بسم الله والحمد لله الذي أمرنا بمحبة واتباع وموالاة أكمل آيات جماله الأزهر حبيبه المصطفى الأطهر وآله الأصفياء الغرر عليهم صلوات الله في كل بكرة وسحر.
السلام عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة من الله وبركات، وأهلاً بكم في ثانية حلقات هذا البرنامج ومشاهد أخرى من تجليات الجمال الحق في ملحمة الوفاء والصدق، ملحمة سيد الشهداء وركبة الأوفياء عليه وعليهم السلام.
أيها الأحبة، لقد شهدت الملحمة الحسينية الزينبية المقدسة أزكى صور المعروف والعطاء والمكارم وسائر الأخلاق الفاضلة، فحببتها للقلوب عملياً بعد أن دعاها إليه الحسين – عليه السلام – في مواعظه البالغة، فمثلاً روي في كتاب "كشف الغمة في معرفة الأئمة"أنه – صلوات الله عليه – قال في إحدى خطبه:
"أيها الناس، نافسوا في المكارم وسارعوا في المغانم.. واعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم.. واعلموا أن المعروف مكسب حمداً ومعقب أجراً. فلو رأيتم المعروف رجلاً رأيتموه حسناً جميلاً يسر الناظرين ولو رأيتمو اللؤم رأيتموه سمجاً مشوهاً تنفر منه القلوب وتغص دونه الأبصار.. ومن أحسن، أحسن الله إليه والله يحب المحسنين".
وهذه الدعوة الحسينية للتنافس في المكارم والمسارعة في المغانم إستجاب لها جميع من شارك سيد الشهداء في ملحمة عاشوراء والصدق والوفاء، فقد وجدوا فيه – صلوات الله عليه – أسبق الخلق في الدعوة الى هذه المنافسة القدسية، فأحسن وأحسنوا في كل سلوكياتهم، إذ ظهر المعروف فيها بأبهى جماله، فكانوا سادة المحسنين، وأحبهم الله ذو الإحسان القديم فخلد ذكرهم أسوة وقبلة لعشاق جماله الحق.
والمشهد الذي ننقله لكم في لقاء اليوم يجسد أجمل صور التنافس في المكارم من خلال حسن البر والصلة والرأفة والعطاء وهي من أحسن مصاديق المعروف.
يصور لنا ولكم سماحة السيد نبيل الحسيني هذا المشهد المؤثر في كتابه (الجمال في عاشوراء) وهو يتحدث عن جمال الأهل في برهم وتواصلهم، وقد كان أصحاب الحسين من أهله – عليه وعليهم السلام – وجماليات هذا المشهد لم يستطع العنوان إستيعابها؛ إذ تعجز الألفاظ عن تصويرها ولكن القلوب والأرواح لا تفتأ عن التأثر بها والتشوق لها فتذرف دموع الشوق إليها وتنحي إكباراً وإعجاباً بجمالها.
يقول أخونا السيد نبيل الموسوي حفظه الله:
كثيراً ما يجمعنا البيت وتلفنا لحظات الأنس بالأهل، صور هنا وهناك من الجمال تشغلنا مع ساعات الليل والنهار فتحجب بحسنها وأنسها عنا الجمال الحقيقي للأهل.
أو فلنقل: إنها تحجب عنا الجمال الذي بدا للأهل في عاشوراء.
هذه الصورة الجمالية الكبرى بدت في كربلاء حين بروا بسيد الأهل وكبير البيت وعموده.
واللطيف في هذه الصورة الجمالية أنها كانت انعكاساً لجمال أبهر الناظرين فكان كالشمس تتبعها الكواكب لتعكس نورها...
إنها جمال رعوية الحسين عليه السلام، وجمال كبير الأهل وراعيهم لعياله.
فلاحظ هذا الجمال في قوله عليه السلام وهو يخاطب أصحابه وأهل بيته:
"هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا، وليأخذ كل رجل منكم بيد صاحبه أو رجل من إخوتي وتفرقوا في سواد الليل وذروني وهؤلاء القوم، فإنهم لا يطلبون غيري، ولو أصابوني وقدروا على قتلي لما طلبوكم".
وفي رواية المجلسي، قال عليه السلام: "وهذا الليل فاتخذوه جملاً وتفرقوا في سواده فإن القوم إنما يطلبوني، ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري".
نعم أحباءنا.. الجمال الذي تألق في الصحبة والأبوة والرعوية من الإمام الحسين عليه السلام انعكس على تلك الشخوص الأزكياء كما تمد الشمس الكواكب بنورها لينعكس منها كمصابيح تتلألأ للناظرين.
فانظر الى جمال موقفهم: فبدأ القول العباس بن علي عليهما السلام، فقال له: لم نفعل ذلك؟ ألنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبدا.
ثم إن إخوته وأبناء الحسين عليه السلام وبني أخيه الحسن عليه السلام، وابني عبدالله بن جعفر – محمد وعبدالله – تكلموا بهذا ونحوه.
فقال الحسين عليه السلام: "يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم اذهبوا قد أذنت لكم".
قالوا: فما يقول الناس؟ يقولون إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام، ولم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا! والله لا نفعل، ولكن نفديك أنفسنا وأموالنا وأهلينا، ونقاتل معك حتى نرد موردك، قبح الله العيش بعدك.
وقام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال: أنحن نخلي عنك ولما نعذر الى الله في أداء حقك! أما والله لا حتى اكسر في صدورهم رمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمة في يدي، ولا أفارقك، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتى أموت معك!
وقال سعيد بن عبدالله الحنفي: "والله لا نخليك حتى يعلم الله إنا حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيك والله لو علمت أني أقتل ثم أحرق حياً ثم أذر، يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة، ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً".
والأجمل من هذه الأقوال هو ترجمتها على أرض الواقع في صبيحة يوم العاشر، فقد كانوا يتسابقون في الدفاع عن إمامهم عليه السلام ويتسارعون في نصرته؛ وكأنهم خلية نحل تفانت في حب يعسوبها.
إنها مشاهد تألقت فيها مفاهيم كثيرة، وتفجرت منها منابع فكرية عديدة، فكانت منهلاً ومورداً يقصده الظمآن ويأنس به الولهان).
وهكذا فللصحبة والمصاحبة جمال معهود عند المتصاحبين، لكن كيف بدا جمال الصحبة في عاشوراء؟ وكيف رأته عيون من تجلى فيه جمال المصطفى وحسنه صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: "إني لا أعلم أصحاباً خيراً ولا أوفى من أصحابي" فكانت صورة جمالية خاصة في الصحبة لم ير مثلها لا قبل الحسين عليه السلام ولا بعده؛ فمن قد وفى بهذا القدر من الوفاء كما وفى أصحاب الحسين عليه السلام؟ إنه جمال خاص بعاشوراء. فمشاهده تجلت للناظرين على مدى الدهر بحسنها وسحر جمالها، فكان من جميل جمال الوفاء فيها أن يقف أحد أصحاب الإمام الحسين عليه السلام وهو عمرو بن قرظة الأنصاري عليه السلام يستأذن الحسين عليه السلام، فيأذن له عليه السلام، فيقاتل قتال المشتاقين الى الجزاء، والمبالغ في خدمة سلطان السماء، حتى قتل جميعاً كثيراً من حزب ابن زياد وجمع بين سداد وجهاد، وكان لا يأتي الى الحسين عليه السلام سهم إلا اتقاه بيده، ولا سيف إلا تلقاه بمهجته، فلم يكن يصل الى الحسين عليه السلام سوء حتى أثخن بالجراح، فالتفت الى الحسين عليه السلام وقال: يا ابن رسول الله أوفيت؟! قال: "نعم أنت أمامي في الجنة فأقرئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مني السلام، وأعلمه أني في الأثر". فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه. فهل شهدت أرض جمالاً مثل هذا الجمال في الصحبة.
وبهذا نصل أيها الإخوة والأخوات الى ختام حلقة اليوم من برنامجكم ما رأيت إلا جميلا قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، شكراً لكم وفي أمان الله.