وَلَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَهُ صَلََّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ، وَالْمَلاَئِكُةُ أَعْوَانِي، فَضَجَّتِ الدَّارُ والاَْفْنِيَةُ، مَلاٌَ يُهْبِطُ، وَمَلاٌَ يَعْرُجُ، وَمَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ مِنْهُمْ، يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى وَارَيْنَاهُ فِي ضَرِيحِهِ، فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِهِ مِنِّي حَيّاً وَمَيِّتاً، فَانْفُذُوا عَلَى بَصَائِرِكُمْ، وَلْتَصْدُقْ نِيَّاتُكُمْ فِي جِهَادِ عَدُوِّكُمْ، فَوَالَّذِي لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِنِّي لَعَلَى جَادَّةِ الْحَقِّ، وَإِنَّهُمْ لَعَلَى مَزَلَّةِ الْبَاطِلِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.
الخطبة ۱۹۸: وفيها ينبّه سلام الله عليه على إحاطة علم الله بالجزئيات، ثمّ يحث على التقوى، ويبيّن فضل الاسلام والقرآن
يَعْلَمُ عَجِيجَ الْوُحُوشِ فِي الْفَلَوَاتِ، وَمَعاصِيَ الْعِبَادِ فِي الْخَلَوَاتِ، وَاخْتِلاَفَ النِّينَانِ فِي الْبِحَارِ الْغَامِرَاتِ، وَتَلاَطُمَ الْمَاءِ بِالرِّيَاحِ الْعَاصِفَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً نَجِيبُ اللهِ، وَسَفِيرُ وَحْيِهِ، وَرَسُولُ رَحْمَتِهِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ الَّذِي ابْتَدَأَ خَلْقَكُمْ، وَإِلَيْهِ يَكُونُ مَعَادُكُمْ، وَبِهِ نَجَاحُ طَلِبَتِكُمْ، وَإِلَيْهِ مُنْتَهْى رَغْبَتِكُمْ، وَنَحْوَهُ قَصْدُ سَبِيلِكُمْ، وَإِلَيْهِ مَرَامِي مَفْزَعِكُمْ، فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبِكُمْ، وَبَصَرُ عَمَى أَفِئِدَتِكُمْ، وَشِفَاءُ مَرَضِ أَجْسَادِكُمْ، وَصَلاَحُ فَسَادِ صُدُورِكُمْ، وَطُهُورُ دَنَسِ أَنْفُسِكُمْ، وَجِلاَءُ عَشَا أَبْصَارِكُمْ، وَأَمْنُ فَزَعِ جَأْشِكُمْ، وَضِيَاءُ سَوَادِ ظُلْمَتِكُمْ، فَاجْعَلُوا طَاعَةَ اللهِ شِعَاراً دُونَ دِثَارِكُمْ، وَدَخِيلاً دُونَ شِعَارِكُمْ، وَلَطِيفاً بَيْنَ أَضْلاَعِكُمْ، وَأَمِيراً فَوْقَ أُمُورِكُمْ، وَمَنْهَلاً لِحِينِ وُرُدِكُمْ، وَشَفِيعاً لِدَرَكِ طَلِبَتِكُمْ، وَجُنَّةً لِيَوْمِ فَزَعِكُمْ، وَمَصَابِيحَ لِبُطُونِ قُبُورِكُمْ، وَسَكَناً لِطُولِ وَحْشَتِكُمْ، وَنَفَساً لِكَرْبِ مَوَاطِنِكُمْ، فَإِنَّ طَاعَةَ اللهِ حِرْزٌ مِنْ مَتَالِفَ مُكْتَنِفَة، وَمَخَاوِفَ مُتَوَقَّعَة، وَأُوَارِ نِيرَانٍ مُوقَدَة، فَمَنْ أَخَذَ بِالتَّقْوَى عَزَبَتْ عَنْهُ الشَّدَائِدُ بَعْدَ دُنُوِّهَا، وَاحْلَوْلَتْ لَهُ الاُْمُورُ بَعْدَ مَرَارَتِهَا، وَانْفَرَجَتْ عَنْهُ الاَْمْوَاجُ بَعْدَ تَرَاكُمِهَا، وَأَسْهَلَتْ لَهُ الصِّعَابُ بَعْدَ إِنْصَابِهَا، وَهَطَلَتْ عَلَيْهِ الْكَرَامَةُ بَعْدَ قُحُوطِهَا، وَتَحَدَّبَتْ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ بَعْدَ نُفُورِهَا، وَتَفَجَّرَتْ عَلَيْهِ النِّعَمُ بَعْدَ نُضُوبِهَا، وَوَبَلَتْ عَلَيْهِ الْبَرَكَةُ بَعْدَ إِرْذَاذِهَا، فَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي نَفَعَكُمْ بَمَوْعِظَتِهِ، وَوَعَظَكُمْ بِرِسَالَتِهِ، وَامْتَنَّ عَلَيْكُمْ بِنِعْمَتِهِ، فَعَبِّدُوا أَنْفُسَكُمْ لِعِبَادَتِهِ، وَاخْرُجُوا إِلَيْهِ مِنْ حَقِّ طَاعَتِهِ.