إنها الأخت الكريمة لمياء حمادة من مواليد سوريا سنة خمس وستين وتسعمائة والف للميلاد، واصلت دراستها الأكاديمية حتى حصلت على شهادة التخرج من كلية الشريعة في جامعة دمشق…
وفي الجامعة كانت بداية رحلتها الى الهداية التي نقلتها ضمن كتاب ألفته تحت عنوان (أخيراً أشرقت الروح) طبع سنة إحدى وعشرين واربعمائة وألف للهجرة…
تقول الأخت لمياء عن فترة دراستها في الجامعة: دخلت علينا ذات يوم طالبة جديدة تتمتع بشخصية متينة ويبدو على سيمائها علامات النبل والخير و الصلاح.
فاستفسرنا عنها فتبين أنّها عراقية اسمها بتول كانت تواصل دراستها في كلية الطب في العراق، لكنها بعد الهجرة إلى سوريا حبذت الدراسة في كلية الشريعة من أجل رفع مستواها العلمي بالأمور الدينية ثمّ تبين لي ولباقي الطلاب أن الأخت بتول تنتمي إلى المذهب الشيعي، فاصبح ديدننا التحرش بها والسخرية والاستهزاء بها، لأننا كنا نحسبها وفق ما كنا نعتقد أنها غير مسلمة‼ وأنّها ممن يعبدون علي بن أبي طالب، ويتهمون الأمين جبرائيل بالخيانة في تسليمه الرسالة إلى محمد (صلى الله عليه وآله)، وأنّهم من الغلاة الذين يرفعون منزلة أئمتهم إلى درجة الإلوهية، ويسجدون للحجر من دون الله، وأنّهم أشدّ على الإسلام من اليهود والنصارى.
ولكن كانت الأخت بتول رغم كلّ الاتهامات الموجهة اليها، تقابل الجميع بروح طيبة، وتحاول أن تتجنب إثارة أية حساسية بينها وبين الآخرين.
استمر الوضع على هذا المنوال، حتى صادف ذات يوم أنني تأخرت عن موعد المحاضرة، فلم أجد مكاناً للجلوس سوى جنب هذه الفتاة الشيعية التي كنت اتجنب التقرّب اليها فيما سبق.
فجلست بجنبها وأنا مستاءة من الوضع، لأنني شعرت بحالة من الاشمئزاز تحيط وجودي نتيجة قربي منها، ولكنني حاولت أن أسيطر على انفعالاتي، وقلت في نفسي: مالي وشأنها، دعي كلا منّا على دينه ومذهبه، فكل انسان يتحمل بنفسه تبعات العقيدة التي يختارها.
وصادف أن كان موضوع محاضرة الاستاذ في ذلك اليوم حول الشيعة وجعل الاستاذ يطعن ويستهزئ بأفكارهم، فالتفت إلى بتول فرأيتها مستغربة مما يقال عن مذهبهم.
فألتفت اليها قائلة: ما لي أراك مستاءة، فقالت: ما ذكره الأستاذ حول الشيعة والتشيع ليس الاّ مجرد أوهام وادعاءات كاذبة، وأنّ التشيع بريء من جميع هذه الأمورالتي يتهمه بها من لا يخش الله فيما يقول.
ثم حاولت الأخت بتول أن تسيطر على زمام انفعالاتها النفسية، ثم أبدت استعدادها للبحث مع لمياء وطلبت منها أن تمنحها فرصة أكبر لتبين لها المزيد من حقائق الأمور. فقبلت لمياء ذلك وتم الاتفاق أن يذهبا معاً إلى الكافتيريا.
فلما استقر بهما المكان في الكافتيريا وتوفر الجو المناسب لفتح باب الحديث.
قالت بتول: هل صادف أن قرأت كتاباً حول الشيعة، ليكون تقييمك لهم عن دليل وبرهان لا عن تبعية وتقليد؟
أجابت لمياء: نعم، قرأت بعض الكتب من قبيل كتب أحمد أمين وغيرها.
بتول: هذه الكتب في الحقيقة لا يصح الاعتماد عليها لمعرفة التشيع، لأنّ في نفوس مؤلفيها شائبة نحو التشيع وهم ممن ليس بوسعهم أن يكتبوا بموضوعية حول مذهب أهل البيت (عليهم السلام).
قالت لمياء لبتول: إنّ المذاهب الإسلامية أربعة لا غير، وأن ما سواها فليس من الإسلام في شيء!
سمعت إنكم تعبدون علياً وتقدسونه، فهل يسعك، أن تبيني لي أسباب ذلك؟!
أجابت بتول: هذا افتراء نحن إنما نعتقد بإمامة علي (عليه السلام) فسألت لمياء : أخبريني عن قولكم بخيانة جبرئيل؟
بتول: هذه أيضاً تهمة قد الصقت بنا من قبل المخالفين من أجل تشويه سمعتنا، وإنّ من له أدنى معرفة بعقائد الشيعة يعلم أنّهم يعتقدون بعصمة الأنبياء والأئمة رغم كونهم من البشر، وإنّ دلّ هذا على شيء فإنما يدل من باب الأولى على قولهم بعصمة ملك مقرب عند الله وهو جبرئيل.
تقول الأخت لمياء: ثم تطرقنا إلى مواضيع عديدة، وبعد انتهاء الجلسة شعرت بخطئي في مجال تعصبي لمذهب أجهل الكثير من صحة أدلته ومبانيه، وأحسست أنني بحاجه إلى تخصيص ساعات من وقتي للمطالعة والتنقيب حول الأمور العقائدية والدينية.
كما أنني بعد انتهاء الجلسه شعرت بزوال أي نفور وكدورة إزاء مذهب التشيع، ثم أثير هذا التساؤل في نفسي: يا ترى هل يأتي يوم أجد فيه نفسي منتمية للتشيع، فارتعدت فرائصي وأسرعت لإمحاء هذه الصورة من ذهني، وقلت في نفسي: أستبعد مجيء هكذا يوم…
وبعد أيام عدة جاءت بتول لزيارة لمياء إلى بيتها، فانساق الكلام بينهما حتى دار حول القرآن الكريم، فقالت لمياء: يقال أن لكم مصحفاً خاصاً بكم…؟
أجابت بتول: هذه مقولة من يريد تمزيق وحدة المسلمين، وتفريق صفوفهم، وليس لنا قرآن غير ما هو متداول بين المسلمين.
فقالت لمياء: أرجو أن تبيني لي المزيد من الحقائق حول الشيعة والتشيع…حدثيني عن أدلتكم في أحقية علي بن أبي طالب حدثيني عن الحسين (عليه السلام)، وعن سبب بكائكم عليه، حدثيني عن توسلكم وتبرككم بأضرحة أئمتكم، حدثيني عن سبب اختلافنا معكم في طريقة الوضوء وبعض أجزاء الصلاة و….
عندها مدّت الأخت بتول يدها إلى حقيبتها وأخرجت منها مجموعة من الكتب وقالت للمياء: من أهم الأمور التي دعتني للإعجاب بشخصيتك هي تطلعك بالعلم والمعرفة، فلهذا حملت معي عند مجيئي اليك بعض الكتب المؤلفة من قبل المستبصرين الذين اعتنقوا مذهب التشيع ثم ألفوا حول استبصارهم، فأحببت أن أقدّم لك هذه الكتب، لتتمكني بعد مطالعتها من الحصول على إجابة الأسئلة التي تدور في ذهنك ففرحت الأخت لمياء بذلك وتقبلت منها الكتب بشوق ورحابه صدر.
انكبت لمياء بعد ذلك في فترات فراغها على قراءة هذه الكتب بتأمل وإمعان، وكانت كلما تقرأ تجد أنها تكتشف الجديد في العلم والمعرفة الدينية.
تقول الأخت لمياء: كانت أكثر قضية أثارت اهتمامي بعد معرفتها، هي رزية يوم الخميس عندما طلب النبي (صلى الله عليه وآله) وهو عليل على الفراش قبل وفاته أن يأتوا له بكتف ودواة ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبدا.
فاستغربت من موقف الصحابة حينما اطلعت عليه في كتب المستبصرين، ولكنني ترويت، وأحببت أن لا أستعجل في الحكم إلّا بعد الحصول على اليقين.
فقمت بمراجعة كتب أهل السنة التي ورد أن هذه القضية التاريخية قد وردت فيها من قبيل صحيح البخاري وصحيح مسلم ومسند الإمام أحمد وتاريخ الطبري وتاريخ ابن الأثير. فتفاجأت بعد التأكد من صحة نقل هذه القضية في كتبنا المعتبرة، وعرفت أنني بحاجة إلى غربلة الكثير من معتقداتي وتمييز الصحيح والسقيم منها عن طريق البحث والتنقيب.
واصلت لمياء مطالعتها وبحثها حتى بانت لها الحقيقة، ووجدت نفسها تقترب بصورة تدريجية من فكر أهل البيت (عليهم السلام)، ولم تمض فترة حتى استقر رأيها على تغيير انتمائها واعتناق مذهب أهل البيت ( عليهم السلام)، فلم تجد أمامها سوى عقبات نفسية، فتوجهت إلى بارئها باخلاص، وطلبت منه أن يمنحها قوة اجتياز العقبات التي اعترت طريقها، فاحست بعد ذلك أنّها قادرة على حسم هذا الصراع انفسي الذي عانت منه في الآونة الاخيرة، فاتخذت قرارها النهائي واعتنقت اخيراً مذهب أهل البيت (عليهم السلام).
وتقول الأخت لمياء حول الفترة التي أعقبت استبصارها: تأسفت كثيراً على الماضي الذي عشته بلا بصيرة ولا وعي، ثم شكرت الله لتوفيره لي الأجواء المناسبة للاستبصار والاهتداء إلى سبيل الحق.
صادف استبصار لمياء أيام العشرة الأولى من شهرالمحرم، فلما التقت ببتول رأتها في رداء الحزن والأسى، وقد بان الانكسار على وجهها، فاستفسرت منها الأمر، فاخبرتها بتول بملحمة عاشوراء وكيفية مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) واهل بيته وأصحابه بأيدي أهل الجور والظلمة والطغاة.
فتأثرت لمياء بذلك، وانحدرت دموعها على خديها وتفاعلت مع المصيبة التي جرت على عترة الرسول (عليهم السلام)، ثم طلبت منها أن تأخذها معها إلى المآتم المنعقدة لإقامة العزاء على الإمام الحسين (عليه السلام) فتفاجأت بتول بذلك وجعلت تنظرإليها باستغراب، فاحتضنتها لمياء وضمتها إلى صدرها، ثم قبّلت ما بين عينيها، وقالت لها: لا إلا يسعني أن اشكرك على ما قمت به من توفير أسباب استبصاري وهدايتي وإنقاذي من الظلمات والجهل والانتقال إلى عالم النور والعلم والمعرفة.
ثم ذهبت لمياء مع بتول للمشاركة في المأتم الحسيني، حيث تقول لمياء في هذا المجال، رأيت الناس في المأتم الحسيني يبكون فتذرف الدموع الغزيرة من أعينهم، فبكيت معهم واستلهمت في ذلك المجلس الحسيني الكثير من المعاني النبيلة التي منحتني القوة والشجاعة والتضحية، واستنار وجودي بسيرة الإمام الحسين ( عليه السلام) وشعرت أن الدموع التي أذرفها أنّها تغسل معها جميع الشوائب والأدران العالقة في قلبي، وشعرت في وجودي بعد انتهاء المجلس بطهارة القلب ونقاء البصيرة واستنارة العقل وطمأنينة النفس.
وكان لتفاعل إختنا لمياء حمادة مع الملحمة الحسينية آثاره المباركة في الإستقامة على الصراط المستقيم الذي إهتدت إليه فقد بادر أقاربها واصدقائها بعد استبصارها الى استخدام شتى الاساليب لارجاعها إلى ما كانت عليه، لكن باءت جميع محاولاتهم بالفشل، فتركوها لشأنها بعد ما واجهوا صمودها واستقامتها في الثبات على مبادئها التي اعتنقتها عن دليل وبرهان.
كانت هذه مستمعينا الأكارم خلاصة قصة إختنا الكريمة لمياء حمادة من خريجات كلية الشريعة في جامعة دمشق وإهتداءها الى المذهب الحق وقد أوردتها كاملة في كتابها (وأخيراً أشرقت الروح) شكراً لكم على طيب المتابعة لهذه الحلقة من برنامج (بالحسين اهتديت) والى لقاء آخر بإذن الله نستودعكم الله بكل خير ودمتم في رعايته سالمين.