السلام عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة من الله وبركات..
أهلاً بكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج نستجلي فيها صوراً أخرى من الجماليات التي زخرت بها الملحمة الحسينية.. وهي الملحمة المعطاء التي لم ير فيها إلا كل جميل في مواقف أصحابها وفي جميل صنع الله بهم – صلوات الله عليهم -.
وهذا ما شهدت إبنة أمير العرفاء ومولاهم الإمام علي – عليه السلام – مولاتنا الصديقة الطاهرة زينب الكبرى وهي تخاطب الطاغية إبن زياد وقد أدخلوها عليه مع الأسارى المحمديين، فأبدى شماتة بقتل الحسين وصحبه – سلام الله عليه وعليهم – وقال لها: كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيته فأجابته: ما رأيت إلا جميلا..
مستمعينا الأفاضل، في لقاء نتوقف دقائق عند تجليات جمالية النصح الصادق للسفير الحسيني المولى الغريب، مسلم بن عقيل – سلام الله عليه -، وتجليات صدق المواساة للحسين ونصرته – عليه السلام -، وجماليات إحترام رأي الأرقاء الذين لم تكن تحترم آراؤهم، وجماليات صدق الحب الحسيني الذي دفع المحب الى ينزع درعه ولامة حربه التي تقيه غدر الأعداء، لعله مواساة لمولاه وحبيبه الحسين – صلوات الله عليه – الذي داست الخيول صدره ومزقت السهام قلبه..
كل هذه الجماليات وغيرها تجلت في العبد الحسيني الصالح عابس بن شبيب الشاكري.. نتأمل أولاً في جمالية النصح الصادق وصدق الإستعداد للتضحية، جاء في كتاب مقتل الحسين لأبي مخنف:
(أقبل مسلم حتى دخل الكوفة فنزل دار المختار بن أبي عبيدة وأقبلت الشيعة تختلف إليه، فلما اجتمعت إليه جماعة منهم قرأ عليهم كتاب حسين فأخذوا يبكون، فقام عابس بن أبي شبيب الشاكري فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني لا أخبرك عن الناس، ولا أعلم ما في أنفسهم، وما أغرك منهم، والله أحدثك عما أنا موطن نفسي عليه، والله لأجبينكم إذا دعوتم، ولأقاتلن معكم عدوكم ولأضربن بسيفي دونكم حتى ألقى الله، لا أريد بذلك إلا ما عند الله. فقام حبيب بن مظاهر فقال: رحمك الله قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك، ثم قال: وأنا والله الذي لا إله إلا هو على مثل ما هذا عليه).
ومن جمالية هذا النصح الصادق الذي أبداه العبد الحسيني الصالح عابس الشاكري لسفير الحسين – صلوات الله عليه – المولى الغريب مسلم بن عقيل – سلام الله عليه – ننقلكم أعزاءنا المستمعين الى جماليات أخرى جلاها هذا العبد الصالح في يوم عاشوراء، منها جمالية عظيم إحترامه للغلام شوذب وهو من الأرقاء الذين لم يكن يقام لآرائهم وزناً، إحترام تجلى أولاً في احترامه لحريته في قرار نصرة سيد الشهداء واستمر في مخاطبته كأخ يراه بروحه الحسينية المحمدية أقرب الخلق إليه..
ومنها جمالية طريقة شهادته، وهو يندفع إليها بحب الحسين – صلوات الله عليه – جاء في كتاب مقتل الحسين لأبي مخنف وغيره:
(جاء عابس بن أبي شبيب الشاكري ومعه شوذب مولى شاكر، فقال يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟ قال: ما أصنع أقاتل معك دون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله حتى أقتل، قال: ذلك الظن بك فتقدم بين يدي أبي عبدالله حتى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه، وحتى أحتسبك أنا، فإنه لو كان معي الساعة أحد، أنا أولى به مني بك لسرني أن يتقدم بين يدي حتى أحتسبه، فإن هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر فيه بكل ما قدرنا عليه، فإنه لا عمل بعد اليوم وإنما هو الحساب.
قال الراوي فتقدم شوذب فسلم على الحسين، ثم مضى فقاتل حتى قتل – رضوان الله عليه – ثم تقدم عابس بن أبي شبيب نحو الحسين – عليه السلام – وقال: يا أباعبدالله أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعز علي ولا أحب إلي منك، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعز علي من نفسي ودمي لفعلته، السلام عليك يا أباعبدالله أشهد الله أني على هديك وهدي أبيك.
قال الراوي: ثم مشى – رضوان الله عليه – بالسيف مصلتاً نحو عسكر الأمويين وبه ضربة على جبينه. قال أبو مخنف – حدثني نمير بن وعلة عن رجل من بني عبد من همدان يقال له ربيع بن تميم شهد ذلك اليوم قال: لما رأيته مقبلاً عرفته وقد شاهدته في المغازي وكان أشجع الناس، فقلت: أيها الناس هذا أسد الأسود، هذا ابن أبي شبيب لا يخرجن إليه أحد منكم، فأخذ ينادي الأرجل الرجل، فقال عمر بن سعد: أرضخوه بالحجارة، قال: فرمى بالحجارة من كل جانب، فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفره، ثم شد على الناس فو الله لرأيته يكرد أكثر من مأتين من الناس، ثم أنهم تعطفوا عليه من كل جانب فقتل. قال: فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدة هذا يقول: أنا قتلته، وهذا يقول: أنا قتلته فاتوا عمر بن سعد فقال: لا تختصموا هذا لم يقتله سنان واحد ففرق بينهم بهذا القول.
أيها الإخوة والأخوات، وينقل أنه لما ألقى عابس بن شبيب درعه ومغرفه اللذين يحميان صدر المقاتل ورأسه؛ إستغرب فعله من حوله من عساكر البغي الأموي، وقال له بعض من حضر: ويحك يا عابس، هل جننت لتخلع عنك درعك ومغرفك؟!
فأجابهم قائلاً: حب الحسين أجنني..
وقد اهتم أدباء الملحمة الحسينية بتخليد هذا الموقف الفدائي الجميل في أشعارهم نختار منها المقطع التالي من قصيدة طويلة أنشأها في مدح أنصار الحسين – عليه السلام – الأديب الولائي العالم آية الله السيد محمد جمال الهاشمي حيث قال – رضوان الله عليه – كما في كتاب مستدركات أعيان الشيعة للسيد حسن الأمين:
وانظروا عابسا وقد هاجم
الجيش ففرت أمامه الأكفاء
فهو ليث والحرب غاب وأبطال
الوغى حينما يهاجم شاء
فلذا عنه أحجمت فرق الجيش
وطاشت غاراته الشعواء
وقف القرم ينزع الدرع كي
ترجع شوقا لقتله الأعداء
وهنا صاح فيه من عسكر القوم
جبان، هاجت به السوداء
عابس جن، قال: حب الحسين
منه جنت أنصاره الأوفياء
فاتته السيوف تخمد نورا
لم يزل وهو لاهب لآلاء
شهداء عاشوا مع الخلد، كي
تنشر منها الظلال والأنداء
تتهادى الأحرار في طرق قد
رف منهم على الحياة اللواء
فعليهم تحية الروح، تندى
من شعور يفيض منه الولاء
وبهذا نصل مستمعينا الأكارم الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم ما رأيت إلا جميلا إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.. لكم منا أجمل الشكر على جميل الإصغاء والمتابعة والى حلقة مقبلة بإذن الله.. دمتم في رعاية الله غانمين والحمد لله رب العالمين.