بسم الله وله الحمد جميل الصنع وحسن التدبير تبارك وتعالى نبع كل جميل والصلاة والسلام على مشارق جمال الله وجلاله المصطفى الذي بلغ العلى بكماله وآله الأطيبين الطاهرين.
سلام من الله عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة منه وبركات..
معكم أعزاءنا في لقاء جديد من هذا البرنامج، نستكشف فيها مصاديق أخرى للكلمة الزينبية الخالدة: ما رأيت إلا جميلا.
مصاديق فريدة جلتها للعالمين الملحمة الحسينية الزينبية منذ بدئها، وظهرت بأجمل صورها في مواقف الحسينيين وهم يبتغون مرضاة الله بنصرة مصباح هداه سيد الشهداء – صلوات الله عليه -.
نلتقيكم أيها الأحبة لنتأمل معاً في جمالية الغيرة على الله ورسوله وأوليائه المعصومين وهي تجذب قلوب المؤنين بجميل تجليها في أنصار الحسين – صلوات الله عليه وعليهم أجمعين – تابعونا مشكورين.
نبدأ أيها الأكارم بالمشهد التالي الذي يصور استشهاد السفير الحسيني الغيور قيس بن مسهر الصيداوي – رضوان الله عليه – قال الرواة:
كتب الحسين عليه السلام كتابا الى سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجية ورفاعة بن شداد وجماعة من الشيعة بالكوفة وبعث به مع قيس بن مسهر الصيداوي فلما قارب دخول الكوفة اعترضه الحصين بن نمير صاحب عبيدالله بن زياد (لع) ليفتشه فأخرج قيس الكتاب ومزقه، فحمله الحصين بن نمير الى عبيدالله بن زياد، فلما مثل بين يديه قال له: من أنت؟ قال: رجل من شيعة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وإبنه.. قال: فلماذا خرقت الكتاب، قال: لئلا تعلم ما فيه.. قال: وممن الكتاب والى من؟ قال: من الحسين عليه السلام الى جماعة من أهل الكوفة لا أعرفك أسمائهم، فغضب ابن زياد وقال: والله لا تفارقني حتى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم أو تصعد المنبر فتلعن الحسين بن علي وأباه وأخاه، وإلا قطعتك إربا إربا.. فقال قيس أما القوم فلا أخبرك بأسمائهم، وأما اللعن فأفعل، فصعد – رضوان الله عليه – المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأكثر من الترحم على علي والحسن والحسين عليهم السلام ثم لعن عبيدالله بن زياد وأباه ولعن عتاة بني أمية عن آخرهم.. ثم قال: أيها الناس أنا رسول الحسين عليه السلام إليكم وقد خلفته بموضع كذا فأجيبوه. فاستشاط ابن زياد غضباً فأمر بإلقائه من أعالي القصر، فألقي من هناك فسقط على الأرض وبه – رضوان الله عليه – رمق، فجاءه قاضي الكوفة من قبل البلاط الأموي عبدالملك اللخمي فقطع بقسوة بالغة رأسه الشريف وهو يستشعر بنشوة إنتصار اللؤم والأحقاد، فلما عوتب على فعلته الشنعاء قال – لعنه الله -: إنما أردت أن أريحه.
ونتابع أيها الأكارم هذه الرواية لنجد جمالية وفاء الحسين لأصحابه، إذ ذكر المؤرخون أنه – عليه السلام – لما بلغه نبأ استشهاد هذا النصير الوفي ومواساته المسبقة له بقطع الرأس، إستعبر وجرت دموعه حارة، ثم رفع يديه الى السماء وقال: "اللهم إجعل لنا ولشيعتنا منزلاً كريماً وأجمع بيننا وبينهم في مسنقر من رحمتك إنك على كل شيء قدير".
مستمعينا الأطائب، ونلمح جمالية الغيرة الإيمانية على رسول الله وذريته الأطيبين تتجلى بقوة في شيخ حفاظ القرآن العلويين في الكوفة برير بن حضير الهمداني، في المشهد التالي الذي نقله المؤرخون ضمن حوادث ليلة عاشوراء، تلك الليلة التي شهدت أجمل مظاهر التعبد التوحيدي تشع أنوارها في المخيم الحسيني من تلاوة القرآن والصلاة والدعاء.
روي عن ابن الأعثم الكوفي في كتاب الفتوح والحافظ الخوارزمي في كتاب المقتل، قالا: جاء شمربن ذي الجوشن في نصف الليل من ليلة عاشوراء يتجسس ومعه جماعة من أصحابه حتى قارب معسكر الحسين – عليه السلام – فسمعوا الحسين يتلو قوله تعالى: "وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ{۱۷۸} مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ...." (سورة آل عمران ۱۷۸ – ۱۷۹)
فصاح رجل من أصحاب شمر: نحن ورب الكعبة الطيبون، وأنتم الخبيثون وقد ميزنا منكم، فقطع برير بن خضير الهمداني صلاته، ثم نادى: يا فاسق، يا فاجر! يا عدو الله، أمثلك يكون من الطيبين!؟ والحسين بن رسول الله من الخبيثين، والله ما أنت إلا بهيمة لا تعقل ما تأتي وما تذر، فابشر يا عدو الله بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم، فصاح شمر: إن الله قاتلك وقاتل صاحبك عن قريب.. فقال برير أبالموت تخوفني؟! والله إن الموت مع ابن رسول الله – صلى الله عليه وآله – أحب إلي من الحياة معكم، والله لا نال شفاعة محمد – صلى الله عليه وآله – قوماً أراقوا دماء ذريته وأهل بيته! فجاء إليه رجل من أصحابه وقال: يا برير إن أباعبدالله يقول لك: إرجع الى موضعك ولا تخاطب القوم، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء، فلقد نصحت وأبلغت في النصح والدعاء.
إنها إذن مستمعينا الأفاضل غيرة الإيمان الصادق على الله ورسوله – صلى الله عليه وآله – تتجلى بكل صدق وعنفوان مقرونين بالنصح في مواقف أنصار الحسين – صلوات الله عليه وعلهيم – ويزيد من جمالية هذه الغيرة الإيمانية إقترانها بأجمل صور الإنتصار على إرعاب الظالمين وهم يسلطون سيوف غدرهم على معسكر الإيمان. سيوف قطعت أشلاء اولئك الغيارى ولكن جميل صنع الجميل تبارك وتعالى أبى إلا أن ينصرهم نصراً خالداً إذ جعلهم – رضوان الله عليهم – منارات خالدة يستنير بهم كل غيارى الإيمان ويقفون أمامهم بكل الإجلال والإكرام ويبقى وجه ربك ذوالجلال والإكرام.
أطيب الشكر وأجمله نقدمه لكم مستمعينا الأكارم على طيب الإستماع لحلقة اليوم من برنامجكم ما رأيت إلا جميلا إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، تقبل الله أعمالكم ودمتم في رعايته سالمين.