كما جاء في نهج البلاغة: أنَّ الإمام علي كان جالساً ذات يوم مع أصحابه، فمرَّت امرأة جميلة، فرمقها القوم بأبصارهم، فقال الإمام: "إنَّ هذه الفحول طوامح، وإنَّ ذلك سبب هبابها، فمن وَجَدَ منكم في نفسه شيئاً، فليلامس امرأته، فإنّما هي امرأة كامرأة."
فقال: أحد الخوارج ـ وهو يعبّر عن إعجابه بهذه الكلمة ـ: "قاتله الله كافراً ما أفقهه!".
فوثب إليه القوم ليقتلوه.
فقال الإمام: "رويداً، إنّما هو سبّ بسبّ، أو عفو عن ذنب".
فقد تناول الإمام القصة بكل بساطة، ووضعها في نطاقها الطبيعي من حكم الإسلام، فقد سبّ هذا الخارجي الإمام بتلك الكلمة.. والموقف الإسلامي هنا، أنَّ الاعتداء يقابَل بمثله، وهو السبّ، أو العفو عن الذنب. أما القتل، فهو غير وارد في هذا المجال، مهما بلغت درجة الإساءة، ومهما كانت درجة المعتدي إزاء درجة المعتدى عليه.
وهكذا نجد في هذا التطبيق العملي، المثال الحيّ الواضح على أنّ الإنسان المؤمن، يستطيع إذا استحضر إيمانه في حالة انفعاله، ووعى حكم الله، وخاف من عقابه، أن يضغط على انفعاله ليوجّهه في اتجاه العفو، أو في اتّجاه حكم الله دون زيادة في قليل أو كثير.
لقد رأينا كيف انطلق الإسلام من نقطة أساسيّة، هي أن يربط الإنسان بالحياة من خلال الأسلوب العقلاني الذي ينظّم له طريقة تفكيره من جهة، وطريقة ممارسته لعواطفه وانفعالاته من جهةٍ أخرى، حتّى لا يبتعد عن موقع الشّعور الواعي بالمسؤوليّة في كلّ ما يعمل، وفي كلّ ما يقول.
وعرفنا أنَّ الإسلام لم يحاول إلغاء الانفعال من حياة الإنسان، بل حاول أن ينظّمه ويهذّبه ويضبطه، لكي يتحوّل إلى عنصر حيّ فاعل، يعطي الحياة طراوةً دون أن يُفقدها قوّة الموقف.