يا حرمة هتكت لعزة احمد
فيها وعزة ربه حرماتها
احماة دين الله كيف بناتكم
ساروا بها والشامتون حماتها
تطوي الفلاة بها وما ضاقت على
حرب بشعث خيولكم فلواتها
كان من الصعوبة بمكان ان يصدق التاريخ ان بنات الوحي وربائب بيت النبوة تسبى في كربلاء وفيهن العقيلة زينب وام كلثوم ابنتا امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلامّ! لكن هو ذلك الذي جرى وكان فقد نهضت اسرة الامام الحسين عليه السلام في تكليف الهي خاص لنصرة الدين وانقاذه وقد شاء الله تعالى ان يكن تلك النسوة العلويات المكرمات سبايا ليكون لهن دور خاص في نهضة عاشوراء وقد كان ذلك، فجاء دور ام كلثوم رضوان الله عليها معاضداً لدور اختها العقيلة زينب الكبرى سلام الله عليه بل ومتواصلاً مع الثورة الحسينية المباركة مع شدة الفاجعة وهول المصيبة وعظم النكبة.
ام كلثوم البنت الثانية للزهراء والمرتضى عليهما السلام، جدها لامها رسول الله صلى الله عليه وآله، وجدتها لامها خديجة بنت خويلد، وجدتها لابيها فاطمة بنت اسد، وجدها لابيها حامي رسول الله ابو طالب رضوان الله تعالى عليهم، ولدت في السنة السادسة من الهجرة النبوية المباركة فعاشت في كنف المصطفى اكثر من اربع سنوات، فلما نشأت في بيت الرسالة والامامة تزوجها عون ابن جعفر الطيار الشهيد رضوان الله عليه، شهدت مأساة كربلاء وما تبعها من الاسر المرير، ورافقتها بوقائعها المفجعة من البداية الى النهاية، ثم توفيت في المدينة بعد عودتها من الشام باربعة اشهر، وصفها اصحاب السير بانها كانت فهيمة بليغة، جليلة القدر، ثقة من فواضل نساء عصرها، وكانت ذات زهد وعبادة وشجاعة وفصاحة، عظيمة المنزلة عند اهل البيت عليهم السلام، وتلك مواقفها في وقائع النهضة الحسينية الشريفة ما زالت تدوي في اعماق التاريخ شاهدة لها بانها اللبوة العلوية الغيورة.
ام كلثوم ابنة امير المؤمنين وابنة سيدة نساء العالمين، كانت قد حضرت ارض كربلاء تناصر امام زمانها ابا عبد الله الحسين، فشهدت تلك الواقعة الرهيبة، وكل ما جرى على اخوتها وابنائهم وانصارهم، وكان لها مواقف بطولية شامخة سجد لها التأريخ.
روى السيد ابن طاووس في كتابه "اللهوف على قتلى الطفوف"، ان ام كلثوم نادت حين وداع الحسين للعائلة قبيل شهادته: وا احمداه، واعلياه، وا أماه، وا أخاه، واحسيناه، واضيعتنا بعدك يا ابا عبد الله!
فعزاها اخوها الحسين: يا اختاه تعزي بعزاء الله، وقال لها: اوصيك يا اخية بنفسي خيراً، وأني بارز الى هؤلاء وكان عليه السلام من وصاياه يا اختاه يا ام كلثوم، وانت يا زينب وانت يا فاطمة، وانت يا رباب، انظرن اذا انا قتلت فلا تشققن عليَّ جيباً، ولا تخمشن عليَّ وجهاً، ولا تقلن هجراً، وسويعة واذا بفرس الحسين يقبل الى الخيام خلياً من فارسه.
فوضعت ام كلثوم يديها على ام رأسها ونادت: وامحمداه واجداه وابتاه واعلياه، واجعفراه واحمزتاه، واحسناه، هذا حسين بالعراء صريع بكربلاء، محزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والرداء، ثم غشي عليها!
وفي الكوفة آه من دخول الكوفة! في ذلك الاسر والرؤوس على الرماح الطويلة مشالات، والانظار متجهة الى السبايا، من هؤلاء يا ترى؟ ايصدق ان مثل زينب او ام كلثوم وفاطمة بنت الحسين وسكينة في ذلك الركب؟! امر مذهل حقاً، وقد كانت الكوفة قبيل سنوات قلائل عاصمة ابيهم امير المؤمنين فما الذي جرى، وكيف انقلب الناس على اعقابهم؟! تلك سبايا، واولئك رؤوس الاخوة والابناء وابناء العمومة والانصار، والناس يتفرجون فاشتد على ام كلثوم وجد ومصاب فصاحت بهم يا اهل الكوفة سوأة لكم، ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه، وانتهبتم امواله وورثتموه وسبيتم نساءه ونكبتموه؟! فتباً لكم وسحقاً! ويلكم! اتدرون أي دواه دهتكم واي وزر على ظهوركم حملتم، واي دماء سفكتموها، واي كريمة اصبتموها واي صبية سلبتموها، واي اموال انتهبتموها؟! قتلتم خير الرجالات بعد النبي صلى الله عليه وآله، ونزعت الرحمة من قلوبكم، الا ان حزب الله هم الفائزون، وحزب الشيطان هم الخاسرون.
ثم قالت:
قتلتم اخي ظلماً فويل لامكم
ستجزون ناراً حرها يتوقد
سفكتم دماء حرم الله سفكها
وحرمها القرآن ثم محمد
الا فابشروا بالنار انكم غداً
لفي سقر حقاً يقيناً تخلدوا
واني لابكي في حياتي على اخي
على خير من بعد النبي سيولد
بدمع غزير مستهل مكفكفٍ
على الخد مني دائماً ليس يجمد
قال الراوي: فضج الناس بالنوح والبكاء ونشرت نساء الكوفة شعورهن تحت اقبيتهن ووضعن التراب على رؤوسهن، وخمشن وجوههن، ولطمن خدودهن، ودعون بالويل والثبور، وبكى الرجال، ولم ير باك ولا باكية اكثر من ذلك اليوم!
*******