ومن كتاب له عليه السلام إلى جرير بن عبدالله البجلي لما أرسله إلى معاوية أَمَّا بَعْدُ، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي فَاحْمِلْ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْفَصْلِ، وَخُذْهُ بَالاَْمْرِ الْجَزْمِ، ثُمَّ خَيِّرْهُ بَيْنَ حَرْبٍ مُجْلِيَة، أَوْ سِلْمٍ مُخْزِيَة، فَإِنِ اخْتَارَ الْحَرْبَ فَانْبِذْ إِلَيْهِ، وَإِنِ اخْتَارَ السِّلْمَ فَخُذْ بَيْعَتَهُ، وَالسَّلاَمُ.
ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية
فَأَرَادَ قَوْمُنَا قَتْلَ نَبِيِّنَا، وَاجْتِيَاحَ أَصْلِنَا، وَهَمُّوا بِنَا الْهُمُومَ، وَفَعَلُوا بِنَا الاَْفَاعِيلَ، وَمَنَعُونَا الْعَذْبَ، وَأَحْلَسُونَا الْخَوْفَ، وَاضْطَرُّونَا إِلَى جَبَلٍ وَعْرٍ، وَأَوْقَدُوا لَنَا نَارَ الْحَرْبِ، فَعَزَمَ اللهُ لَنَا عَلَى الدَّبِّ عَنْ حَوْزَتِهِ، وَالرَّمْيِ مِنْ وَرَاءِ حُرْمَتِهِ، مُؤْمِنُنَا يَبْغِي بِذلِكَ الاَْجْرَ، وَكَافِرُنَا يُحَامِي عَنِ الاَْصْلِ، وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ قُرَيشٍ خِلْوٌ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ بِحِلْفٍ يَمْنَعُهُ، أَوْ عَشِيرَةٍ تَقُومُ دُونَهُ، فَهُوَ مِنَ الْقَتْلِ بِمَكَانِ أَمْن، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلََّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ، إذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ، وَأَحْجَمَ النَّاسُ، قَدَّمَ أَهْلَ بَيْتِهِ، فَوَقَى بِهِمْ أَصَحَابَهُ حَرَّ السُّيُوفِ وَالاَْسِنَّةِ، فَقُتِلَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ يَوْمَ بَدْر، وَقُتِلَ حَمْزَةُ يَوْمَ أُحُد، وَقُتِلَ جعفرٌ يَوْمَ مُؤْتَةَ، وَأَرَادَ مَنْ لَوْ شِئْتُ ذَكَرْتُ اسْمَهُ مِثْلَ الَّذِي أَرَادُوا مِنَ الشَّهَادَةِ، وَلكِنَّ آجَالَهُمْ عُجِّلَتْ، مَنِيَّتَهُ أُجِّلَتْ، فَيَا عَجَباً لِلدَّهْرِ، إِذْ صِرْتُ يُقْرَنُ بِي مَنْ لَمْ يَسْعَ بِقَدَمِي، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ كَسَابِقَتِي، الَّتِي لاَ يُدْلِي أحَدٌ بِمِثْلِهَا، إِلاَّ أَنْ يَدَّعِيَ مُدَّع مَا لاَ أَعْرِفُهُ، وَلاَ أَظُنُّ اللهَ يَعْرِفُهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَال، وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ مِنْ دَفْعِ قَتَلَةِ عُثْمانَ إِلَيْكَ، فَإِنِّي نَظَرْتُ فِي هذَا الاَْمْرِ، فَلَمْ أَرَهُ يَسَعُنِي دَفْعُهُمْ إِلَيْكَ وَلاَ إِلَى غَيْرِكَ، وَلَعَمْرِي لَئِنْ لَمْ تَنْزِعْ عَنْ غَيِّكَ وَشِقَاقِكَ، لَتَعْرِفَنَّهُمْ عَنْ قَلِيل يَطلُبُونَكَ، لاَ يُكَلِّفُونَكَ طَلَبَهُمْ فِي بَرٍّ وَلاَ بَحْر، وَلاَ جَبَلٍ ولا سَهْل، إِلاَّ أَنَّهُ طَلَبٌ يَسُوءُكَ وِجْدَانُهُ، وَزَوْرٌ لاَ يَسُرُّكَ لُقْيَانُهُ، وَالسَّلاَمُ لاَِهْلِهِ.
ومن كتاب له عليه السلام الى معاوية أيضاً
وَكَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ إِذَا تَكَشَّفَتْ عَنْكَ جَلاَبِيبُ مَا أَنْتَ فِيهِ، مِنْ دُنْيَا قَدْ تَبَهَّجَتْ بِزِينَتِهَا، وَخَدَعَتْ بِلَذَّتِهَا، دَعَتْكَ فَأَجَبْتَهَا، وَقَادَتْكَ فَاتَّبَعْتَهَا، وَأَمَرَتْكَ فَأَطَعْتَهَا، وَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَقِفَكَ وَاقِفٌ عَلَى مَا لاَ يُنْجيِكَ مِنْهُ مِجَنٌّ، فَاقْعَسْ عَنْ هذَا الاَْمْرِ، وَخُذْ أُهْبَةَ الْحِسَابِ، وَشَمِّرْ لِمَا قَدْ نَزَلَ بِكَ، وَلاَ تُمَكِّنِ الْغُوَاةَ مِنْ سَمْعِكَ، وَإِلاَّ تَفْعَلْ أُعْلِمْكَ مَا أَغْفَلْتَ مِنْ نَفْسِكَ، فَإِنكَ مُتْرَفٌ قَدْ أَخَذَ الشَّيْطَانُ مِنْكَ مَأْخَذَهُ، وَبَلَغَ فِيكَ أَمَلَهُ، وَجَرَى مِنْكَ مَجْرَى الرُّوحِ وَالدَّمِ، وَمَتَى كُنْتُمْ يَا مُعَاوِيَةُ سَاسَةَ الرَّعِيَّةِ، وَوُلاَةَ أَمْرِ الاُْمَّةِ، بِغَيْرِ قَدَمٍ سَابِق، وَلاَ شَرَفٍ بَاسِق، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ لُزومِ سَوَابِقِ الشَّقَاءِ، وَأُحَذِّرُكَ أَنْ تَكُونَ مُتَمادِياً فِي غِرَّةِ الاُْمْنِيَّةِ، مُخْتَلِفَ الْعَلاَنِيَةِ والسَّرِيرَةِ، وَقَدْ دَعَوْتَ إِلَى الْحَرْبِ، فَدَعِ النَّاسَ جَانِباً وَاخْرُجْ إِلَيَّ، وَأَعْفِ الْفَرِيقَينِ مِنَ الْقِتَالِ، لِتَعْلَمَ أيُّنَا الْمَرِينُ عَلَى قَلْبِهِ، وَالْمُغَطَّى عَلَى بَصَرِهِ، فَأَنَا أَبُو حَسَنٍ قَاتِلُ جَدِّكَ وأَخِيكَ وَخَالِكَ شَدْخاً يَوْمَ بَدْر، وَذلكَ السَّيْفُ مَعِي، وَبِذلِكَ الْقَلْبِ أَلْقَى عَدُوِّي، مَا اسْتَبْدَلْتُ دِيناً، وَلاَ اسْتَحْدَثْتُ نَبِيّاً، وَإنِّي لَعَلَى الْمِنْهَاجِ الَّذِي تَرَكْتُمُوهُ طَائِعِينَ، وَدَخَلْتُمْ فِيهِ مُكْرَهِينَ، وَزَعَمْتَ أَنَّكَ جِئْتَ ثَائراً بِدَمِ عُثْمانَ، وَلَقَدْ عَلِمْتَ حَيْثُ وَقَعَ دَمُ عُثْمانَ فَاطْلُبْهُ مِنْ هُنَاكَ إِنْ كُنتَ طَالباً، فَكَأَنِّي قدْ رَأَيْتُكَ تَضِجُّ مِنَ الْحَرْبِ، إِذَا عَضَّتْكَ ضَجِيجَ الْجِمَالِ بِالاَْثْقَالِ، وَكَأَنِّي بِجَمَاعَتِكَ تَدْعُونِي جَزَعاً مِنَ الضَّرْبِ الْمُتَتَابِعِ، وَالْقَضَاءِ الْوَاقِعِ، وَمَصَارِعَ بَعْدَ مَصَارِعَ، إِلَى كِتَابِ اللَّهِ، وَهِيَ كَافِرةٌ جَاحِدَةٌ، أَوْ مُبَايِعَةٌ حَائِدَةٌ.