَكَانَ يَأُمُرُ بِهَا أَهْلَهُ، وَيَصْبِرُ عَلَيْهَا نَفْسَهُ.
ثُمَّ إِنَّ الزَّكَاةَ جُعِلَتْ مَعَ الصَّلاَةِ قُرْبَاناً لاَِهْلِ الاِْسْلاَمِ، فَمَنْ أَعْطَاهَا طَيِّبَ النَّفْسِ بِهَا، فإِنَّهَا تُجْعَلُ لَهُ كَفَّارَةً، وَمِنَ النَّارِ حِجَازاً وَوِقَايَةً، فَلاَ يُتْبِعَنَّهَا أَحَدٌ نَفْسَهُ، وَلاَ يُكْثِرَنَّ عَلَيْهَا لَهَفـَهُ، فإِنَّ مَنْ أَعْطَاهَا غَيْرَ طَيِّبِ النَّفْسِ بِهَا، يَرْجُو بِهَا مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا، فَهُوَ جَاهِلٌ بِالسُّنَّةِ، مَغْبُونُ الاَْجْرِ، ضَالُّ الْعَمَلِ، طَوِيلُ النَّدَمِ.
ثُمَّ أَدَاءَ الاَْمَانَةِ، فَقَدْ خَابَ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، إِنَّهَا عُرِضَتْ عَلَى السَّماوَاتِ الْمَبْنِيَّةِ، وَالاَْرَضِينَ الْمَدْحُوَّةِ، وَالْجِبَالِ ذَاتِ الطُّولِ الْمَنْصُوبَةِ، فَلاَ أَطْوَلَ وَلاَ أَعْرَضَ، وَلاَ أَعْلَى وَلاَ أَعْظَمَ مِنْهَا، وَلَوِ امْتَنَعَ شَيْءٌ بِطُولٍ أَوْ عَرْضٍ أَوْ قُوَّةٍ أَوْ عِزٍّ لاَمْتَنَعْنَ، وَلكِنْ أَشْفَقْنَ مِنَ الْعُقُوبَةِ، وَعَقَلْنَ مَا جَهِلَ مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُنَّ، وَهُوَ الاِْنْسَانُ، إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً.
علم الله تعالى:
إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وتعالى، لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مَا الْعِبَادُ مُقْتَرِفُونَ فِي لَيْلِهِمْ وَنَهَارِهِمْ، لَطُفَ بِهِ خُبْراً، وَأَحَاطَ بِهِ عِلْماً، أَعْضَاؤُكُمْ شُهُودُهُ، وَجَوَارِحُكُمْ جُنُودُهُ، وَضَمائِرُكُمْ عُيُونُهُ، وَخَلَوَاتُكُمْ عِيَانُهُ.
ومن كلماته القصار في نهج بلاغته سلام الله عليه:
۱. مِنْ أَشْرَفِ أَفْعَالِ اَلْكَرِيمِ، غَفْلَتُهُ عَمَّا يَعْلَمُ.
۲. فِي تَقَلُّبِ اَلْأَحْوَالِ، عِلْمُ جَوَاهِرِ اَلرِّجَالِ.
۳. حَسَدُ اَلصَّدِيقِ مِنْ سُقْمِ اَلْمَوَدَّةِ.
٤. أَكْثَرُ مَصَارِعِ اَلْعُقُولِ، تَحْتَ بُرُوقِ اَلْمَطَامِعِ.
٥. لَيْسَ مِنَ اَلْعَدْلِ اَلْقَضَاءُ عَلَى اَلثِّقَةِ بِالظَّنِّ.
٦. إِنْ لَمْ تَكُنْ حَلِيماً فَتَحَلَّمْ، فَإِنَّهُ قَلَّ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ، إِلاَّ أَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ.