ها هي الشعائر الحسينية – أيها الإخوة الأحبة – تقام في روح دينية عاطفية، تزخر بالولاء ومحبة النبي وأهل بيته الطيبين سلام الله عليه وعليهم أجمعين. يشترك فيها الشعراء والخطباء والأدباء، ويجتمع عليها الفقراء والأغنياء، والرجال والأطفال والنساء، تقام في كل مناسبة وموسم، حتى قال الشاعر:
في كل عام لنا في العشر واعية
تطبق الدور و الأرجاء والسككا
وكل مسلمة ترمي بزينتها
حتى السماء رمت عن وجهها الحبكا
نعم.. حيث تنهض الهمم الغيورة، والعزائم المجدة العالية، لتقيم المآتم الحسينية المجللة، وهي ترشح آيات وروايات، ومواعظ وأحاديث نور، ووقائع تاريخ، وحقائق موقظة، وحالات مودة لذوي القربي، قربى رسول الله المصطفى محمد صلى الله عليه وآله.
وحينا بعد حين، وزمنا بعد زمن، ودهرا بعد آخر، تتسع _أيها الإخوة الأعزة_ هداية الحسين صلوات الله عليه، فتعم المساجد والجوامع، والبيوت والحسينيات ودور المعابد، لتحلق في آفاق المواقع والشبكات والفضائيات العالمية، بعد أن امتدت إلى آلاف الكتب والنشرات، والبيانات واللوحات الخطية والتصويرية، والحساسة الإلكترونية والكمبيوترية..
وتلك بعض الفتوحات الحسينية المتعددة المجالات والآفاق، في كل زمان ومكان. كل هذا ينعم به المسلمون الموالون والمحبون، فيهتدي بها كثير من النصارى واليهود والهندوس، وغيرهم من الملل والأقوام والديانات حيث تعقد المجالس الحسينية في كل مكان من قبل الموالين والمحبين، ويجتمع معهم جمع كبير من المتعاطفين.
فيما القلوب تبقى تخفق نحو كربلاء، حيث المرقد المبارك النير الزاكي العاطر، الذي كلت الأقدام والألسن عن بيان أدواره، وفضائله وآثاره. كذلك تبقى الأرواح ترفرف وتحوم حول جميع آثار الإمام الحسين في كربلاء المعلاة، وفي سوريا حيث المقام الزينبي الشامخ، وحرم السيدة رقية بنت الحسين، ومشهد النقطة، ومشهد الشهيد السقط، ومقام رأس الحسين في سوريا والآخر في القاهرة، ومقام رؤوس شهداء كربلاء، وقبور آل الحسين وأصحاب الحسين، سلام الله عليهم..
ويبقى الإمام أبو عبد الله، سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة، هو الإمام الحق، يأخذ بأيدي الملأ إلى مصاف الرحمة وآفاق النور وسبيل النجاة، فهو وسيلة النجاة من قبل ومن بعد، في حياته المباركة، وفي شهادته السامقة، وبعد ذلك طريحا جريحا، ودفينا مزورا..ويبقى الحسين ريحانة المصطفى منارا هاديا يرشد إلى الصلاح والنقاء، ويربي على الإيمان والتقى، والعروج إلى درجات القرب، ويفتح للبصائر آفاق المعرفة والولاء.
ويبقى الحسين حيا يفيض خيرا على العوالم بأخلاقه السامية السماوية، ومعجزاته الرحمتية، وشهادته القدسية، ودمائه الزاكية.. وسيبقى صلوات الله عليه سر هداية، وسبب هداية، ومنار هداية، حتى يعترف المهتدون أنهم اهتدوا بالحسين، سلام الله على الحسين.
مستمعينا الأفاضل، من الذين اهتدوا إلى الدين الحق ببركة الشعائر الحسينية الكولونيل البريطاني (لبنس هوبت).. ننقل لكم قصته من موقع الكفيل التابع للعتبة المقدسة لحامل اللواء الحسيني أبي الفضل العباس سلام الله عليه..
هذا الضابط شد رحاله مع فرقته العسكرية إلى العراق أيام كان العراق تحت الإنتداب البريطاني.. كان يومها يفكر بالمهام التي أوكلت إليه لكنه لم يكن يخطر بباله أن رحلته هذه ستغير مجرى حياته بالكامل وأنه على موعد لركوب سفينة النجاة.
عندما دخل العراق وجد الكولونيل نفسه في عالم جديد لم يعهد له مثيلا من قبل.. ليس لإختلاف العادات والتقاليد الإجتماعية التي شاهدها عما ألفه في مجتمعه فقد كان مستوعبا لهذا الإختلاف.. بل لأنه عايش هزته من الأعماق طوال خمس سنوات قضاها في العراق...
إنها صور ومشاهدات شعائر سيد الشهداء رأتها عيناه وانطبعت في ذهنه واعتملت في نفسه فطفق يفكر ويتأمل فيها.. أخذ يتسائل: لماذا يفعل هؤلاء ما يفعلون ؟ لماذا هذا البكاء ؟ ولماذا هذا اللطم والحزن وكل هذه المواكب العزائية المهيبة ؟
وفي ليلة عاشورائية جللها الحزن والسواد وقف هذا الكولونيل البريطاني على مقربة من هذه المواكب العزائية التي يريد فهمها، شاهد الآلاف المؤلفة تتدفق من كل حدب وصوب وهي تنتحب وتندب وتلطم بلوعة وهي تتوجه إلى حيث شيدت قبة ذهبية بنيت على ضريح بات محورا تجتمع حوله...
لم يدر (هوبت) وهو العسكري الذي لا يهتز بسهولة، لم يدر لماذا لم يستطع كبح جماح نفسه عندما رأى تلك المناظر، لقد دمعت عيناه لا إراديا وأخذ يبكي مع الباكين.
وأحس الكولونيل أن ثمة أمرا فطريا يحرك كل هذه الجماهير، ولأنه فطري لم يستطع هو أن يقاومه حينما تقاطر الدمع من عينيه. وكانت الخطوة الأولى نحو ركوب سفينة النجاة.. لقد سأل الكولونيل أحد من كان هناك عما يراه، فأجابه قائلا: إنه الحسين... إنه الحسين..
وهكذا وجد الكولونيل نفسه مندفعا للبحث في هذا الأمر والتعرف على الحسين وكانت النتيجة أنه وجد نفسه غارقا في حب الحسين..
لقد تعرف على ملحمته العظيمة وعلى المثل العليا والقيم والسجايا التي استشهد صلوات الله عليه من أجلها.. فوجد نفسه مندفعا طواعية وفطريا لكي يهتف: يا أبا عبد الله الحسين …أشهد أن لا إله إلا الله... أشهد أن محمدا رسول الله.. أشهد أن عليا ولي الله...
وبهذا أصبح الإسم الجديد للكولونيل (لبنس هوبت) هو عبد الله هوبت.. وليكون علامة على صياغة حياة جديدة، ولد فيها من جديد في عالم مفعم بروح الإيمان وأريج الولاية.
وبينما كان عبد الله هوبت يستعد – وللمرة الأولى – لدخول حرم الحسين عليه السلام، إستعادت ذاكرته ما قرأه عما جرى في هذا المكان قبل ما ينيف على ۱۳۰۰ عام.. فانتابته مشاعر لا توصف، لقد تملكته العبرة وكان قلبه يزداد خفقانا ودموعه تسيل على خديه... إخترق الجموع و وصل إلى الضريح المقدس ملتصقا به وهو يشعر بأن الإمام قد استقبله فاتحا ذراعيه فارتمى بين يديه... كان يقبل الضريح مناجيا باكيا.. وهو يعاهد إمامه على الثبات على الولاء وبذل كل ما يستطيع من أجل تعريف قومه إذا رجع إليهم بمظلومية الحسين ورسالة الحسين...
ووفى الكولونيل (عبد الله هوبت) بعهده، فحينما عاد إلى لندن سنة ۱۹٦۲ للميلاد.. جمع معارفه وأصدقائه وكل من إستطاع جمعه وشرع يحدثهم عن الحسين ومقتل الحسين – عليه السلام - وبذلك حاز شرف كونه أول من أقام مجلسا حسينيا في العاصمة البريطانية.. فرحمة الله ورضوانه عليه وهنيئا له الإهتداء بالحسين وولاء الحسين.
وإلى هنا ينتهي مستمعينا الأكارم لقاء اليوم من برنامج (بالحسين اهتديت) إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران، تقبل الله منكم جميل الصحبة ودمتم في رعايته سالمين.