الخطبة ۱۰٥: في تهديد بني امية وعظة الناس
فَمَا اِحْلَوْلَتْ لَكُمُ اَلدُّنْيَا فِي لَذَّتِهَا، ولاَ تَمَكَّنْتُمْ مِنْ رَضَاعِ أَخْلاَفِهَا، إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا صَادَفْتُمُوهَا جَائِلاً خِطَامُهَا، قَلِقاً وَضِينُهَا، قَدْ صَارَ حَرَامُهَا عِنْدَ أَقْوَامٍ بِمَنْزِلَةِ اَلسِّدْرِ اَلْمَخْضُودِ، وحَلاَلُهَا بَعِيداً غَيْرَ مَوْجُودٍ، وصَادَفْتُمُوهَا واَللَّهِ ظِلاًّ مَمْدُوداً إِلَى أَجْلٍ مَعْدُودٍ، فَالْأَرْضُ لَكُمْ شَاغِرَةٌ، وأَيْدِيكُمْ فِيهَا مَبْسُوطَةٌ، وأَيْدِي اَلْقَادَةِ عَنْكُمْ مَكْفُوفَةٌ، وسُيُوفُكُمْ عَلَيْهِمْ مُسَلَّطَةٌ، وسُيُوفُهُمْ عَنْكُمْ مَقْبُوضَةٌ، أَلاَ واِنَّ لِكُلِّ دَمٍ ثَائِراً، ولِكُلِّ حَقٍّ طَالِباً، وأَنَّ اَلثَّائِرَ فِي دِمَائِنَا، كَالْحَاكِمِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وهُوَ اَللَّهُ اَلَّذِي لاَ يُعْجِزُهُ مَنْ طَلَبَ، ولاَ يَفُوتُهُ مَنْ هَرَبَ، فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ يَا بَنِي أُمَيَّةَ عَمَّا قَلِيلٍ لَتَعْرِفُنَّهَا فِي أَيْدِي غَيْرِكُمْ، وفِي دَارِ عَدُوِّكُمْ، أَلاَ إِنَّ أَبْصَرَ اَلْأَبْصَارِ مَا نَفَذَ فِي اَلْخَيْرِ طَرْفُهُ، أَلاَ إِنَّ أَسْمَعَ اَلْأَسْمَاعِ مَا وَعَى اَلتَّذْكِيرَ وقَبِلَهُ، أَيُّهَا اَلنَّاسُ، اِسْتَصْبِحُوا مِنْ شُعْلَةِ مِصْبَاحِ وَاعِظٍ مُتَّعِظٍ، واِمْتَاحُوا مِنْ صَفْوِ عَيْنٍ قَدْ رُوِّقَتْ مِنَ اَلْكَدَرِ، عِبَادَ اللَّهِ، لاَ تَرْكَنُوا إِلَى جَهَالَتِكُمْ، ولاَ تَنْقَادُوا لِأَهْوَائِكُمْ، فَإِنَّ اَلنَّازِلَ بِهَذَا اَلْمَنْزِلِ نَازِلٌ بِشَفَا جُرُفٍ هَارٍ يَنْقُلُ اَلرَّدَى عَلَى ظَهْرِهِ، مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ، لِرَأْيٍ يُحْدِثُهُ بَعْدَ رَأْيٍ، يُرِيدُ أَنْ يُلْصِقَ مَا لاَ يَلْتَصِقُ، ويُقَرِّبُ مَا لاَ يَتَقَارَبُ، فَاللَّهَ اَللَّهَ، أَنْ تَشْكُوا إِلَى مَنْ لاَ يُشْكِي شَجْوَكُمْ، ولاَ يَنْقُضُ بِرَأْيِهِ مَا قَدْ أُبْرِمَ لَكُمْ، إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى اَلْإِمَامِ إِلاَّ مَا حُمِّلَ مِنْ أَمْرِ رَبِّهِ، اَلْإِبْلاَغُ فِي اَلْمَوْعِظَةِ، واَلاِجْتِهَادُ فِي اَلنَّصِيحَةِ، واَلْإِحْيَاءُ لِلسُّنَّةِ، وإِقَامَةُ اَلْحُدُودِ عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا، وإِصْدَارُ اَلسُّهْمَانِ عَلَى أَهْلِهَا، فَبَادِرُوا اَلْعِلْمَ مِنْ قَبْلِ تَصْوِيحِ نَبْتِهِ، ومِنْ قَبْلِ أَنْ تُشْغَلُوا بِأَنْفُسِكُمْ، عَنْ مُسْتَثَارِ اَلْعِلْمِ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ، واِنْهَوْا عَنِ اَلْمُنْكَرِ وتَنَاهَوْا عَنْهُ، فَإِنَّمَا أُمِرْتُمْ بِالنَّهْيِ، بَعْدَ اَلتَّنَاهِي.