ياهل ترى مضراً درت ماذا لقت
في كربلاء ابناؤها وبناتها
خفرت لها ابناء حرب ذمة
هتكت لها ما بينهم خفراها
جارت على تلك المنيعات التي
تهوي النجوم لو انها جاراتها
كان ذلك اليوم، يوم عاشوراء، يوماً مروعاً في حماية الدهر وتاريخ الانسانية، اعقبته ليلة موحشة يسمع فيها نحيب اليتامى وعويل الايامى، اطفال مدهوشون، ونساء مذهولات، ودخان يتصاعد من عند الخيام، الا خيمة واحدة تركت للسبايا من آل محمد صلى الله عليه وعليهم، وقد اختارت اسر نجيبة ونساء نبيلات ان يكن مع حرم رسول الله صلى الله عليه وآله يشاركن في السبي والاسر كما شاركن في تقديم الضحايا والقرابين في نصرة اهل بيت المصطفى ومواساتهم، واذا كان الجميع في اضطراب وحيرة، فان امرأة واحدة منهن كانت هادئة مستسلمة، ملقاة هناك على الارض قريبة من اجساد الشهداء، شهيدة سعيدة بنصرتها وبتضحيتها، وبشهادتها تلك كان من بيت وهب الشهيد رضوان الله تعالى عليه.
في اعلام النساء يذكر ان ام وهب بن حباب الكلبي كانت من ربات الفروسية والشجاعة والحمية الاسلامية، ومجاهدة من المجاهدات، وقد حضرت ارض كربلاء يوم عاشوراء وشهدت ما جرى على آل الرسول من مصائب ومحن وشاركتهم حين بعثت ولدها وهب بن حباب ليقاتل بين يدي امامه وسيده ومولاه ابي عبد الله الحسين سلام الله عليه، وكانت تشجعه وتحرض على نصرة الحسين ولا ترضى له بدون الشهادة، وهذه قصتها معه: برز وهب بن عبد الله بن حباب الكلبي فارساً مرتجزاً:
ان تنكروني فأنا ابن الكلبي
سوف تروني وترون ضربي
ثم حمل عليهم ولم يزل يقاتل حتى قتل جماعة منهم، وكان عمره خمساً وعشرين سنة، وقد اسلم على يد الامام الحسين قبل شهادته بعشرة ايام، وكانت امه معه، وقبل ان يبرز قالت له: قم يا بني فانصر ابن بنت نبيك فأجابها افعل ذلك يا اماه ولا اقصر، فلما عاد بعد ان قتل جماعة من قوم عمر بن سعد سألها: ارضيت يا اماه؟
فأجابته: لا حتى تقتل بين يدي مولاك الحسين، اما زوجة وهب وقد كان مضى على عرسها سبعة عشرة يوماً فقط، فقد قالت له اسألك بالله الا تفجعني في نفسك فقالت ام وهب لولدها لا تقبل قولها وارجع الى مكانك وقاتل بين يدي مولاك، فلما سمعت زوجته ذلك اقبلت بزوجها الى الحسين عليه السلام تقول له:
يا ابن رسول الله لي حاجتان الاولى انه اذا مضى عني وهب فأبقى بلا محام ولا كفيل، فسلمني الى اهل بيتك والثانية اذا قتل وهب كان مع الحور العين فينساني فجعلتك يامولاي شاهداً على الا ينساني فلما سمع الحسين كلامها بكى بكاءً شديداً، ثم اجاب سؤلها وطيب خاطرها، فعاد وهب الى القتال وهو يرتجز:
اني زعيم لك ام وهب
بالطعن فيهم تارة والضرب
ضرب غلام مؤمن بالرب
حتى يذيق القوم مر الحرب
حسبي الهي من عليم حسبي
فلم يزل يقاتل يميناً وشمالاً حتى قتل تسعة عشر فارساً واثني عشر راجلاً، فقطعت يمينه وشماله، فاخذت امرأته عموداً واقبلت نحوه تقول له فداك ابي وامي، قاتل دون الطيبين حرم رسول الله، فسألها: كنت نهيتني عن القتال والان جئت تحرضيني؟!
اجابته: لا تلمني يا وهب، فاني عفت الحياة منذ سمعت نداء الحسين واغربتاه! وا قلة ناصراه!
فقال لها: ارجعي فان الجهاد مرفوع عن النساء.
قالت: لن اعود او اموت معك، ثم اخذر ثوبها باسنانه ليرجعها، فافلتت منه، فاستغاث بالحسين.
فقال عليه السلام: جزيتم عن اهل بيتي خيراً، ارجعي الى النساء بارك الله فيك، فانه ليس عليكن قتال، يصيبك ما يصيب اهل بيتي، وحالك كحالهم، ولحظات ويسقط وهب مثخناً بالجراح، فتذهب زوجته اليه لتمسح الدم عن وجهه، ومن بعيد يبصر بها شمر، فيأمر غلاماً له ليضربها بعمود شدخ بها رأسها فقتلها.
واخذ وهب اسيراً، فأتي به عمر بن سعد فقال له ما اشد صولتك ثم امر به فضربت عنقه ورمي برأسه نحو عسكر الحسين عليه السلام فاخذت امه الرأس وقبلته وقالت له: الحمد لله الذي بيض وجهي بشهادتك بين يدي ابي عبد الله.
ثم عدت على قاتله فقتلته، وشدت ام وهب بعد ذلك بعمود الخيمة على القوم فقتلت منهم رجلين، وهي تقول لهم: اشهد ان اليهود في بيعها والنصارى في كنائسها خير منكم.
فناداها الحسين: ارجعي يا ام وهب، فان الجهاد مرفوع عن النساء، فرجعت كئيبة وهي تقول: الهي لا تقطع رجائي.
فقال لها الحسين عليه السلام: لا يقطع الله رجاءك يا ام وهب، انت وولدك مع رسول الله وذريته في الجنة. ثم كانت مع آل رسول الله في السبا بعد عاشوراء.
*******