ولا بد من اﻹشارة هنا الى ان هناك عدو مشترك لهذين الشعبين يتمثل بالاستكبار العالمي بقيادة الوﻻيات المتحدة اﻻمريكة والتي تعمل على تفتيت أواصر الأخوة والصداقة بين شعوب المنطقة بل بين ابناء الشعب الواحد، وتتبع اساليب عديدة في هذا المجال بما يتناسب مع البيئة الاجتماعية او الحالة السياسية او الظروف الزمانية والمكانية، فهناك خطط معلبة وجاهزة تتناسب مع المرحلة والبيئة والزمان والمكان.
ومن خلال مراجعة تاريخ العلاقات اﻻيرانية العراقية نجد هناك فرق كبير بين المسار الرسمي المتمثل بالعلاقات السياسية بين نظامي الحكم في كل من البلدين ويكون متأثر بطبيعة النظام السياسي السائد لدى الجانبين، في حين المسار الشعبي الذي تحكمه الروابط الدينية واﻻجتماعية يمتاز بالثبات وعدم التذبذب ويبدو منفصلا تماما عن المسار الرسمي.
وقد بذل اﻻستكبار جهودا مظنية ليفت في عضد العلاقة بين الشعبين الايراني والعراقي بإتباع أقسى الوسائل من إثارة الحروب وزرع الفتن وخلق الخلافات الوهمية وغيرها من اﻻساليب الدنيئة، كما هو الحال في محاولاتهم لتفتيت الشعب الواحد، إﻻ أن العقيدة الواحدة التي يتمسك بها أبناء الشعبين منحتهما المناعة القوية في مواجهة كل هذه اﻷساليب الشيطانية.
وهنا أشير الى أن أعداء الشعوب يبحثون عن الوتر الحساس للنفوذ من خلاله وتنفيذ أغراضهم الخبيثة، مستفيدين من نقاط الضعف في المجتمع والضرب على الوتر الحساس، وأرى من المناسب أن أنقل هذه القصة الواقعية...ففي العقد الرابع من القرن العشرين كانت العاصمة بغداد تشهد بين فترة واخرى صراعات تصل الى وقوع قتلى بين أبناءها الأمر الذي يؤكد أن هناك أطراف تعمل جاهدة على ايجاد الخلافات داخل المجتمع البغدادي - وهناك قصص مشهورة تغافل عن ذكرها الاعلام - فكانت كثيرا ما تحصل مشاجرات طائفيه لاسيما في سوق الشورجة وسط العاصمة العراقية بغداد تؤدي احيانا الى سقوط قتلى بين الجانبين.
وأنقل واحده من هذه القصص كما رواها اجدادنا الذين عاشوا تلك الفترة، ففي صبيحة احد اﻻيام حصلت مشادة كلامية بين رجلين من أهل سوق الشورجة تحولت الى شجار ثم تطور الى معركة راح ضحيتها عدد من القتلى والجرحى... اصل المشكلة ان هناك أكواز يوضع فيها ماء شرب ويكتب عليها عبارة "اشرب الماء وأذكر عطش الحسين عليه السلام" منتشرة في السوق، وحصلت ظاهرة غريبة ففي صباح كل يوم يجد أهل السوق فيها نوع من السمك (الجري) والذي يخلو من القشرة وهذا النوع من السمك هو حرام اكله عند فقهاء الشيعة، فوضعه في هذه اﻻكواز يعتبر أهانة تثير مشاعر الشيعة، لأنها الناء فيها مخصص للشرب، ومن هنا ستوجه اصابع الاتهام الى بعض المواطنين من اهل السنة بأنهم من يلقي هذا النوع من السمك (الجري) في اكواز شرب الماء وبالنتيجة سيتعامل البسطاء من الطرفين بطريقة سوقية تؤدي الى تطور الشجار لمعركة تزهق فيها اﻻرواح وبعطل السوق لعدة ايام... ولكن بعد التحري عن القضية من قبل عقلاء القوم من الطرفين قبضوا على شخص يأتي ليلا ويضع هذا النوع من السمك في الاكواز وبعد التحقيق معه والتعرف عليه وجدوه احد العاملين الهنود في السفارة البريطانية لدى العاصمة بغداد وقد كلفه السفير البريطاني آنذاك بهذا العمل لغرض اثارة فتنة طائفيه بين ابناء الشعب الواحد. وقصص كثيرة من هذا القبيل، ﻻ يستطيع أحد أنكارها.
وكما نعلم فالسفارة البريطانية لدى طهران موجودة آنذاك ولديها نفس الألاعيب في ايجاد المشاكل في المجتمع اﻻيراني.
هذا على مستوى الشعب الواحد أما على مستوى الشعبين فهناك محاوﻻت لإثارة الفتن بينهما مرة بالضرب على وتر العرب والفرس وأخرى الشيعة والسنة وثالثة التدخل بالشؤون الداخلية ورابعة قطع المياه ووو....، والجدير باﻻنتباه ان كل قضية تثار في الوسط الشعبي تقابلها نفس القضية في الجانب اﻵخر، فمثلا يثيرون في اوساط المجتمع العراقي بأن اﻻيرانيون قطعوا المياه عن العراق، ويثيرون في اوساط المجتمع اﻻيراني ان الحكومة اﻻيرانية تزود البصرة بالمياه العذبة وتحرم اهالي خرمشهر وآبادان منها، وهكذا...
إذن أعداءنا بهذا المستوى من الدناءة واساليبهم متعددة ولم تتوقف في هذا المجال بل تتطور بتطور وسائل التواصل الاجتماعي، واليوم نشهد حمله من خلال هذه الوسائل لخلق الفتن بين العراقين والايرانين بخلق قصص وهمية تثير مشاعر ابناء العقيدة الواحدة، ﻻسيما وان السياحة بين البلدين شهدت نموا إنفجاريا بعد سقوط نظام البعث عام 2003 لأن الديكتاتور صدام المقبور كان يضع العراقيل امام هذه السياحة بل كان يمنعها بشكل كامل تقريبا.
هذا النشاط السياحي بين العراق وايران وما يتبعه من تعزيز العلاقات وتطورها للروابط اﻻجتماعية بين البلدين أغاض عدوهما فوجد أن ﻻبد من العمل على ايجاد وإفتعال الخلافات الوهمية بين الجانبين.
فلابد من الحذر واليقضة من قبل أبناء الشعبين اﻻيراني والعراقي لتفويت الفرصة على العدو من أن يحقق أغراضه الخبيثة.
في نفس الوقت نقول لهؤلاء الذين يتصيدون بالماء العكر ان اساليبكم هذه باتت مكشوفة لدى الشعبين ولن تنطلي على أحد، فأتركوا الشعوب تتعايش بالسلم واﻻمان ليعم الخير في كل بقاع العالم.
جابر كرعاوي