سلام من الله عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة منه وبركات..
تجليات عزة المظلوم الذبيح هي من أبرز خصائص يوم الحسين عليه السلام وهي موضوع حلقة اليوم من هذا البرنامج.. نتعرف إليه من خلال ماكتبه أستاذنا الأديب الحاج إبراهيم رفاعة عن تأملاته العميقة في إحدى أجمع القصائد الغراء في بيان خصائص اليوم الحسيني الخالد إنها قصيدة هو قلب زينب التي تحكي لنا حواراً في عالم الملكوت والمعنى بين الصديقة الحوراء وبين البلاء الذي سجد صبرها وأمره ربه أن يتعلم منها أسمى مراتب الحمد والشكر والصبر والرضا بمشيئته عزوجل.
قال الأستاذ الحاج رفاعة:
جسد النور الحسيني الأحمر، هذا الممد المسلوب الرداء بجنب زينب في طف كربلاء.. تنظر العقيلة الحوراء في مساء يوم لترى فيه ما لم يره أحد.. في فضاء هو العز في أسماه، والجمال في أرقاه، والبهجة في أسعدها وأغلى طيبها؛ وها هي تحدث البلاء – بل وجميع الموحدين – قائلة بلسان الحال:
ورأيت في الجسد السليب حمية
هيهات منها أن تذل وتهضما
ورأيت في الشيب الخضيب نضارة
تحكي انتصاراً في الملاحم أعظما
ورأيت نوراً في عميق جراحه
يعلو إباءً في البلايا أكرما
وشممت تربته، فأنطق طيبها
قلبي وأبهجه، فقال متمتما:
ماذا على من شم تربة أحمد
في كربلا أن لا يفارق ذا الحمى؟!
إننا الآن لسنا أمام مرأى مقتلة مروعة مفجعة تفجر الأسى والبكاء والنحيب فحسب، بل ما نراه مشهد عظيم معبأ بالإباء والحمية والظفر الغالب رغم الظاهر المغلوب.. وأمام نور حسيني يستعلي على وهن المصائب والكروب، ثم هذه تربة الشهيد عابقة بطيب أبدية الله..
يمازجه ابتهاج روحي وجمال بهي يهيمن على كل شيء، هذا الطيب ذوالبهجة الغامرة هو نفسه طيب جده النبي، أو ليس السيد الحسين شبيهاً بجده النبي؟!
ماذا على من شم تربة أحمد
في كربلاء أن لا يفارق ذا الحمى؟!
هذه التربة الملكوتية المكنونة المصونة المضخمة بدم الشهادة الأقدس، وبالعطر المحمدي الأنفس.. تربة عزيزة كريمة فضلى زخارة بالأسرار والأنوار، تتناول الصديقة زينب قبضة من ثراها تحملها معها أينما حلت، هي مسجد لها وحرز ومسبحة وزاد شفاء:
فحملت منها مسجداً يسري معه
حرزاً ومسبحة وزاداً بلسما
وأنعم بهذه التربة المرتوية بيد سقاء آل محمد أبي الفضل العباس من "ربوة ذات قرار ومعين" فيها زمزم.. وفيها كل ماء الحياة:
فحملت منها مسجداً يسري معي
حرزاً ومسبحة وزاداً بلسما
ورواه من ماء الفرات بربوة
سقاء آل الله كان المعلما
فلقد بكت نبع الوفاء وجوده
فتفجرت عين السقاية زمزما
من زمزم العباس كان شرابنا
فلركبنا صار الكفيل ملازما
وكان هذا فضلاً من أخيها أبي الفضل العباس، وللعباس بن أميرالمؤمنين حكاية عظمى في طف كربلاء.. كل تفاصيلها عزم رجولة وعمق يقين ومعرفة وتهاليل جمال، هو السقاء للأكباد الحرى قبل اضطرام الملحمة العاشورائية، وسيظل الى الأبد للأكباد الحرى هو السقاء.
وهو الكفيل الحمي المدافع عن حرمات رسول الله، تهاب نظرته شزراً بمؤخر عينيه قلوب الشجعان أن تدنو الى مخيم حرائر علي وفاطمة، وسيظل المرافق الغيور المؤتمن الذي يماشي ركب الهاشميات المحمديات في رحلة السبي الشاقة الطويلة الى الشام.
إن أخاها العباس هو صورة لأبيها علي بن أبي طالب في شهامته المجبولة له وحده، وفي رحمته السابغة التي لا تناسب قامة إلا قامة ولي الله الأعظم علي:
من زمزم العباس كان شرابنا
فلركبنا صار الكفيل ملازما
حديث كربلاء.. هذا المدمى المتوثب بالبسالة وبالحمد والتعبد والجمال، كل هذا الحديث تحكيه للبلاء – في عالم المعنى- العلياء المكرمة بنت محمد وعلي، البلاء الذي أدهشه جبل الصبر الزينبي، فاستقال ربه ودعاه أن يعفيه من ملازمة دار العقيلة، تحكيه لتري البلاء أنها ما رأت في المصائب غير الجميل من فعل الله، وما عاينت في أعتى الكوارث والخطوب إلا أسنى الحسن والبهاء؛ فإن حبيب قلبها الحسين هو من مسح بكفه على صدرها.. فإذا هي ترى عياناً أن الرزايا نعم، والبلايا منح وهدايا تتنزل بسخاء من فوق!
ها هي صلوات الله عليها لا تسمي حديث كربلاء إلا حديث العشق، حتى ما ستلقاه من أسر وهضم في سبي الأدعياء الأشقياء لخفرات الله من نساء آل محمد.. تتذوق فيه عشق الله والشوق إليه، إن رحلة الأسر والسبي هي إتمام لرحلة القتل والذبح في كربلاء:
هذا حديث العشق في طف البلا
وتمامه في الشام سبياً مدغما
وستكشف سلام الله عليها لهذا البلاء المترحم المذهول سراً من أسرار الملمحة الحمراء التي اختار صنعها بدمه المقدس شقيقها العظيم، كما ستجلو سر اختيارها لظلامات السبي المضني الملوع الذي سيعقبه استشهادها بعد أمد قصير، هذا السر فيه من الإيثار والغداء ما يبصرنا بعرفان جميل هذه السيدة الهاشمية علينا.. تماماً كما كان قبلها سابغاً علينا جميل أخيها الحسين:
خار الحسين القتل كي ينجو الورى
من ميتة المحيا بديجور العمى
خار الشهادة فهو مصباح الهدى
واخترت سبياً بالشهادة تمما
واخترت أسراً كي تحرر شيعتي
من كل أسر ظاهراً أو مكتما
البلاء – هذا المخلوق الإلهي المطيع – من داخله اهتز وهو يصغي الى الحقائق المذخورة التي نطقت بها شقيقة روح الحسين، هذه الحقائق الزينبية المكنونة التي تهادت على سمعه نقية غالية رقراقة.. زادته حيرة، وعمقت في داخله الإحساس بالضالة أمام طود صبر لا يقدر عليه إلا الله.
بكى البلاء، لابد للبلاء أن يبكي إن كان له قلب حي.
وسجد البلاء أيضاً، لا مناص له من السجود طوعاً في هذه الحضرة المتألهة العزيزة، ولا مناص له كذلك من الإستغفار بين يدي ربه وقد تجلى له جميل صنع الله المجدول بالحكمة والنعمة المدرارة، ومن حينها قرر أن لا يتساءل عما يجري على العقيلة الصفية، مطيعاً مذعناً لما تصنع هذه الصديقة ولما تقول:
فبكى البلاء وخر عبداً ساجداً
واستغفر الله الحكيم المنعما
رضي المقام بدارها طوعاً لها
وأناب عبداً للعقيلة قائماً:
"الله أعلم حيث يجعل سره"
قال البلاء لزينب مستسلما
القصيدة الزينبية ما تزال – يا أخي – تحكي..
تحكي حكاية كربلاء، لكن من أفق نوري زاه موغل في العلو؛ لأنها حكاية نطقت بها العلياء المعظمة زينب بنت أميرالمؤمنين.. الناهضة – بشجاعة فذة – بأعباء ملحمة عاشوراء.
اللقاء المقبل يا أخي.. يتألق أيضاً بآفاق رائعة من قصيدة هو قلب زينب.
كان هذا مستمعينا الأفاضل مما كتبه أستاذنا الأديب الحاج إبراهيم رفاعة عن تجليات عزة المظلوم الذبيح عليه السلام في يوم عاشوراء.. تقبل الله منكم حسن الإصغاء لحلقة اليوم من برنامج يوم الحسين إستمعتم لها مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.. دمتم في أمان الله...