بسم الله وله الحمد إذ من علينا بمن أظهر مشارق الأرض جماله الأبهى وإحسانه القديم حبيبه سيدنا الهادي المختار وآله الأطهار صلواته وتحياته وبركاته عليهم آناء الليل وأطراف النهار.
السلام عليكم أيها الأطائب ورحمة الله وبركاته.. معكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج هي الثالثة ننقل لكم فيها مشاهد تتجلى فيه جماليات الغيرة على الأصحاب وروح الفتوة والفروسية في الجهاد وجمالية التوبة الى الله عزوجل؛ تابعونا مشكورين.
ونبدأ بالمشهد التالي الذي نقله آية الله الشيخ محمد السماوي – رضوان الله عليه – في كتاب (إبصار العين في أنصار الحسين) وهو يترجم أحدهم قائلاً:
(عمرو بن خالد الأسدي الصيداوي أبو خالد كان شريفاً في الكوفة، مخلص الولاء لأهل البيت، قام مع مسلم حتى إذا خانته أهل الكوفة لم يسعه إلا الإختفاء، فلما سمع بقتل قيس بن مسهر وأنه أخبر أن الحسين – عليه السلام – صار بالحاجر خرج إليه، ومعه مولاه سعد، ومجمع العائذي وإبنه، وجنادة بن الحرث السلماني، واتبعهم غلام لنافع البجلي بفرسه المدعو الكامل فجنبوه وأخذوا دليلاً لهم الطرماح بن عدي الطاعي، وكان جاء الى الكوفة يمتار لأهله طعاماً، فخرج بهم على طريق متنكبة، وسار سيراً عنيفاً من الخوف لأنهم علموا أن الطريق مرصود، حتى إذا قاربوا الحسين – عليه السلام – حدا بهم الطرماح بن عدي فقال:
يا ناقتي لا تذعري من زجري
وشمري قبل طلوع الفجر
بخير ركبان وخير سفر
حتى تحلي بكريم النجر
الماجد الحر رحيب الصدر
أتى به الله لخير أمر
ويتابع العلامة السماوي – رضوان الله عليه – نقله قصة هؤلاء الأغيار قائلاً:
فانتهوا الى الحسين – عليه السلام – وهو بعذيب الهجانات، فسلموا عليه وأنشدوه الأبيات. فقال – عليه السلام -: "أم والله إني لأرجو أن يكون خيراً ما أراد الله بنا، قتلنا أو ظفرنا".
قال أبو مخنف: ولما رآهم الحر قال للحسين: إن هؤلاء النفر من أهل الكوفة ليسوا ممن أقبل معك، وأنا حابسهم أو رادهم، فقال له الحسين: "لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي، إنما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد كنت أعطيتني ألا تعرض لي بشيء حتى يأتيك كتاب ابن زياد". فقال: أجل، لكن لم يأتوا معك، فقال: "هم أصحابي، وهم بمنزلة من جاء معي، فإن تممت علي ما كان بيني وبينك، وإلا ناجزتك".
فكف عنهم الحر، وقال أبو مخنف أيضاً: ولما التحم القتال بين الحسين – عليه السلام – وأهل الكوفة، شد هؤلاء مقدمين بأسيافهم في أول القتال على الناس، فلما وغلوا عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم، وقطعوهم من أصحابهم، فلما نظر الحسين الى ذلك ندب إليهم أخاه العباس، فنهد إليهم وحمل على القوم وحده يضرب فيهم بسيفه قدما، حتى خلص إليهم واستنقذهم فجاؤوا وقد جرحوا، فلما كانوا في أثناء الطريق، والعباس يسوقهم رأوا القوم تدانوا إليهم ليقطعوا عليهم الطريق فانسلوا من العباس، وشدوا على القوم بأسيافهم شدة واحدة على ما بهم من الجراحات، وقاتلوا حتى قتلوا في مكان واحد. فرجع العباس الى الحسين – عليهما السلام – فأخبره بذلك، فترحم عليهم الحسين وجعل يكرر ذلك.
أيها الإخوة والأخوات؛ ونلمح إن مشاهد غيرة سيد الشهداء – عليه السلام – وأصحابه قد أثرت في الحر الرياحي فجلا للأجيال جمالية التوبة الى الله والفتوة في مجاهدة أعدائه.
يقول السيد نبيل الحسيني في كتابه (الجمال في عاشوراء) تحت عنوان (جمال التوبة):
(هذا الجمال الذي تجلا للحر بن يزيد الرياحي – عليه السلام – في الحيرة والخروج منها باختيار الحق، أتبعه بجمال آخر وهو جمال التوبة.
والصورة التي ينقلها أصحاب المقاتل والتاريخ في توبة الحر عليه السلام، و"رجوعه عن ذنبه" صورة في غاية الحسن ومنتهى الذوق الرفيع الذي تحلى به الحر.
فقد ضرب بجواده نحو الحسن عليه السلام منكساً رمحه، قالباً ترسه، وقد طأطأ برأسه حياء من آل الرسول بما أتى إليهم وجعجع بهم في هذا المكان على غير ماء ولا كلأ رافعاً صوته:
"اللهم إليك أنيب فتب علي، فقد أرعبت قلوب اوليائك وأولاد نبيك! يا أباعبدالله إني تائب فهل لي من توبة؟".
فقال الحسين عليه السلام: "نعم يتوب الله عليك".
فسره قوله، وتيقن الحياة الأبدية والنعيم الدائم. لأنه رأى جمالاً وحسناً في هذا الرجوع بالتوبة الى الله عزوجل.
أيها الأحبة.. وقد قرن الحر الرياحي جمال التوبة الى الله تبارك وتعالى بجمال التحلي بخلق الفتوة الحسينية والفروسية الأبية وهو يجاهد الأعداء، فكرمه سيد الشهداء – عليه السلام – برثاء جميل شهد له بأنه الحر في الدنيا والآخرة، فقد قال المؤرخون وأصحاب المقاتل: خرج الحر بن يزيد الرياحي ومعه زهير بن القين يحمي ظهره فكان إذا شد أحدهما واستلحم، شد الآخر واستنقذه ففعلا ساعة. وأن فرس الحر لمضروب على أذنيه وحاجبيه والدماء تسيل منه، فقال الحصين ليزيد بن سفيان: هذا الحر الذي كنت تتمنى قتله، قال: نعم، وخرج إليه يطلب المبارزة، فما أسرع أن قتله الحر!
ثم رمى أيوب بن مشرح الخيواني، فرس الحر بسهم فعقره، وشب به الفرس، فوثب عنه كأنه الليث، وبيده السيف، وجعل يقاتل حتى قتل نيفاً وأربعين؛ ثم شدت عليه الرجالة فصرعته.
وحمله أصحاب الحسين عليه السلام ووضعوه أمام الفسطاط الذي يقاتلون دونه؛ وهكذا يؤتى بكل قتيل الى هذا الفسطاط، والحسين عليه السلام يقول:
"قتلة مثل قتلة النبيين وآل النبيين".
ثم التفت الى الحر وكان به رمق فقال له وهو يمسح الدم عنه:
"أنت الحر كما سمتك أمك، وأنت الحر في الدنيا والآخرة".
ورثاه رجل من أصحاب الحسين، وقيل: علي بن الحسين، وقيل إنها من إنشاء الحسين خاصة:
لنعم الحر حر بني رياح
صبور عند مشتبك الرماح
ونعم الحر إذ فادى حسيناً
وجاد بنفسه عند الصباح
وفي استشهاده عليه السلام بدا شاخصاً يعلم الأجيال دروساً من الحرية، ويلهم الفرسان فنوناً في الفروسية، وهم يأنسون بذلك الجمال حينما شب به الفرس، أي رفع يديه جميعاً من الأرض، فوثب منه كأنه الليث والسيف بيده. مشهد ظهر فيه جمال الرجولة، والعنفوان والفروسية.
وختاماً تقبلوا منا، مستمعينا الأطائب أطيب الشكر على طيب المتابعة لحلقة اليوم من برنامجكم ما رأيت إلا جميلا، قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، لكم منا خالص الدعوات ودمتم بكل خير.. في أمان الله.