السلام عليكم مستمعينا الأكارم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج العاشورائي؛
نتابع فيه التعرف الى خصائص الحضور الزينبي في يوم الحسين الخالد من خلال ما كتبه أستاذنا الأديب الحاج إبراهيم رفاعة عن قصيدة هو قلب زينب، هي قصيدة عشنا في أجوائها والحقائق الحسينية السامية التي إشتملت عليها، حقائق تعرضها من خلال حوار في عالم المعنى والملكوت بين الحوراء زينب عليها السلام والبلاء الذي سجد لصبرها الإلهي الفريد وهي تتسلم من أخيها سيد الشهداء صلوات الله عليه أمانة رسالة الشهادة في ركب السباء.. قال الأستاذ رفاعة حفظه الله:
القصة الواقعية التي تجلت في الغيب.. ما حكاها إلا السيدة الصديقة زينب شقيقة روح الحسين ورفيقة دربه الأحمر النبيل، حكتها مركزة رفيعة سامية، وقد تعرفنا على فصول منها عبر القصيدة الرائعة هو قلب زينب.
البلاء الذي أذهله صبر العقيلة الذي هو المظهر الأتم لصبر الله الصبر، ووصف المآسي العاشورائية المفجعة، وهذا الرضى الغامر الذي قابلت به الصفية الصابرة عواصف الرزايا والمحن.. هذا كله أفضى – في القصيدة – الى أفق جديد، هو ذروة الذروة في الحكاية، الله تبارك وتعالى نفسه يريد أن يعرف بزينب بنت أميرالمؤمنين أمته الحبيبة العليمة التي أودعها خزانة الصبر كله.
سيعرفنا جل وعلا على شقيقة روح الحسين نقطة نقطة، تعريفاً بالإشارة المجملة.. يدركه من له قلب، وعلى المرء نفسه أن يبحث عن التفاصيل.
في اللقاء الأخير إنتهينا الى تسليم البلاء تسليماً تاماً الى ما تصنعه هذه الصديقة العلياء، قال البلاء آخر ما قال:
"الله أعلم حيث يجعل سره"
قال البلاء لزينب مستسلماً
ثم جاء النطق من عمق عرش الله، ليكون ختاماً ربوبياً لكل مشاهد القصيدة:
فعلا نداء العرش يوحي من علىً
حكم الإله، وكان قولاً محكما:
هي زينب صنع الجميل لخلقه
فقد اصطفاها للزكية محرما
هي من حروف السر في قطب الرحى
في فاطم مستودعاً مستعصما
هي زينة المولى علي المرتضى
توحيده، هي صبره.. فيها نما
هي طيب طه، هدي سبطي أحمد
هي دمع أصحاب الكساء ململما
هي آية التطهير إذ تبكونها
دمعاً طهوراً للنفوس وعاصما
إنها – سلام الله عليها – إذن – خلاصة أهلها الأصفياء الأطهار: محرم أسرار أمها فاطمة الزكية، وزينة أبيها علي المرتضى، وهي توحيده وصبره النامي العظيم.
وهي طيب جدها النبي الأنور، وهدي أخويها الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة. وهي الى جوار هذا، دمع الخمسة الأطياب المطهرين، إنها بعبارة أشد إيجازاً: صنع الجميل تبارك وتعالى لخلقه.
هذه هي مولاتنا زينب بتعريف الله لها في عالم الملكوت والمعنى والحقائق المكنونة، وما وراء تعريف الله من تعريف.
هذه الآفاق الزينبية العليا هي لزينب وحدها، وهي أحق بها وأهلها بهذا علا النداء الملكوتي العرشي.
ولها صلوات الله عليها حق علينا، بل حقوق، والمدهش أن هذه الحقوق التي في أعناقنا الخلق لهذه الصديقة المعظمة.. إنما ترجع إلينا ثمراتها، وتعود علينا عوائدها السخية إنها عنا في غنى، غنية بربها عن الخلق، والخلق هم المحتاجون الى التحف السماوية التي تفيض بها كفها القدسية، وهم الظامئون الى سحائب الغيث والغوث والخير المتألقة في سماء ابنة النبي.
ما يزال النداء الملكوتي يعلو.. يعلمنا أن تخشع منا القلوب إزاء مشاهد الرزايا الزينبية المفجعة، ويحرضنا على أن يتيقظ في داخل كل منا غافي الوجدان، لتكون لنا مشاركة لصفية الله المظلومة المهضومة، لا مشاركة في تحمل ما تحملت؛ فهذا ضرب من الإستحالة والتعجيز، إنما نشاركها بما نقدر عليه – وبكل ما نقدر عليه – من التعاطف الوجداني والحرارة القلبية.. فنأسى لما أصابها، ونتحرق كمداً للرزايا والخطوب والبلايا التي نزلت بها مجتمعة ومتفرقات.
إن مولاتنا زينب بنت علي وفاطمة هي كالأم لنا في حنانها ورأفتها، بل هي أم.. أكثر حناناً ورأفة من الأم، ماذا يفعل أحدنا إن عاين أمه تلقى الأذى والنصب والإستخفاف من أوباش جفاة معتدين؟! أتراه يظل متفرجاً كالغرباء على أمه التي تستذل وتضرب وتهان؟!
إن أهل الكوفة ممن لم تسنح لهم فرصة المشاركة في القتل والقتال يوم عاشوراء كانوا متفرجين، أترانا نرضى لأنفسنا أن نكون قد حضرنا اليوم العاشر في كربلاء، ووقفنا من وقائعه موقف المتفرجين؟! هذا صوت أبي عبد الله الشهيد الغريب المظلوم ما يزال – منذ يوم عاشوراء – يرن في فضاء الأجيال والقرون من سمع واعيتنا – أي صوت مقتلتنا – ولم ينصرنا أكبه الله على منخريه في النار.
إنه اختيار أحد موقفين لا ثالث لهما: إما موقف أهل الغيرة والحمية الرجال، أو موقف المتخاذلين الأنذال.
الله تبارك وتعالى يدلنا على الموقف اللائق بمن في قلبه محبة لأهل البيت ومودة: أن نأسى في الأقل لهذه الأم العظيمة الفياضة بالرحمة والحنان، وأن يجرح مرآها في كربلاء – وهي المرأة المستوحدة المستفردة المقهورة الصبورة – منا سويداء القلب، فتنفجر في داخلنا عيون الحمية بالدمع والبكاء، والبكاء هذا نوع من النصرة، ولا ريب.
إن الحزن يمسي مضاعفاً، والأسى مركباً إذا بكينا على شقيقة الحسين: لفداحة مصائب شهداء كربلاء أنفسهم، ثم لعظيم فجيعة العقيلة نفسها على مصائب شهداء كربلاء، وعندئذ يغدو نظرنا الى رزايا عاشوراء.. كمن ينظر إليها من خلال عدسة أشد تركيزاً للصورة، وأكثر توسيعاً لألوانها الحمراء.
هي آية التطهير إذ تبكونها
دمعاً للقوس وعاصما
هي آية التطهير إذ تبكونها
دمعاً للقوس وعاصما
أرأيت – يا أخي – ما نفوز به في بكائنا على عزيزة الله المصونة بنت فاطمة الزهراء البتول؟! ستكون دمعتنا عليها مطهرة لنا، وما أحوجنا في هذه الدنيا الى التطهير! وستكون عاصمة لنا من الغرق في الشك والضلال، وما أجدرنا أن نبادر الى ما يعصمنا من الغرق في الشك والضلال!
ليس هذا وحده، فثمة هبات رائعة أخرى نستمدها من الصديقة في البكاء عليها وفي الحزن لأحزانها المتألهة المقدسة، وما أغلاه من فتح لنا إذا كان فوزنا – من كرم يديها – بأن تمنحنا رؤية الحسن والبهاء منطوياً في داخل المحن، ورؤية جميل صنع الله متلألئاً مجدولاً في عمق كل رزية ومصاب، أجاركم الله من كل مصاب ورزية!
تبكون زينب أم كل مصيبة
جزعاً يصير لكل جرح بلسما
وهكذا مستمعينا الأفاضل تتضح خصوصية أخرى من خصوصيات يوم الحسين يتضح منها سر ما أكدته كثير من الأحاديث الشريفة بشأن عظمة الثواب الذي جعله الله تبارك وتعالى للبكاء على المصاب الحسيني والمصاب الزينبي.
فهو بكاء يستتبع صلاة الله على الباكي كما ورد في الحديث المشهور المروي عن الإمام الصادق – عليه السلام – وهو بكاء يطفأ نيران جهنم لأنه يجفف في نفس الباكي كل نزوع للظلم والجور وهما أهم العوامل الى جهنم أعاذنا الله وإياكم منها.
نشكركم على طيب الإستماع لحلقة اليوم من برنامجكم يوم الحسين إستمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.. في أمان الله...