وفي السبي مما يصطفي الخدر نسوة
يعز على فتيانها ان تسيرا
حمت خدرها يقظى وودت لنومها
ترد عليها جفنها لا على الكرى
مشى الدهر يوم الطف اعمى فلم يدع
عماداً لها الا وفيه تعثرا
وجشمها المسرى ببيداء قفرة
ولم تدر قبل الطف ما البيد ما السرى
ولم تر حتى عينها ظل شخصها
الى ان بدت في الغاضرية حسرا
قد لا يصدق المرء وهو يمرر نظراته على بعض اسطر التأريخ حيث يقرأ ان ادعياء خلافة رسول الله يجيزون لانفسهم ان يصدروا حكماً وضعياً ظالماً باسر المسلمات الارامل والاطفال اليتامى وسبيهم، ومن يا ترى اولئك السبايا؟! انهم اسرة النبي وحرمه الشريفة، وذراريه وابناؤه الاطياب صلوات الله عليهم، جاؤوا ليأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، وليصلحوا شأن هذه الامة التي انحرفت مع حكامها المفسدين المحرفين.
فاذا بالامر ينجر الى القتل والقتال، والمثلة بالاجساد الزاكية، ورفع الرؤوس على الرماح، ثم سبي الاسر الكريمة من آل البيت واشراف العرب وعوائل الايمان والجهاد، وكان بينهن بنات خليفة المصطفى علي امير المؤمنين زينب وام كلثوم، وام هاني، والاخرى رقية، ومن يا ترى تلك رقية؟
قال المسعودي في مؤلفه الشهير مروج الذهب في ذكر امير المؤمنين عليه السلام ان من ابنائه عمر ورقية، وامهما تغلبية امها الصهباء بنت ربيعة ام حبيب بن عباد، من سبي اليمامة او عين تمر، اشتراها امير المؤمنين عليه السلام فولدت له عمر الاطرف ورقية، وكانا توأمين كما يذكر الشيخ الطبرسي في تاج المواليد وكذا في اعلام الورى باعلام الهدى، كما ذكر الامير جمال الدين المحدث الهروي في كتابه الاربعين في فضائل الامام امير المؤمنين ان عمر ورقية كانا توأمين امهما ام حبيب بنت التغلبية، وكان خالد بن الوليد قد سباها ظلماً في غارته على آل مالك بن نويرة، فاخرجها امير المؤمنين عليه السلام من الاسر وهي مسلمة، بأن اشتراها ثم تزوجها فكان له منها ابنته المكرمة رقية التي عاضدت اخاها الحسين ورافقته الى كربلاء، وعاشت محنة الممضة المهولة.
ذكر جملة من المؤرخين والنسابة ومنهم محمد بن حبيب البصري في كتابه المحبر، وابو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبين، وابن الاثير الجزري في تاريخه المعروف بـ الكامل.. ان رقية ابنة علي بن ابي طالب رضوان الله عليها تزوجت بابن عمها مسلم بن عقيل بن ابي طالب رضوان الله عليه، فكان لهما منه ولد يدعى عبد الله بن مسلم.
اذن فرقية بنت الامام علي هي زوجة مسلم الشهيد، الذي اشتهرت قصته انه كان سفير الحسين الامام ومبعوثه الى اهل الكوفة وقد بعثوا اليه بآلاف الرسائل ان اقدم علينا فليس لنا امام، فبعث اليهم بكتابه اليهم وفيه: (واني باعث اليكم اخي وابن عمي، وثقتي من اهل بيتي، مسلم بن عقيل)، لكن كان منهم الخذلان ثم الغدر، فحوصر في بيت طوعة، وما هي الا ساعة قاتلهم فيها بروح علوية غيورة شامخة، كان فيها وقيعتهم بها بأمان كاذب وحفيرة خائنة، ثم قتل بقطع الرأس ورمي البدن الشريف من اعلى قصر الامارة، ثم سحبه في اسواق الكوفة وسككها.
هذا والامام الحسين عليه السلام يقطع طريقه نحو كربلاء، وقد بلغ احد منازل سفره في منطقة تدعى زرود، فأتاه خبر مسلم بن عقيل هناك انه غدر به وقتل، فاسترجع عليه السلام كثيراً وترحم عليه مراراً، وبكى، وبكى معه بنو هاشم وكثر صراخ النساء وبينهن زوجته وابنة عمه رقية بنت امير المؤمنين، حتى ارتج الموضع لقتل مسلم، وسالت دموع كل مسيل.
ويذكر المؤرخون بعد هذا امرين: الاول ان كان لمسلم بن عقيل طفلة تدعى حميدة مسح الحسين - وهو خالها - على رأسها حين اتاه نعي ابيها مسلم، فاحست باليتم، فدعا عليه السلام بناته واخته العقيلة زينب الى احتضانها وتسليتها.
مسح الحسين برأسها، فاستشعرت - باليتم، وهي علامة تكفيها لم تبكيها عدم الوثوق بعمها - كلا، ولا الوجد المبرح فيها لكنها تبكي مخافة انها - تمسي يتيمة عمها وابيها.
والامر الثاني الذي يذكره المؤرخون، هو ان رقية كان لها ولد من زوجها مسلم بن عقيل يسمى عبد الله قتل يوم كربلاء - هكذا ذكر ابن الاثير في الكامل وابو الفرج في مقاتل الطالبين، والطبري في تأريخه، والبلاذري في انساب الاشراف وغيرهم، انه بعد شهادة علي الاكبر سلام الله عليه خرج عبد الله بن مسلم بن عقيل بن ابي طالب وامه رقية الكبرى بنت امير المؤمنين عليه السلام، وهو يقول: اليوم القى مسلماً وهو ابي - وعصبة بادوا على دين النبي، فقتل جماعة في ثلاث حملات، حتى رماه يزيد بن الرقاد الجهني بسهم فاتقاها عبد الله بن مسلم بيده فسمرت الى جبهته، فما استطاع رضوان الله عليه ان يقلعها عن جبهته، فتوجه الى الله تعالى بالدعاء: اللهم انهم استقلونا، واستذلونا، فاقتلهم كما قتلونا.
وبينما هو على هذه الحال، اذ حمل عليه رجل برمحه فطعنه في قلبه فاستشهد، فجاء اليه يزيد بن الرقاد لعنه الله فاخرج سهمه طامعاً به من جبهة عبد الله، فاستله الا ان نصل السهم بقي في جبهته فقضى شهيداً، ففجع به خاله الامام الحسين وبكاه، كما فجعت به امه رقية وهي تشاهد تلك المشاهد الرهيبة ومصارع الاحبة والاعزة على رمضاء كربلاء، تصبر وتصابر، وتحتسب ذلك في سبيل الله، حتى رحلت عن ارض الطف في ركب السبايا.
*******