اَلْحَمْدُ لِلَّهِ بِكُلِّ ما حَمِدَهُ بِهِ اَدْنى مَلائِكَتِهِ اِلَيْهِ، واَكْرَمُ خَلْقِهِ عَلَيْهِ، واَرْضى حامِديهِ لَدَيْهِ حَمْداً يَفْضُلُ سائِرَ الْحَمْدِ، كَفَضْلِ رَبِّنا جَلَّ جَلالُهُ عَلى جَميعِ خَلْقِهِ.
ثُمَّ لَهُ الْحَمْدُ مَكانَ كُلِّ نِعْمَةٍ لَهُ عَلَيْنا، وعَلى جَميعِ عِبادِهِ الْماضينَ والْباقينَ، عَدَدَ ما اَحاطَ بِهِ عِلْمُهُ، ومِنْ جَميعِ الْاَشْياءِ اَضْعافاً مُضاعَفَةً، اَبَداً سَرْمَداً اِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ حَمْداً لا غايَةَ لِحَدِّهِ، ولا حِسابَ لِعَدِّهِ، ولا مَبْلَغَ لِاِعْدادِهِ، وَلاَ انْقِطاعَ لِاَمَدِهِ.
حَمْداً يَكُونُ وُصْلَةً اِلى طاعَتِهِ، وسَبَباً اِلى رِضْوانِهِ، وذَريعَةً اِلى مَغْفِرَتِهِ، وطَريقاً اِلى جَنَّتِهِ، وخَفيراً مِنْ نَقِمَتِهِ، واَمْناً مِنْ غَضَبِهِ، وظَهيراً عَلى طاعَتِهِ، وحاجِزاً عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وعَوْناً عَلى تَأْدِيَةِ حَقِّهِ ووَظائِفِهِ، حَمْداً نَسْعَدُ بِهِ فِى السُّعَداءِ مِنْ اَوْلِيائِهِ، ونَنْتَظِمُ بِهِ في نِظامِ الشُّهَداءِ بِسُيُوفِ اَعْدائِهِ.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي مَنَّ عَلَيْنا بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ والِه دُونَ الْاُمَمِ الْماضِيَةِ، والْقُرُونِ السَّالِفَةِ، بِقُدْرَتِهِ الَّتي لا تَعْجِزُ عَنْ شَىْءٍ واِنْ عَظُمَ، ولايَفُوتُها شَيْءٌ واِنْ لَطُفَ.
اَللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ، اَمينِكَ عَلى وَحْيكَ، ونَجيبِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وصَفِيِّكَ مِنْ عِبادِكَ، اِمامِ الرَّحْمَةِ، وقائِدِ الْخَيْرِ، ومِفْتاحِ الْبَرَكَةِ، كَما نَصَبَ لِاَمْرِكَ نَفْسَهُ، وعَرَّضَ فيكَ لِلْمَكْرُوهِ بَدَنَهُ، وكاشَفَ فِي الدُّعاءِ اِلَيْكَ حامَّتَهُ، وحارَبَ في رِضاكَ اُسْرَتَهُ، وقَطَعَ في نُصْرَةِ دينِكَ رَحِمَهُ.
وَاَقْصىَ الْأَدْنَيْنَ عَلى عُنُودِهِمْ عَنْكَ، وقَرَّبَ الْاَقْصَيْنَ عَلىَ اسْتِجابَتِهِمْ لَكَ، ووالى فيكَ الْاَبْعَدينَ، وعانَدَ فيكَ الْاَقْرَبينَ، وأَدْأَبَ نَفْسَهُ في تَبْليغِ رِسالَتِكَ، واَتْعَبَها فِي الدُّعاءِ اِلى مِلَّتِكَ، وشَغَلَها بِالنُّصْحِ لِاَهْلِ دَعْوَتِكَ.
وَهاجَرَ اِلى بِلادِ الْغُرْبَةِ ومَحَلِّ النَّأْيِ (۱) عَنْ مَوْطِنِ رَحْلِهِ (۲)، ومَوْضِعِ رِجْلِهِ، ومَسْقَطِ رَأْسِهِ، ومَأْنَسِ نَفْسِهِ، اِرادَةً مِنْهُ لِاِعْزازِ دينِكَ، واسْتِنْصاراً عَلى اَهْلِ الْكُفْرِ بِكَ، حَتَّى اسْتَتَبَّ لَهُ ما حاوَلَ في اَعْدائِكَ، واسْتَتَمَّ (۳) لَهُ ما دَبَّرَ في اَوْلِيائِكَ، فَنَهَدَ (٤) اِلَى الْمُشْرِكينَ بِكَ، مُسْتَفْتِحاً بِعَوْنِكَ ومُتَقَوِّياً عَلى ضَعْفِهِ بِنَصْرِكَ، فَغَزاهُمْ في عُقْرِ دِيارِهِمْ، وهَجَمَ عَلَيْهِمْ في بُحْبُوحَةِ (٥) قَرارِهِمْ، حَتّى ظَهَرَ اَمْرُكَ وعَلَتْ حِكْمَتُكَ وقَدْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.
اَللَّهُمَّ فَارْفَعْهُ - بِما كَدَحَ فيكَ - اِلَى الدَّرَجَةِ الْعُلْيا في جَنَّتِكَ، حَتّى لا يُساوى في مَنْزِلَةٍ، ولا يُكافَاَ في مَرْتَبَةٍ، ولا يُوازِيَهُ لَدَيْكَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، ولا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وعَرِّفْهُ في اُمَّتِهِ مِنْ حُسْنِ الشَّفاعَةِ اَجَلَّ ما وَعَدْتَهُ، يا نافِذَ الْعِدَةِ، يا وافِيَ الْقَوْلِ، يا مُبَدِّلَ السَّيِّئاتِ بِاَضْعافِها مِنَ الْحَسَناتِ، اِنَّكَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
(۱) النأي: البعد، والمراد المدينة المنوّرة.
(۲) رحله: منزله ومأواه، والمراد مكة المكرمة.
(۳) استتبّ: استقام.
(٤) نهد: نهض وبرز.
(٥) بحبوحة الشيء: وسط الشيء.
*******
المصدر: الصحيفة العلوية