فقال عليه السلام: "قد علم الله كراهتي لذلك، فلمّا خيّرت بين قبول ذلك وبين القتل، اخترت القبول على القتل، ويحهم أما علموا أنّ يوسف عليه السلام كان نبيّاً رسولاً، فلمّا دفعته الضرورة إلى تولّي خزائن العزيز قال له: اجعلني على خزائن الأرض إنّي حفيظ عليم، ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على إكراه وإجبار بعد الإشراف على الهلاك، على أنّي ما دخلت في هذا الأمر إلّا دخول خارج منه، فإلى الله المشتكى وهو المستعان".
إعلان البيعة
كان إعلان البيعة للإمام الرضا عليه السلام بولاية العهد في السادس من شهر رمضان ۲۰۱ﻫ.
كيفية البيعة
جلس المأمون، ووضع للإمام الرضا عليه السلام وسادتين عظيمتين، وأجلس الرضا عليه السلام عليهما في الخضرة وعليه عمامة وسيف، ثمّ أمر ابنه العباس أن يبايع له أوّل الناس، فرفع الرضا عليه السلام يده فتلقّى بظهرها وجه نفسه وببطنها وجوههم، فقال له المأمون: ابسط يدك للبيعة؟
قال الإمام الرضا عليه السلام: «إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله هكذا كان يبايع»، فبايعه الناس ويده فوق أيديهم.
وقامت الخطباء والشعراء فجعلوا يذكرون فضل الرضا عليه السلام وما كان من المأمون في أمره.
خطبة الإمام الرضا عليه السلام يوم البيعة
قال المأمون للإمام الرضا عليه السلام: اخطب الناس، وتكلّم فيهم، فحمد الله وأثنى عليه وقال: "إنّ لنا عليكم حقّاً برسول الله، ولكم علينا حقّاً به، فإذا أنتم أدّيتم إلينا ذلك وجب علينا الحقّ لكم".
إخبار الإمام عليه السلام بعدم بقائه لزمان الخلافة
روي أنّ أحد خواصّ الإمام عليه السلام كان حاضراً مستبشراً في الاحتفال الذي أقامه المأمون بمناسبة قبول الإمام عليه السلام بولاية العهد.
فنظر إليه الإمام عليه السلام وأومأَ قائلاً: «أدنُ مِنِّي»، فلمّا دنا منه همس عليه السلام في أُذنه قائلاً: "لا تشْغَل قلبَك بِهَذا الأمرِ، ولا تَسْتَبشِر لَهُ، فَإنّهُ شَيء لا يَتمُّ".
التغيرات الحاصلة بعد قبول ولاية العهد
لقد قام المأمون ببعض التغيرات، منها:
۱ـ أبدل لبس السواد الذي هو شعار للعبّاسيين بلبس الثياب الخضر الذي هو شعار للعلويين.
۲ـ أمر بطبع اسم الإمام الرضا عليه السلام على الدراهم.
۳ـ أعلن عن عزمه على صرف مرتّب سنوي بهذه المناسبة السعيدة.
أغراض المأمون من ذلك
كانت للمأمون عدّة أغراض من بيعته للإمام الرضا عليه السلام بولاية العهد، منها:
۱ـ الحصول على اعتراف من العلويّين، على شرعية الخلافة العبّاسية، بل لقد كان يريد أن يحصل من العلويين على اعتراف بأنّ الحكم حقّ للعبّاسيين فقط.
۲ـ الحصول على اعتراف ضمني من الإمام عليه السلام بشرعية تصرّفاته طيلة فترة ولاية العهد، فيكون سكوت الإمام عليه السلام في فترة ولاية العهد عن تصرّفات الهيئة الحاكمة دالاًّ على رضاه بها، ويعتبر إمضاء لها.
مدى جدّية عرض الخلافة
عرض المأمون أوّلاً الخلافة على الإمام عليه السلام وألحّ عليه بقبولها، فلمّا يئس من قبوله الخلافة عرض عليه ولاية العهد، فامتنع عليه السلام أيضاً ولم يقبل إلّا بعد أن هدّده بالقتل، فهل كان المأمون جادّاً في عرضه الخلافة على الإمام؟!
وإذا لم يكن المأمون جادّاً في عرضه ذاك، فماذا ترى سوف يكون موقف المأمون لو أنّ الإمام عليه السلام قبل أن يتقلّد الخلافة؟
في الحقيقة أنّ جميع الشواهد والدلائل تدلّ على أنّ المأمون لم يكن جادّاً في عرضه للخلافة، إذ كيف يمكن للمأمون أن يكون جادّاً وقد قتل من أجل الخلافة أخاه وأتباعه، بل وحتّى وزراءه هو وقوّاده وغيرهم.
وأهلك العباد وخرّب البلاد، فقد خرّب بغداد وأزال كلّ محاسنها من أجل الحصول على الخلافة، فكيف يتنازل عنها بهذه السهولة، بل ومع هذا الإلحاح والإصرار منه لرجلٍ غريب ليس له من القربى منه ما لأخيه، ولا من الثقة به ماله بقوّاده ووزرائه!.
وهل يمكن أن نصدّق أنّ كلّ ذلك ـ حتّى قتله أخاه ـ كان في سبيل مصلحة الأُمّة ومن أجلها ولكي يفسح المجال أمام من هو أجدر بالخلافة وأحقّ بها من أخيه ومنه؟
وإذا كان قد نذر أن يولّيه الخلافة لو ظفر بأخيه الأمين ـ حسبما ورد في بعض النصوص التاريخيةـ، فلماذا وكيف جاز له الاكتفاء بتوليته العهد؟!
وكيف استطاع إجباره على قبول ولاية العهد، ولم يستطع إجباره على قبول الخلافة؟ وهل يتّفق ذلك مع إرجاعه للإمام عليه السلام عن صلاة العيد لمجرّد أنّه جاءه من ينذره بأنّ الخلافة سوف تكون في خطر لو أنّ الإمام عليه السلام وصل إلى المصلى؟!
والنتيجة هي: إنّ المأمون لم يكن جادّاً في عرضه للخلافة، وإنّما فقط كان جادّاً في عرضه لولاية العهد.
ويبقى هنا سؤال: لو أنّ الإمام قبل عرض الخلافة، فماذا ترى سوف يكون موقف المأمون؟!
والجواب: إنّ المأمون كان قد أعدّ العدّة لأيّ احتمال من هذا النوع، وقد كان يعلم أنّه يستحيل على الإمام عليه السلام ـ خصوصاً في تلك الظروف ـ أن يقبل عرض الخلافة من دون إعداد مسبق لها.