يا حادي الطف أنخ يا حادي
ما غير وادي الطف لي بوادي
يعتادني شوقي إلى الطف فكن
مشاركي في شوقي المعتاد
لله أرض الطف أرضاً.. إنها
أرض الهدى المعبود فيها الهادي
أرض يحار الطرف في حائرها
مهما بدا.. فالنور منه بادي
زهوي بحب المصطفى وآله
على الأعادي وعلى الحساد
هم الألى.. ليس لهم في فخرهم
ندّ.. وحاشاهم من الأنداد
أيها الإخوة والأعزة الكرام.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لا يستقر للمحب الموالي جنان حتى يقترب من حبيبه، أو يتقرب إليه بكلمات، أو يعبر له عن محبته له بتعبيرات أو عبارات، فيجد نفسه في سعادة وروحه في هناء، وإن ذرف الدموع وجد في مسعاه نحو الديار المحبوب.
والذي نعلمه جميعاً – إخوتنا الأفاضل – وتقر به الفطرة الإنسانية، أن محب الله تعالى يشتاق دوماً إلى زيارة بيت الله جل وعلا، وتهفو روحه إليه ويهفو قلبه إليه كلما ذكره، وتحن نفسه كل موسم إلى الحضور عند الكعبة المعظمة، ومحب رسول الله صلى الله عليه وآله يشتاق إلى زيارة قبره النير الطاهر، والجلوس عنده والإشارة إلى ضريحه، وربما لم يتمالك عبرته ولا عينه عن البكاء، كباً له ومودة وشكوىً من الفراق والبعد عنه وعن أولاده المظلومين في بقيع الغرقد الطاهر، وقد حاول المتخلفون عن الفطرة البشرية تغييب آثارهم وهم يجهلون أن النبي وآله يعيشون في قلوب المؤمنين، بل أصبحت قلبوهم لآل الله أضرحة تقدسهم.. وتلك نفثة شاعر يقول فيها:
لا تطلبوا قبر الحسين فإنه
لا في حمى ثاو ولا في وادي
لكنما حفوا الولاء يدلكم
في أنه المقبور وسط فؤادي
وأخرى لشاعر آخر يقول فيها:
لا تطلبوا قبر الحسين
بشرق أرض أو بغرب
ودعوا الجميع وعرجوا
نحوي.. فمشهده بقلبي
أجل.. أيها الإخوة الأحبة، وكذا محب الأئمة الهداة الأخيار، تشكو روحه الظمأ إن لم تزرهم، وكلما ذكرهم حن إليهم، وربما هجر دياره وعياله وقطع المسافات ليحل قرب قبورهم وفي أفنية مراقدهم وليبلّ غليله بدموع الإشتياق، ولم لا وهم أحباؤه أحباء الله وأوداؤه وأبواب الله وأمناؤه، وزيارتهم هدى ورحمة وشفاء لما في الصدور، وعبادة وتقرب إلى الله سبحانه وهو الحبيب وتقرب إلى رسول الله المصطفى وهو المحبوب، وإلى أولياء الله وهم الأحب إلى القلوب، والقرب منهم هناء ورشد وسعادة، ومنهم سيدنا وإمامنا أبوعبدالله الحسين صلوات الله عليه، حيث يقول الشاعر لزائره يحثه:
سر راشداً يا أيها الزائر
ما حار من مقصده الحائر
ما حار من زار إمام الهدى
خير مزور زاره الزائر
من جده أطهر جد ومن
أبوه – لا شك – الأب الطاهر
مستمعينا الأفاضل .. إن تقوية روح المودة لقربى النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – هي من أهم الآداب المعنوية والعرفانية لزيارة سيد الشهداء الحسين – صلوات الله عليه -.
في الدقائق التالية نتعرف الى اهم الآداب المعنوية للزيارة الحسينية من خلال حديث ضيفنا الكريم سماحة السيد عبد الله الموسوي من السعودية، لنستمع معاً ولكن بعد هذا الفاصل القصير فكونوا معنا.
الموسوي: كلنا يعرف الامام الحسين صلوات الله عليه، ذلك الامام الذي أعطى وجوده تمامه لله سبحانه وتعالى ولم ير إلا الله حيث أنه صلوات الله وسلامه عليه حينما وقع عن ظهر جواده قال "رضى برضاك وتسليماً لأمرك" اذا عرف الانسان هذا المستوى من الوجود الرباني ينبغي أن يتعامل في زيارته مع مجموعة من الأمور التي ينبغي أن يتأدب بها الانسان حين خروجه لزيارته صلوات الله وسلامه عليه. أولاً أن يفرغ قلبه من حب الدنيا، وأن يقصد ثانياً مقصوده وكعبته الحقيقية التي هي واقعاً الوصول الى الله عزوجل لذا عندنا من آداب الزيارة أن يغتسل الانسان فهو في الحقيقة كناية للغسل عن الذنوب ومن كل ما يعترض مسيرة هذا الانسان. الخروج عن سكينة ووقار دليل على أن هذا المقصد لم يكن مقصداً طبيعياً فينبغي اختبار التريث في هذا الاتجاه. اذن من الآداب المعنوية في هذه الزيارة أن يفرغ الانسان جسماً فهو ينظف هذه الذنوب فيغتسل غسلاً بالاضافة الى الغسل المائي، غسل روحاني يخرجه من هذه الحالة. على الانسان أن يبتعد عن كل ما لايليق في هذا الاتجاه وكل ما يخالف اهداف الامام الحسين. هذه أهم الاداب المعنوية التي يعتمدها العلماء، أن يأتي بكل ماهو محبوب ويبتعد عن كل ماهو مبغوض عند الله سبحانه وتعالى.
كانت هذه أعزائي الكرام توضيحات الباحث الاسلامي سماحة السيد عبد الله الموسوي بشأن الاداب المعنوية للزيارة الحسينية استمعتم لها من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
إخوتنا الأعزة المؤمنين.. إن زيارة أبي عبدالله الحسين عليه السلام – فضلاً عن كونها تروي قلب المحب بماء الصلة والمودة – هي أداءٌ لواجب يمليه الضمير وتقتضيه الأخلاق، لأنها تعبر عن الشكر والوفاء لما قدمه الإمام الشهيد حفظاً على الدين وهداية للمسلمين. ثم الزيارة تتأكد بآية مودة القربى، وأحاديث الولاء لرسول الله وأهل بيته صلوات الله عليه وعليهم، فضلاً عما تقتضيه وصايا أئمة الحق والهدى، سلام ربنا عليهم.. لنستمع – أيها الإخوة الأحبة – إلى بعضها؛
روى ابن قولويه في (كامل الزيارات) عن محمد بن مسلم أن الإمام أبا جعفر الباقر عليه السلام قال: "مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السلام، فإن إتيانه مفترض على كل مؤمن يقر للحسين عليه السلام بالإمامة من الله عزوجل".. وفي رواية أخرى جاء عنه عليه السلام أيضاً قوله: "مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السلام، فإن إتيانه يزيد في الرزق ويمد في العمر ويدفع مدافع السوء".
وفي (تهذيب الأحكام) روى الشيخ الطوسي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال: "لو أن أحدكم حج دهره ثم لم يزر الحسين بن علي عليه السلام، كان تاركاً حقاً من حقوق الله وحقوق رسوله صلى الله عليه وآله، لأن حق الحسين عليه السلام فريضة من الله واجبة على كل مسلم".
أجل – والله – إخوتنا الموالين-، وهل كان يبقى دين لمسلم، لو لا دم الإمام الحسين صلوات الله عليه، بذله في ذلك اليوم العصيب بعد أن قدم أعزة أعزته وفلذات كبده في سبيل الله تعالى ضحايا مجزرين على أرض كربلاء.. أفبعد هذا يستكثر أن تكون زيارته واجبة على كل مسلم ولو في العمر مرة، توثيقاً للعهد وتجديداً للميثاق الإلهي وعقداً للولاء الراسخ ومضياً على النهج المحمدي العلوي، ثم أداءً لشيء من الوفاء، كرامة لأنفسنا ورفعة لها.
روى الكليني في (الكافي) والصدوق في (من لا يحضره الفقيه) والحر العاملي في (وسائل الشيعة) عن الوشاء أن الإمام أبا الحسن الرضا عليه السلام قال: "إن لكل إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإن من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه، كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة".
وهكذا – أيها الأحبة المؤمنون- تكون العلقة المودتية بين الحسينيين الموالين وبين حبيبهم السبط الشهيد سلام الله عليه، وربما ارتقت إلى أسمى من حالة أداء التكاليف، فالمؤمن هو من همه مرضاة ربه والقرب من الحبيب المصطفى وأهل بيته وأداء الحقوق الولائية تجاههم ونوال محبتهم، وذلك عنده أفضل من دخول الجنان، وأسعد من الخلود في النعيم، ثم عنده الصلة بالحسين الشهيد المظلوم من أقدس الصلات وهي تدعوه إلى زيارته، وإلا استشعر الذنب والخسران.
وقد روي عن الإمام أبي عبدالله الصادق عليه السلام أنه قال: "لو أن أحدكم حج دهره ثم لم يزر الحسين بن علي عليه السلام لكان تاركاً حقاً من حقوق رسول الله صلى الله عليه وآله".
فلكي نبقى مع الحسين، ونتوفى على ولاء الحسين، ونحشر على ولاية الحسين، لم نترك من البعد أو القرب زيارة إمامنا الحسين.