اَنْتَ الَّذي وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِالرَّحْمَةِ، واَنْتَ الَّذي سَمَّيْتَ نَفْسَكَ بِالْعَفْوِ، فَارْحَمْني واعْفُ عَنّي، فَقَدْ تَرى يا سَيِّدي فَيْضَ دُمُوعي مِنْ خيفَتِكَ، ووَجيبَ (۸) قَلْبي مِنْ خَشْيَتِكَ وانْتِفاضَ جَوارِحي مِنْ هَيْبَتِكَ، كُلُّ ذلِكَ حَياءً مِنْكَ بِسُوءِ عَمَلي، وخَجَلاً مِنْكَ لِكَثْرَةِ ذُنُوبي، قَدْ كَلَّ لِساني عَنْ مُناجاتِكَ وخَمَدَ (۹) صَوْتي عَنِ الْجَأْرِ (۱۰) اِلَيْكَ.
يا اِلهي فَكُمْ مِنْ عَيْبٍ سَتَرْتَهُ عَلَىَّ فَلَمْ تَفْضَحْني، وكَمْ مِنْ ذَنْبٍ غَطَّيْتَ عَلَىَّ فَلَمْ تَشْهَرْني، وكَمْ مِنْ عائِبَةٍ اَلْمَمْتُ بِها فَلَمْ تَهْتِكْ عَنّي سِتْرَها، ولَمْ تُقَلِّدْني مَكْرُوهَ شَنارِها (۱۱)، ولَمْ تُبْدِ عَلَىَّ مُحَرَّماتِ سَوْاتِها، فيمَنْ يَلْتَمِسُ مَعايِبي مِنْ جيرَتي وحَسَدَةِ نِعْمَتِكَ عِنْدي، ثُمَّ لَمْ يَنْهَني ذلِكَ حَتّى صِرْتُ اِلى أَسْوَءِ ما عَهِدْتَ مِنّي.
فَمَنْ اَجْهَلُ مِنّي يا سَيِّدي بِرُشْدِكَ، ومَنْ اَغْفَلُ مِنّي عَنْ حَظِّهِ مِنْكَ، ومَنْ اَبْعَدُ مِنّي مِنِ اسْتِصْلاحِ نَفْسِهِ حينَ اَنْفَقْتُ ما اَجْرَيْتَ عَلَىَّ مِنْ رِزْقِكَ فيما نَهَيْتَني عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَتِكَ.
ومَنْ اَبْعَدُ غَوْراً (۱۲) فِي الْباطِلِ، واَشَدُّ اِقْداماً عَلَى السُّوءِ مِنّي حينَ اَقِفُ بَيْنَ دَعْوَتِكَ ودَعْوَةِ الشَّيْطانِ، فَاَتَّبِعُ دَعْوَتَهُ عَلى غَيْرِ عَمىً عَنِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ، ولانِسْيانٍ مِنْ حِفْظي لَهُ، واَنَا حينَئِذٍ مُوقِنٌ اَنَّ مُنْتَهى دَعْوَتِكَ الْجَنَّةُ، ومُنْتَهى دَعْوَتِهِ النَّارُ.
(۸) الوجيب: الخفقان والاضطراب.
(۹) خمد: سكن.
(۱۰) الجأر: رفع الصوت والاستغاثة.
(۱۱) شنارها: عارها.
(۱۲) غوراً: عمقاً.