في هذا اللقاء ننقل لكم قصة أخ من مدينة الموصل العراقية هو الإستاذ رامي عبد الغني اليوزبكي... وكانت هدايته ببركة روحانية عاشها في زيارة غير مقصود للمشهد الحسيني المبارك... تابعونا على بركة الله...
مستمعينا الأعزاء... نشرت قصة هذا الأخ في عدة من المواقع الإسلامية المعتبرة منها موقع الميزان..
والإستاذ رامي عبد الغني اليوزبكي هو من مواليد مدينة الموصل العراقية سنة تسع وخمسين وتسعمائة وألف ميلادية، وهو من أسرة تعتنق المذهب الحنفي، يحمل شهادة البكالوريس في اللغة العربية من كلية الآداب في جامعة الموصل.
كانت بداية غرس بذور الهداية في قلبه عام ۱۹۷۹ م إذ وفق الأستاذ لحج بيت الله الحرام، فتوجه من مدينته الموصل الى الديار المقدّسة وفي تلك الرحلة كانت له وقفة في مدينة كربلاء فزار تلك المدينة وشاهد لأوّل مرة مرقد الإمام الحسين عليه السلام، فلفت ذلك الحرم الطاهر انتباهه! ورأى زوار مرقد شهيد كربلاء كيف يفدون على ضريحه بلهفة وشوق، وكيف يؤدّون رسوم زيارتهم بوعي معبّر عن عمق إرتباطهم بنهج صاحب القبر، ولمس بروحه كيف تنطوي زيارة الزائرين على تأصيل حالة ولائهم للإمام الحسين عليه السلام، وكيف يجسّدون حبّهم لرمز مسيرتهم، وكيف يستلهمون من ذلك المشهد العطاءات التربوية التي تشدهم الى تاريخهم المشرق.
كما وجد أن الزّوار يرسّخون بزيارتهم فهمهم لأبعاد شخصية الإمام الحسين عليه السلام ومكارم أخلاقه وإخلاصه لله، ويفتحون بذلك ذاكرتهم على الأحداث التي حلّت بالحسين وأصحابه ليستلهموا منها الدروس والعبر.
وأبهره ذلك المنظر، فلم يكتف بالمشاهدة السطحية، بل تناول أحد كتب الزيارة التي يقرؤها الزوّار ليرى محتواها ويطلّع على مضامينها، وليلمس بنفسه الدافع الذي جعل هؤلاء الوافدين يتفاعلون من أعماق أنفسهم مع صاحب هذا القبر.
فغاص في معاني زيارة الحسين عليه السلام والأدعية الخاصة بالزيارة، وإذا به يجدها مفردات تزخر بثروة هائلة من النماذج التي تحفز مفاهيم الحياة الفردية والإجتماعية على المستوى التربوي، وذلك عبر تعزيز فهم الزائر لأبعاد شخصية الامام الحسين عليه السلام ودوره في تبليغ الرسالة وتجسيد معانيها، وأكثر أمر لفت انتباهه في الزيارة عبارة "السلام عليك يا ثار الله".
يقول الإستاذ رامي اليوزبكي عن تأثير كلمة ثار الله التي قرأها في زيارة الإمام الحسين عليه السلام:
جعلتني هذه الكلمات أتأمّل في معانيها! وقلت في نفسي: لابدّ وأن تكون لصاحب هذا المقام منزلة وشأن عظيم عند الله تبارك وتعالى ليكون ثأره عزّوجلّ.
نعم – مستمعينا الأكارم فإنّ الثأر هو الدم والطلب به، ومعني ثار الله هو الدم المنسوب الى الله تعالى، ويعني أنّ هذا الدم مكرّم و عظيم وله امتياز عند الله، كما نقول: بيت الله، لتمييزه عن غيره من الأماكن.
وفي الحقيقة أنّ نسبة ثأر الحسين عليه السلام إلى الله عزّوجلّ لا غبار عليه، لأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو صفوة الخلق قال: (حسين مني و أنا من حسين) فإذا كان الحسين عليه السلام من الرسول صلى الله عليه وآله و سلم والرسول من صفوة الله عزّوجلّ فمعناه أنّ الحسين عليه السلام أيضاً من الذين اصطفاهم الباري من بين خلقه فهو تعالى وليهم و هو صاحب الثأر لدمائهم.
فقتل الحسين عليه السلام يعني قتلا للصفوة وللنبوّة وللخلّة وللكلمة وللروح وللمحبّة الإلهية.
نعود _مستمعينا الأكارم_ الى هذا الأخ الموصلي وهو يتابع نقل قصته ويحكي أثار تعرفه على الحسين بصفته ثار الله وانطلاقته للتعرف الى منهج شيعة الحسين _عليه السلام_، قال حفظه الله: -
لم أكن من قبل مطّلعا بصورة وافية على مذهب التشيع، ولكن هذا الموقف أثار في نفسي المحفّز لأكون أكثر إلماماً بهذا المذهب.
فمن ذلك الحين اندفعت لمعرفة المزيد من المعارف التي ينتمي إليها هؤلاء الشيعة، ولم يكن إلمامي بهم سوى أني كنت استمع الى بعض المناقشات العقائدية التي كانت تدور بين الشيعة وبين بعض أبناء مدينتنا الأحناف، فكنت أشارك أتباع مذهبي بالدفاع عن ما نحن عليه وإن لم أكن بذلك المستوى الذي يجيد ردّ المبادئ التي كان يعتنقها أصحاب مذهب أهل البيت عليهم السلام.
بعد ذلك الموقف في مرقد الإمام الحسين عليه السلام والذي ترك في نفسي الأثر البليغ واصلت مسيرتي بإتجاه الحجاز لأداء مناسك الحجّ، وهنالك في مكة المكرّمة وجّهت بعض الأسئلة إلى أحّد العلماء حول المذهب الجعفري، لكنه بدل أن يجيب علي أسئلتي حذّرني من التقرّب اليهم والحوار معهم، قائلاً: أحذر من أفكار الرافضة، وتجنّب الحوار معهم، وأنصحك أن لا تدنو منهم! ولكن لم أقتنع بمقولته ولم يدفعني كلامه لرفض ما رأيته منسجماً مع فطرتي وعقلي عند الشيعة، كما أنني كنت متلهفاً للدليل والبرهان ولم أجد عنده ذلك.
وفي الحجاز وجد الأستاذ رامي تياراً فكرياً ضد مذهب التشيع، يحرّم زيارة القبور والتوسّل بها ويصفها بالشرك والإلحاد، و هذا ما دفعه للبحث بعد عودته من الحجّ عن مدى صحة هذا الإدعاء.
وبعد التتبّع والتحقيق وجد أنّ ما عليه الوهابيون يخالف الكتاب والسنّة، وأنّ أفكارهم جاءت من قبل أناس انتهزوا فكرة إلصاق الشرك بالمسلمين ليحقّقوا مآربهم في ظلالها، ويصلوا الى مبتغياتهم من خلالها.
ووجد أنّهم خالفوا جميع الطوائف الإسلامية فيما ذهبوا اليه، ولم يعتمدوا لتثبيت أفكارهم على دليل يستند إليه، بل مستمسكهم الوحيد في هذا المجال هو إتخاذ إسلوب الإثارة ليصطادوا في الماء العكر.
لقد جرب الإستاذ رامي عبد الغني الآثار المعنوية لزيارة مراقد الأولياء وهو يعيش _ودون تخطيط مسبق_ روحانية القرب من الله عزوجل في مرقد الحسين ثار الله وفيه أدرك أنّ من أبرز العبر في زيارة القبور، أنّها توفّر للزائر أجواء يستوحي منها ذكر الموت والزهد في الدنيا والعمل للآخرة والإقبال على الله، فيشد عزيمته لمواصلة درب الصلحاء والأولياء، فالزائر يستلهم من منهجهم الوعي المحفز لمواصلة ركب الإيمان؛ وهذا ما وجده الأستاذ رامي عندما قاده التقدير الإلهي الجميل الى أن يزور المرقد الحسيني المبارك دون أن يكون قاصداً لذلك...:
هذه الزيارة غير المقصودة تحصل له وهو في طريقه لحج بيت الله الحرام... ليشعر وجدانيا أن الحسين عليه السلام هو باب لله عزوجل فينطلق للبحث عن الأدلة والبراهين على الدين الحق والتي طلبها عند الوهابية فلم يجدها. عن هذه البراهين والحجج يقول الأستاذ رامي عبدالغني: عرفت أنّ أدلّة الشيعة لم تنشأ من حالة عاطفية أو هوى أو تقليد، وإنّما فرضتها عليهم الأدلّة القاطعة التي ينبغي أن يتعبّد بها المسلم.
وإنّ زيارة قبور الصلحاء هي كالحجّ يجتمع فيه المسلمون على الخير والهدى والترابط والتعارف والتآلف، فيمجّدوا عظماءهم و يحيوا بذكراهم القيم والمبادئ والأفكار التي كانوا يحملونها.
وبمرور الزمان واصلت أبحاثي لمعرفة المزيد حول مذهب أهل البيت عليهم السلام، وكنت اتباحث مع أحّد أقربائي في هذا المجال، فكنا نأخذ مفردة مفردة من عقائد الشيعة ونضعها على طاولة البحث، وكان يحفز أحدنا الآخر للمطالعة والتتبع حتى اكتملت في أذهاننا الصورة الكاملة لمذهب أهل البيت (عليهم السلام)، فالتجأنا الى حصنهم المنيع بعدما وجدناه رصيناً من جميع الأبعاد فتحصّنا به و آوينا اليه، وكان استبصاري عام ۱۹۸۷م كما استبصر البعض من أسرتي وجملة من غير أسرتي على يدي بفضل من الله، وببركة الزاد الثقافي الذي تلقيته من نبع معارف أهل البيت عليهم السلام.