رزقك مبسوط لمن عصاك وحلمك معرض لمن ناواك (۷) وعادتك الإحسان إلى المسيئين وسنتك الإبقاء على المعتدين حتى لقد غرتهم أناتك (۸) عن النزوع وصدهم (۹) إمهالك عن الرجوع وإنما تأنيت بهم ليفيئوا إلى (۱۰) أمرك وأمهلتهم ثقة بدوام ملكك فمن كان من أهل السعادة ختمت له بها ومن كان من أهل الشقاوة خذلته لها.
كلهم صائر إلى رحمتك وأمورهم آئلة (۱۱) إلى أمرك لم يهن على طول مدتهم سلطانك ولم تدحض (۱۲) لترك معاجلتهم حججك حجتك قائمة وسلطانك ثابت فالويل الدائم لمن جنح (۱۳) عنك والخيبة الخاذلة لمن خاب أمله منك والشقاء الأشقى لمن اغتر بك.
ما أكثر تقلبه في عذابك وما أعظم تردده في عقابك وما أبعد غايته من الفرج وما أثبطه من سهولة المخرج عدلا من قضائك لا تجور فيه وإنصافا من حكمك لا تحيف (۱٤) عليه.
قد ظاهرت الحجج (۱٥) وأزلت الأعذار وتقدمت بالوعيد وتلطفت في الترغيب وضربت الأمثال وأطلت الإمهال وأخرت وأنت مستطيع للمعاجلة وتأنيت وأنت مليء بالمبادرة لم تك أناتك عجزا ولا حلمك وهنا (۱٦) لا إمساكك لعلة ولا انتظارك لمداراة بل لتكون حجتك الأبلغ وكرمك الأكمل وإحسانك الأوفى ونعمتك الأتم كل ذلك كان ولم يزل وهو كائن لا يزول.
نعمتك اجل من ان توصف بكلها، ومجدك ارفع من ان يمدّ بكنهه (۱۷)، واحسانك اكبر من ان يشكر على اقله، فقد اقصرت ساكتاً عن تحميدك، وتهيّبت ممسكاً عن تمجيدك، لارغبة يا الهي عنك بل عجزاً، ولا زهداً فيما عندك بل تقصيراً، وها انا يا الهي اؤمل بالوفادة، واسألك حسن الافادة (۱۸).
فاسمع ندائي، واستجب دعائي، ولا تختم عملي بخيبتي، ولا تجبهني بالردّ في مسألتي، واكرم من عندك منصرفي، انك غير ضائق عما يريد، ولا عاجز عما تشاء، وانت على كل شيء قدير.
(۷) ناواك: عاداك.
(۸) اناتك: حلمك.
(۹) صدهم: صرفهم ومنعهم.
(۱۰) ليفيؤوا: ليرجعوا.
(۱۱) آئلة: راجعة.
(۱۲) يدحض: يبطل.
(۱۳) جنح: مال وانحرف.
(۱٤) لاتحيف: لاتجور.
(۱٥) ظاهرت: كثرت وتابعت.
(۱٦) وهناً: ضعفاً.
(۱۷) كنهه: حقيقته ونهايته.
(۱۸) الرفادة: العطاء والمعونة.